الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يسِّروا ولا تُعسِّروا

يسِّروا ولا تُعسِّروا
28 يناير 2010 20:54
الحمد لله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد– صلى الله عليه وسلم– وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد. الشريعة الإسلامية والحمد لله مبنية على اليسر لا على العسر، وعلى السماحة ورفع الحرج، لا على التشدد والغلو والتطرف وعندما نتدبر آيات القرآن الكريم نرى ذلك واضحاً جلياً في قوله سبحانه وتعالى {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (سورة البقرة الآية 185)، وقوله أيضاً {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (سورة الحـج الآية 78). واليسر في الإسلام ليس شعاراً يردده أتباعه لترغيب الناس فيه، ولكنه واقع ملموس من تعاليمه وأحكامه ومبادئه السمحة، فبعد أن تحدث القرآن الكريم عن كيفية الوضوء، وعن كيفية التيمم إذا لم يوجد الماء، أو وجد ولكن المسلم لم يستطع استعماله لعذر من الأعذار، قال سبحانه وتعالى مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (سورة المائدة الآية (6)) وقد ذكرت كتب السيرة أن الرسول– صلى الله عليه وسلم – أرسل أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل– رضي الله عنهما - إلى اليمن، ووصاهما قائلا «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا» (أخرجه الشيخان). ومن فضل الله على عباده أن الإسلام انتشر انتشارا سريعا، وأقبلت الوفود تسعى إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم– لإعلان إسلامها، كما قام - صلى الله عليه وسلم- ببعث رسله لتعليم الناس مبادئ الإسلام وأحكامه، وكان – صلى الله عليه وسلم – يختار الدعاة من أصحابه ليعلموا الناس مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وهنا نرى أنه – صلى الله عليه وسلم – اختار الصحابيين الجليلين أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل لهذه المهمة الجليلة. أما أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه- فهو عبد الله بن قيس وهو من قبيلة الأشعريين الذين أثنى عليهم النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقد كان - رضي الله عنه - حسن الصوت بالقرآن سمعه النبي – صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة وهو يقرأ فقال له (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود). وأما معاذ بن جبل – رضي الله عنه – فهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وهو الذي قال عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل). وقد روى أنس بن مالك – رضي الله عنه – صاحب وخادم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر الأمة كلها بما أمر به معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري - رضي الله عنهما - فقال: (يسروا ولا تعسروا، ?وبشروا ولا تنفروا) (أخرجه البخاري ). إن مهمة هذين الصحابيين – رضي الله عنهما – هي تعليم الناس أمور دينهم، وترغيبهم في هذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين، حيث إننا نتعلم من توجيه الرسول – صلى الله عليه وسلم – لهما، الآداب التي يجب أن يتحلى بها الداعي إلى الله تعالى أثناء ما يقوم به من توجيه وتعليم. فمن ذلك أن يغلب جانب التيسير على التشديد والتضييق، وأن يعتمد على التبشير أكثر من الإنذار أو التهديد، وهو ما سماه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالتنفير، فالسماحة واليسر، هما طابعا الدين الإسلامي وميزته الكبرى، التي مهدت السبيل أمام دعوته، فأخذت طريقها إلى قلوب الناس وعقولهم، والتكاليف الشرعية، سهلة مرنة، لا حرج فيها ولا عنت، فهي منوطة بقدرة المكلف واستطاعته. يقول الله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (سورة البقرة الآية 286)، ويقول {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }(سورة الحج الآية (78)، واليسر والرفق والسماحة من هدى النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن ذلك قوله (إن هذا الدين يسر ولن يُشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فسدوا وقاربوا وأبشروا) (أخرجه البخاري ). ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم– الذي أرسله ربه ليرفع راية العبادة وليبني على الأرض منارة السنة والفرض، نراه يسوق الناس إلى عبادة ربهم، سوقاً لطيفاً رفيقاً، حيث كان – صلى الله عليه وسلم – يختار الأيسر، كما ذكرت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - (ما خُيِّر النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه) (أخرجه البخاري ومالك في الموطأ). ومن خلال دراستنا لسنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فإننا نتعلم دروساً كثيرة منها حكمته في التربية بالرفق واللين وعدم مقابلة المخالفة بالعقاب لمن كان مبتدئاً في حجر التربية، كما أنه – صلى الله عليه وسلم – يعلمنا كيف نعالج ونصلح ونغير عن طريق الموعظة والرفق واليسر . فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: «بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – دعوه وأريقوا على بوله سجْلاً من ماء أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» (أخرجه البخاري). هذا أعرابي يدخل مسجد الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيتنحى طائفة منه ويتبول، فهو لا يدري حرمة المساجد التي أمر الله أن تعظم وتطهر، عندئذ قام الصحابة – رضوان الله عليهم – يسرعون نحوه يريدون ضربه وتأديبه، فيقول – صلى الله عليه وسلم– «دعوه ، لا تزرموه اتركوه» (أخرجه الشيخان)، أي لا تقطعوا عليه بوله، ثم أمر- صلى الله عليه وسلم - بذنوب من ماء فطهر به مكان البول»، ثم قام – صلى الله عليه وسلم – باستدعاء الرجل وقال له «إن هذه المساجد لا يصلح شيء منها للأذى والقذر، إنما هي للصلاة وذكر الله والتسبيح والتكبير والتهليل»، ثم قام الرجل وتوضأ وأتى ليصلي، وفي التحيات قال في التشهد الأخير: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، وذلك لما رأى منه – صلى الله عليه وسلم – من لطف في المعاملة. فالتفت إليه – صلى الله عليه وسلم – وقال «من الذي دعا آنفاً؟ «، وهو يعرف – صلى الله عليه وسلم- أنه الأعرابي، فقال الأعرابي: أنا وما أردت إلا الخير، فقال - صلى الله عليه وسلم - «لقد أحجرت واسعاً «(أخرجه البخاري) يعني: ضيقت رحمة الله التي وسعت كل شيء {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } (سورة الأعراف الآية( 156)، فعاد إلى قومه فأخبرهم بأخلاق الرسول – صلى الله عليه وسلم– فدخلوا في دين الله أفواجاً. هذا هو اللين والرحمة في دعوته – صلى الله عليه وسلم – وكذا دعوة كل نبي، فقد أرسل الله موسى وهارون – عليهما الصلاة والسلام - إلى فرعون فقال لهما {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (سورة طه الآية (44) ولو أن المسلمين تمسكوا بهذا الخلق الرفيع من الرفق في الدعوة، وحسن النصح والإرشاد، لعاشوا سعداء. ويكشف الرسول – صلى الله عليه وسلم– عن عظمة الإسلام، فيصفه بأنه دين متين، يحمل في ذاته، عناصر الخلود والبقاء، ويوصي أتباعه بأن يوغلوا في هذا الدين برفق، فذلك أعون على استقامة النهج، وبلوغ الغاية فيقول– صلى الله عليه وسلم -(إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى)(أخرجه أبو داود). إن الواجب على الداعية أن يخلص لرسالته التي يؤديها فتكون شغله الشاغل وعليه أن يعامل الناس بقلب مفتوح فلا يكون أنانياً ولا حاقداً، لا تحركه النزوات العابرة، ولا ينحصر داخل تفكيره الخاص، فهو يخاطب الآخرين وينبغي أن يلتمس الأعذار للمخطئين، وألا يتربص بهم بل يأخذ بأيديهم إذا تعثروا – للحديث: «حببوا الله إلى عباده» وقوله أيضاً: «بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا». إن للكلمة الطيبة أثراً كبيراً، وللدعوة الصادقة استجابة طيبة، فقد دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قومه إلى دين الله لكنهم واجهوه بالعقبات وقالوا: «إنه ساحر ومجنون وكذاب ... الخ» من الأقوال الخبيثة. وذهب – صلى الله عليه وسلم – إلى الطائف لعله يجد الأنيس والنصير، فسبوه وشتموه ورجموه، فجاءه الملك يعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين، فقال عليه الصلاة و السلام: «اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله «، لم يشتمهم ولم يلعنهم، بل دعا الله أن يهديهم، وفعلا استجاب الله دعاءه، وخرج من صلب أبي جهل – عدو الله اللدود – الصحابي الجليل عكرمة، وخرج من صلب أمية بن خلف – الكافر – الصحابي الجليل صفوان، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة – الكافر – سيف الله خالد. أسأل الله أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكون رصيدا آخروياً ينفعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن نجعل قول الله قدوتنا {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (سورة يوسف الآية (108). وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©