الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

موناليزا الصين

موناليزا الصين
21 يوليو 2018 23:31
غالية خوجة (دبي) عرفت الحضارة الصينية العريقة الفنون منذ نشأتها، وبدأت رحلتها النحتية والتشكيلية مع الجرة الجنائزية المصنوعة من الخزف الأبيض، ومع التطور المعرفي للإنسان أصبحت الجرار ملونة عام (2000/ق.م)، وبدأ الرسم يظهر على الخزفيات ذات (المينا) البيضاء ثم ذات (المينا) السوداء، وتنوعت تشكيلات الخزف بين تماثيل وأدوات يومية، ولوحات أخرى اتسمت رسومها بحضور الطبيعة من أشجار وجبال وأنهار وطيور وزهور. وتتشكّل هذه الرسوم بطريقة اللغة الصينية ذات الأبعاد الفنية الشجرية التي تعكسها أبجديتها، أيضاً، على طول طريق الحرير التاريخية، وعبْر هذه الطريق، المنفتحة على التآلف والمحبة والسلام والثقافة الإنسانية، تداخلت الحضارات وتأثرت بأبعاد جديدة، يجسدها الفن التشكيلي. وبدأ هذا الفن (التـنّيني) بالتحرك من مراياه التقليدية المألوفة، وفضاءاته الكلاسيكية المعروفة، نازحاً إلى الفن الحديث، مع احتفاظه بمحاوره الأساسية من المفاهيم الفنية التي لا تتخلى عن موادها مثل الخزف والحرير والحبر الصيني، إضافة إلى دلالاتها المتداخلة مع الأسطوري والخرافي والواقعي والتجريدي، وهذا ما جعل المشهد التشكيلي الصيني في العصر الحديث يمر بأربع مراحل، تبعاً لتصنيف الباحثين، أولها مرحلة اليقظة وتبدأ مع سبعينيات القرن الماضي وتمثلها لوحة (الأب) للفنان لو تشونغ لين التي نحاول هنا قراءة مضامينها، وثانيها مرحلة الاختراق (الثمانينيات) وظهرت خلالها (90) مجموعة فنية و (150) فعالية بمشاركة (2000) فنان، وثالثها مرحلة الحافة في (التسعينيات) ويعكسها الفن الجماهيري والفن الساخر، ورابعها مرحلة الازدهار والظل وتجسدها أعمال بداية الألفية الثانية المتواصلة إلى لحظتنا الراهنة. أما عن اللوحة الزيتية الأكثر شهرة (الأب) فمن الممكن القول إنها (الموناليزا الصينية)، بما تعكسه من دلالات درامية حية تنبع من تراجيدية الواقع الذي تحداه (لو تشينغ لي) المولود في سيتشوان (1948)، ليعكس من خلال ملامح بطل لوحته ديمومة من نوع ما، قابلة للحدوث في أي زمان ومكان، لا سيما تلك النظرة المحدقة إلى الذات والآخر في آن معاً، المتحدية، المتسائلة، المعاتبة، والمصرة على المضي إلى المستقبل من خلال الحياة - رغم قسوتها وخطوطها الزمنية الواضحة على وجه العجوز الفقير- بما تحكيه من أحداث مختلفة، تكملها تفاصيل اللوحة المرسومة بدقة فوتوغرافية، بخلفيتها المتدرجة بين لون الشمس وضيائها وآثارها المترسبة على وجه العجوز الفلاح المرتبط بالأرض، ولون بشرته، وثيابه الفلكلورية، وفمه المفتوح على ماضيه الصامت، ولحظته المعاصرة المتسربة من أسنانه المتبقية. وبين الضوء والظل وأزمنتهما، يبرز دور أصابعه، وهي تحمل وعاء صينياً تقليدياً، مزيناً بكائنات بحرية، مرسومة بالحبر الصيني مثل السمكة، وعلى سطح الوعاء الداخلي تبرز ندوب عتيقة، تنعكس مع ضوء الشمس على المادة السائلة التي يحتويها الوعاء. والملفت، ما تعكسه الأصابع من قوة رغم التعب المتواصل، وما تخبر عنه الأظافر، وما يختبئ تحت لفافة الجرح في السبابة اليمنى، وتبدو هذه اللفافة وكأنها خاتم أبدي لعناق العجوز مع التربة وفصولها، تكملها قطرات العرق المنسابة من الرأس إلى الأنف عبوراً بالندوب.. لكن السؤال يبقى عن دور القلم الذي يضعه (الأب) خلف أذنه اليسرى؟ ترى لماذا القلم؟ وما علاقته بالألم؟ هل هو لجرد الحساب، أم لتحديد المقاييس؟.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©