السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سمرقند عاصمة الفاتحين والغزاة

سمرقند عاصمة الفاتحين والغزاة
2 سبتمبر 2010 21:42
سمرقند ثانية كبرى مدن جمهورية أوزبكستان بسكانها الذين يقتربون من نصف المليون، وهذه المدينة السياحية الكبرى في أواسط آسيا كانت في غابر الأيام أشهر الحواضر الإسلامية، فقد كانت مقراً للغازي والفاتح الكبير “تيمور لنك”. وقصة المدينة مع الإسلام تبدأ بمحاولات جيوش الفتوحات الأولى إخضاعها نظراً للمكانة الدينية الكبيرة لها في بلاد ما وراء النهر، إذ كانت أكبر مراكز العبادة البوذية هُناك وباعتبار أهميتها الاقتصادية أيضاً. بدأت الفتوحات في بلاد ما وراء النهر منذ عام 46 للهجرة “667م” وأحرزت نجاحات مؤقتة إلى أن أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي الفاتح الشهير “قتيبة بن مسلم الباهلي”، على رأس جيش كبير نجح في هزيمة “طرخون” التركي حاكم سمرقند وأجبره على قبول الصلح وأداء الجزية وتقديم بعض الرهائن لضمان عدم تمرده، غير أن رجال الدين البوذيين حرضوا الأهالي فخلعوا طرخون وعينوا مكانه “إخشيد جورك”، ولكن قتيبة أرغمه على الاستسلام بعد حصار طويل للمدينة في عام 93 للهجرة “712م”. وعلى الرغم من قيام السامانيين بنقل عاصمة بلاد الصغد ومملكتهم إلى بخارى من عام 204 للهجرة “819م”، فإن سمرقند واصلت ازدهارها محتفظة لنفسها بالمكانة الأولى كمركز للتجارة والثقافة الإسلامية. وشهدت المدينة فترات من الاضطراب بسبب تعاقب الأسر التركية المتنافسة على حكمها قبل أن تنجح أسرة خوارزم شاه بقيادة محمد بن تكش في الاستيلاء عليها في عام 606 للهجرة “1209م”، ولكن سمرقند لم تنعم طويلاً مع الخوارزميين إذ حاصرها المغولي “جنكيز خان” لعدة أشهر اضطرت في نهايتها للاستسلام بعد أن عاينت مصير جارتها بخارى التي أحرقتها جحافل المغول ودخلت منذ ربيع الأول عام 617 للهجرة “مايو 1220م” تحت حكم المغول. وعندما ظهر القائد التركي الشهير “تيمور لنك” وقضى على حكام المغول بأواسط آسيا في عام 771 للهجرة ضرب لسمرقند موعداً مع التاريخ عندما دخلها في عام 806 للهجرة واتخذها عاصمة لدولته أو إمبراطوريته التي امتدت من الهند شرقاً إلى موسكو غرباً، ولعلها المرة الأولى التي يرد فيها اسم هذه المدينة الروسية في المصادر التاريخية الوسيطة مقترناً باستيلاء تيمور لنك عليها. عاصمة كبرى بسرعة تحولت سمرقند إلى عاصمة كبرى تنطلق منها جيوش التيموريين وتعود إليها محملة بالأسلاب والغنائم من طرف وكنوز الشرق والغرب وبالصناع والحرفيين من الهند وإيران وبلاد الشام من طرف آخر، إذ حمل هؤلاء بأوامر من تيمور للعمل في إعمار سمرقند وتزويدها بالقصور والمنشآت العامة الدينية والمدنية على حد سواء حتى باتت مضرب الأمثال في الضخامة والفخامة. وبعد وفاة تيمور لنك انقسمت مملكته بين أولاده وأحفاده، تولى ابنه “أولوغ بيك” حكم سمرقند وواصل شحنها بالعمائر ثم ضعف التيموريون أمام زحف قوات “أوزبك خان شيباني” التركي التي نجحت في دخول سمرقند مع مطلع القرن العاشر الهجري “16م”، لتصبح سمرقند مجرد مدينة خاضعة لخانات بخارى الذين هيمنوا على روسيا وأرغموا حاكم موسكو على دفع الجزية خلال القرنين 16 و17م. ولكن دارت عجلة الزمان ونجح قياصرة روسيا في الاستيلاء تدريجيا على ممتلكات الأوزبك وخاصة بعد سقوط أول حصن إسلامي وهو حصن “آق مسجد” أو المسجد الأبيض في بلاد ما وراء النهر في عام 1852م. وبعد أقل من عقدين من الزمان زحف ثمانية آلاف جندي روسي نحو سمرقند وعبروا نهر زر فشان في 13 مايو عام 1868م. وسيطروا عليها في اليوم التالي. وعقب تفكك الدولة السوفييتية أعلن استقلال أوزبكستان وأصبحت جمهورية إسلامية في عام 1991م وبدأ الاهتمام بسمرقند كإحدى مناطق الجذب السياحي، نظراً لما تضمه من معالم تاريخية جديرة بالزيارة ولما توفره من إمكانات للأنشطة السياحية، حيث الفنادق والأسواق التي تعرض أصنافاً شهيرة من المنتجات الفنية والتقليدية. ويقبل زوار سمرقند على معاينة معالمها التاريخية التي تعود بشكل رئيسي لعهد تيمور لنك وابنه أولوغ بيك، ثم لفترة حكم الأوزبك الشيبانيين، فهناك بقايا أسوار وبوابات سمرقند القديمة وهي أربعة أبواب الشرقي منها يعرف بباب الصين ومنه كانت تدخل قوافل التجارة القادمة من الصين عبر طريق الحرير، وباب بخارى بشمال المدينة ثم باب “النوبهار” وهو الاسم المحلي للمعبد البوذي ولعل البودخانه كانت على مقربة منه في الناحية الغربية من المدينة، أما آخر الأبواب فيعرف بباب “كش”، وهي المدينة التركية التي جاء منها تيمور لنك. توجد في ميدان “ريغستان” بسمرقند مجموعة أضرحة شاه زنده التي تضم ضريحاً يقدسه السكان باعتبار أنه يضم رفات “قثم بن العباس بن عبدالمطلب” ابن عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي يقال إنه استشهد في فتح سمرقند عام 57 للهجرة ومن المنشآت المميزة في المجموعة ضريح تيمور لنك الذي يعد برخامه وقبابه المزدانة ببلاطات الفسيفساء الخزفية من عجائب العمارة الإسلامية بالعصور الوسطى، وثمة ثلاث مدارس تاريخية معروفة تحيط بميدان ريغستان وهي مدرسة أولوغ بيك، ومدرسة شير دور التي تعرف بهذا الاسم لوجود رسمين لأسدين بمدخلها، ثم مدرسة تالا كاري ويعني اسمها المطلية بالذهب، وذلك نظراً لتلوين بعض البلاطات الخزفية في واجهتها باللون الذهبي. مهندس المسجد الكبير يكافأ بقطع رأسه من أشهر معالم سمرقند مجموعة من العمائر التيمورية تحيط بالميدان المعروف باسم “ريغستان”، في مقدمتها المسجد الجامع المسمى باسم زوجة تيمور لنك المفضلة “بيبي خانوم”، وتقول الروايات إنها أشرفت بنفسها على تشييده ليسر به الفاتح الكبير عند عودته من غزوته المظفرة للهند، لكن المهندس المعماري الأصفهاني”محمد بن محمود البناء” أصر على أن يطبع قبلة على وجنة الخانوم نظير سرعة إنجاز عمله، فلما عاد تيمورلنك وجد أثر القبلة “الحارة” على وجنة السلطانة فأمر وفقاً للرواية بقطع رأس محمد البناء عوضاً عن مكافأته على عمله الفني الباهر.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©