السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإدمان يمزق مكونات النفس ويبعثر مقومات الشخصية

الإدمان يمزق مكونات النفس ويبعثر مقومات الشخصية
23 يونيو 2014 23:00
يصادف يوم بعد غد احتفالات اليوم العالمي لمكافحة المخدرات والإدمان عليها، في شتى أنحاء العالم. ولا يختلف اثنان حول الآثار السلبية المدمرة لتعاطي المخدرات والمسكرات والعقاقير المخدرة على صحة الفرد النفسية والبدنية، فضلاً عن تأثيراتها المتعددة على صعيد الأسرة والمجتمع. وقد يزعم البعض بأن للمخدرات تأثيرات وهمية «زائفة» بالطبع على تغيير المزاج الشخصي، بل يتوهم المدمنون في مرحلة معينة أن هذا المخدر أو ذالك ينقله إلى عوالم لا يراها إلا هو، ومن ثم يكتشف زيف وضلالات ما يعتقد، في الوقت الذي يخسر فيه نفسه، ويخسر كل شيء حوله، ولا يستيقظ من غفلته إلا ووجد بنيانه النفسي الذي يجهله، قد تمزق وتبعثر إلى أشلاء وبقايا، بعدما إصابته بأمراض نفسية وعلل معقدة يجهلها، ويجهل المحيطون به كيف يتعاملون معها... فما هي الأضرار والآثار النفسية المدمرة للإدمان؟ خورشيد حرفوش (أبوظبي) كثير من الدراسات النفسية والطبية تؤكد أن أكثر من 95% من يسيئون استخدام المخدرات والعقاقير المخدرة الذين تحولوا بعد ذلك إلى مدمنين، لم يكونوا على معرفة ودراية كافية بأن حالتهم النفسية والصحية ستكون على ما هي عليه من تدهور وانحلال بعد الإدمان. وأن أصحاب هذه النسبة ظنوا في أحيان كثيرة أنهم سيكونوا قادرين على الامتناع والتوقف عن التعاطي في أي وقت يشاؤون. هؤلاء يجهلون دون أدنى شك، ما يسببه الإدمان من تفتيت أركان الشخصية، وبعثرة مقوماتها إلى حد يصبح فيه الشخص «مريضاً» عاجزاً عن لملمة جنبات نفسه، وإعادة قدراته الذهنية والعقلية والإدراكية إلى العمل كما كان في السابق بمفرده، ودون تدخل علاجي مهني مكثف. يوضح الدكتور محمود رشاد، استشاري الصحة النفسية في مجال علاج الإدمان: «هناك نظريات عديدة تناولت الإدمان وأسبابه، وأساليب التعامل معه كظاهرة نفسية مركبة ومعقدة، ولم تتفق فيما بينها على متغير واحد، لكنها أشارت إلى تفاعل أكثر من سبب نفسي واجتماعي وثقافي، بل وجيني ووراثي، كمتغيرات مؤثرة تساعد على الاعتماد أو الإدمان، فالفرد نفسه وعمره وحالته النفسية وخصائصه الشخصية، وظروف الأسرة وأساليب التنشئة الاجتماعية، والثقافة السائدة والقيم الدينية والأخلاقية السائدة، والمحيط الاجتماعي والبيئي». أسباب ويضيف الدكتور رشاد: «لا ننسى رفقاء السوء، والجماعات المرجعية الهشة منهم، وميل الصبية والمراهقين إلى «التجربة» أو حب الاستطلاع، مع وجود الفراغ، وغياب القدوة أو الرقابة الأسرية، وضعف الوازع الديني المبكر، في ظل هيمنة ثقافة «الإنترنت» وشبكات التواصل الاجتماعي، والسماوات الفضائية المفتوحة، كلها عوامل تضع النشء أمام خيارات سلبية، مع افتقاده كثيراً من المهارات الاجتماعية التي تحصنه وتحميه عند الخطر، ونجد كثيراً من هؤلاء ضحايا مغريات وأهواء ونزعات وتجارب ضارة عديدة، يفشلون أمامها في اتخاذ القرار الصائب». نمط الشخصية يؤكد الدكتور رشاد العامل النفسي للتعاطي والإدمان، ويرى أن هناك كثيرين أيضاً يتعاطون العقاقير أو المخدرات نتيجة أفكار سلبية ومغلوطة في كونها تخفف القلق أو التوتر أو الاكتئاب أو تساعد في الهروب من المشاكل، أو البحث عن إدراك الذات ومعنى الحياة، أو أنها تساعد في تذوق وتنمية الإحساس بالجمال والإبداع الفني والجنسي والمعاني الصادقة للعلاقات الشخصية، أو بسبب التمرد على قيم المجتمع أو اليأس من هذه القيم، ورغبة الشخص في عدم تفويت خبرة ممتعة، والرغبة في مجاراة جماعة الرفاق، واللهو والتسلية والبحث عن الإثارة والفضول، وهي في مجملها أوهام غير موضوعية، وليست حقيقية. ويلفت الدكتور رشاد إلى أنه إذا كان هناك تباين أو اختلاف في شكل الأضرار الصحية الجسدية لكل نوع من المخدرات أو المسكرات أو المفترات أو أية عقاقير مخدرة أخرى، ومدى تأثيراتها العضوية على المخ أو المعدة أو الكبد أو غير ذلك، إلا أنها أيضاً تسبب العديد من الآثار النفسية الخطيرة التي قد لا تظهر أو تبدو واضحة أحياناً، لكنها تتراكم وتظهر جلية بعد أن تكون قد دمرت معالم شخصية المدمن. آثار سلبية يكمل الدكتور رشاد: «هناك آثار سلبية عديدة للإدمان على المخدرات، فعلى الجانب النفسي، نجد جملة من الاضطرابات النفسية والانفعالية كلوم الذات، والميل إلى العزلة وتخلخل الوجدان والعاطفة، والاكتئاب والقلق، ويصبح الخلل واضحاً في التعامل مع الذات والآخرين، ونمو المشاعر والتوجهات العدوانية لتدمير الذات والآخرين في آن واحد، معاً، وتدهور الشخصية والتهرب من المسؤولية وعدم الثقة بالنفس وبالآخرين، أما على الصعيد الاجتماعي، فنجد خللاً في الحياة الزوجية، وانتشار الطلاق بين المدمنين، والتفكك الأسري، واضطراب بنية العائلة مع كثرة التعرض للمشكلات المادية والعاطفية والدراسية والاجتماعية، إلى جانب اضطراب التوازن الاجتماعي، حيث يعتاد المدمن على تأجيل مواجهة الواقع أو المشاكل المحيطة به والهروب منها، وبالتالي يتعزز لديهم السلوك الانسحابي وتضعف إمكاناتهم وقدراتهم النفسية اللازمة للعيش باتزان مقبول في المجتمع، كما يحدث اختلال العلاقات الاجتماعية، وانتشار السلوكيات التي تتنافى والأعراف الاجتماعية، واختلال العلاقة بالآخرين وضعف الالتزام بالضوابط والأعراف الاجتماعية والميل إلى التمرد على القيم الاجتماعية، أما على الجانب الاقتصادي، فنلاحظ الإقلال من كفاءة العمل، ووجود مشاكل العمل، والغياب، وعدم الانضباط، والوقوع في مشاكل قانونية، ومن ثم البطالة، وفقدان العمل والتأثير السلبي على الإنتاجية، والتسبب في خسائر مادية بسبب كثرة الحوادث، وقلة الالتزام وعدم الشعور بالمسؤولية». تحول عدائي أما علاقة الجانب النفسي بالجانب الأمني، فيقول الدكتور رشاد: «إن ذلك يتمثل في التأثير السلبي على الحالة النفسية للفرد لمساهمته المباشرة في تغيير شخصية البعض، وتقليل قدراتهم على التحمل والتكيف، فإن الحالة هذه ستكون بطبيعتها الأرضية المحتملة لبعض الخروق الأمنية والدافع المباشر، أو غير المباشر لعدد من الجرائم المرتكبة ذات التأثير السلبي على استقرار المجتمع وأمنه ذي الصلة بالأشخاص، أو المعلومات، أو المعدات، أوالمنشآت، حتى أصبح الإدمان ثغرة أمنية ينظر إليها من حيث الصلة بين الجريمة وتناول المخدرات، وفي إطارها تؤكد الدراسات أن المخدرات مسؤولة عن تحفيز الميل لارتكاب الجريمة الموجود أصلاً في التكوين النفسي لبعض الأفراد، وعندها يصبح تناول كمية منها كافياً لدفعه - أي من لديه ميول ذات طبيعة إجرامية في الأصل - باتجاه ارتكاب جريمة معينة، خاصة لمن اعتاد العنف، ذلك أنها - أي المخدرات - تضعف من القدرة على الإدراك ومن السيطرة على الإرادة بالمستوى الذي لا يستطيع فيه المدمن من كبح دوافعه الإجرامية، وأنها في الوقت نفسه تبدد الخوف من العقاب، وبالمحصلة يمكن القول، إنها تغّلب عقد العزم لارتكاب الجريمة على الدفاعات المانعة منها. وإذا ما أضفنا إلى ذلك جرائم وحوادث الطرق، فإن الصورة تكون أكثر ضبابية، لأن المخدرات تقلل القدرة على الرؤية الواضحة، والانتباه اللازم للقيادة، والقوة العضلية اللازمة للأداء الحركي في الوقت المناسب، إضافة إلى الثقة المفرطة بالنفس إلى حد المغالاة في أحيان كثيرة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©