السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نعمة ونقمة

نعمة ونقمة
8 يونيو 2012
(القاهرة) - لم أصدق أنني حظيت بها ووافقت هي وأسرتها على طلبي بخطبتها رغم الفارق الكبير الذي بيننا اجتماعياً واقتصادياً، أعتقد أنني في حلم جميل لا أود أن أستيقظ منه حتى لا يصدمني الواقع المر، كل شيء كان يسير على عكس توقعاتي، عندما تقدمت إليها واقتربت منها أقدم رجلاً وأؤخر الأخرى، يتلعثم لساني في الكلمات البسيطة مثل طفل يتعلّم الكلام لأول مرة ويجرب كلمات لا يعرف كيف ينطقها. أؤمن بأن هناك فوارق بين الطبقات، وأيضاً أرفض التغاضي عن الكفاءة والتوازن بين الزوجين، لكي يكون هُناك تفاهم بينهما، وتسير الحياة بشكل طبيعي، ولم يكن هذا المبدأ عندي في الزواج فقط، وإنما أيضاً في الصداقات والمعاملات والاختلاط، أود أن أكون مع من يتفقون معي في الأفكار والمستوى المادي والاجتماعي ولا انظر إلى أعلى حتى لا أشعر بالنقص ولا أدع لأحد فرصة ليتعالى عليّ أو يتفاخر بميزة أو جاه أو غير ذلك. فأنا ابن أسرة فقيرة، أب وأم وستة أخوة وأخوات لم يتعلّم منهم أحد غيري، واتجه الباقون إلى الأعمال الحرّة، والفتيات تزوجن واستقرت كل واحدة منهن في بيت زوجها، وقد وفق الله سبحانه وتعالى أخوتي في أعمال تدر عليهم دخلاً أفضل من الوظائف الرسمية، وفي الحقيقة كنت سعيداً بنجاحهم في أعمالهم والعيش في ستر، فنحن أسرة مترابطة كل منا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويمد له يد العون والمساعدة بكل ما يملك، فقد زرع أبونا فينا ذلك وهو يضحي من أجل أخوته رغم ظروفه الصعبة، وقد جنينا ثمار ذلك وأنعم الله علينا بالرضا والقناعة. ومثل كل شاب يحلم بأن يكون زوجاً، كنت أحلم، لكن لا أبالغ في أحلامي ولا أخرج بها عن الواقع، ولست من هؤلاء الشباب الذين يحلقون في الفضاء بالخيال، وبعدما ساعدني أخوتي في الحصول على شقة متواضعة في منطقة متوسطة، كنت أبحث عن عروس مناسبة تقبل ظروفي ولا يثقل عليّ أبوها بالمطالب والشروط التعجيزية، كما يحدث ويبالغ الآباء والأمهات في ذلك من قبيل الوجاهة أو التباهي أو العناد لتكون ابنتهم أفضل من كل بنات جيلها، لذلك كنت حريصاً على البحث فيمن هن في مثل ظروفي ويقبلنها حتى لا أبدأ حياتي بالتعثر، إلا أنني بكل أسف مع أول اختيار والذي لم يكن عن حب، وإنما اختيار عقلاني فرضته الظروف اخترت فتاة، ابنة بلدتي التي نعرفها ونعرف أسرتها، لكنني صدمت بما كنت أخشاه، فقد حدث ما لم أتوقعه، وانهال أبوها على رأسي بشروطه التي كانت أقرب إلى التعجيز، ولم أقبلها لأنها كانت خارج الإمكانات، ولأنها ستجعلني أدخل الحياة الزوجية بديون ومشكلات وحواجز نفسية. لم تكن التجربة بالنسبة لي جارحة أو مؤثرة كثيراً، لأنني لم أرتبط بالفتاة عاطفياً وإنما كان الاختيار عقلانياً، ولكن كانت مفيدة والإنسان يتعلم من التجارب، وربما يستفيد من الإخفاق أكثر مما يستفيد من النجاح، وماذا يضيرني وأنا لم أكمل السادسة والعشرين من عمري بعد، وقررت أن أؤجل الاختيار قليلاً ولا أتسرع وإن لم أكن تسرعت في المرة السابقة، لكن وجهت لنفسي بعض اللوم بأنه كان يجب أن أعرف طبيعة تلك الأسرة قبل الدخول في التفاصيل. قررت الالتحاق بدورة لتعلم الكمبيوتر للاستفادة منها في عملي، وهناك التقيت بها، فتاة جميلة، بلا مبالغة هي أجمل من رأيت في الدنيا ولا أملك إلا أن أقول سبحان الله، متواضعة رقيقة، يبدو عليها الثراء من خلال الملابس التي ترتديها والسيارة التي تحضرها وتعيدها كل يوم، ومع ذلك فالفتاة تتعامل برقي وبساطة، اقتربت منها وأحسست نحوها بمشاعر مختلفة لم أشعر بها طوال حياتي نحو أي فتاة أخرى، لكني كتمت كل ذلك داخلي واكتفيت بأنني أحظى برؤيتها خلال تلك الأشهر وبعدها يمضي كل إلى حال سبيله، يبدو أن عيني فضحتاني، وفشلت في إخفاء ما بداخلي من دون أن أتكلم، وما لم أصدقه أنني لاحظت وكأنها تشعر بي وتستجيب لأحاسيسي، ومع ذلك لم أجرؤ على التفوه ولو بكلمة واحدة، لم أكمل بناء الحاجز الذي كان يفصلني عنها ولم أحاول أيضاً أن أهدمه لأنه جدار طبيعي بفعل الفوارق التي تستعصي عليّ، وأكبر من امكاناتي وفوق طاقتي، وعلى الجانب الآخر لا أريد أن أكرر ما حدث في التجربة الأولى لأنني هذه المرة لن أخرج منها سليماً. قاربت الدورة التدريبية على الانتهاء، ولا أدري كيف كانت الترتيبات عندما حدث بيننا لقاء وتطرق الحديث إلى مناح شتى وموضوعات متفرقة، وفوجئت بأن الجدار العازل بيني وبينها الذي أخاف منه ما هو إلا جدار وهمي بالغت في بنائه، فهي فتاة في غاية البساطة ومن أسرة متدينة ملتزمة، تنعم بالمال والثراء، لكنها لا تتكبر به ولا تجعله سبباً في التعالي على الناس، اكتشفت أن هُناك اتفاقاً كبيراً بيننا، كنت أحوم حول معرفة بعض المعلومات عنها فلا تمانع من الإجابة، تجرأت اكثر حتى تساءلت لو لم تكن الظروف والحواجز الطبيعية سبباً في الفوارق بين الناس لحظي مثلي بمثلها، ووجدت منها استنكاراً أن يكون تفكيري كذلك فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، هنا استجمعت جرأتي وسألتها وهل تقبل أن ترتبط بشخص في ظروفي، وباستنكار أيضاً أجابت ولم لا إذا كان على خلق ودين، قلت إذا عليك أن تحددي لي موعداً مع أسرتك. ما زلت بنفس أسلوبي وأنا أقوم بالزيارة الأولى، صحيح أنا متيم بها، لكنني أفترض الأسوأ، توقعت أن يكون الرفض هو الأصل ولا تثريب عليهم أن كان هذا رأيهم، ولا أريد أن أخوض تجربة تكون نهايتها الفشل مرة أخرى لأنني لست فأر تجارب، وقررت أن يكون الحديث كله أولاً وقبل كل شيء حول شروطهم ومطالبهم كي نضع النقاط على الحروف، ونقطع الطريق على أي خلاف وكنت مستعداً للانسحاب في أي لحظة، لكن كل ما تخيلته لم يحدث منه شيء، وفوجئت أولاً بموافقة كل أفراد الأسرة، مع عدم وجود أي شروط، مؤكدين أن تلك حياتي ولن يستفيدوا شيئاً إذا حملوني ما لا أطيق وإن كل ما أفعله فإنه سيكون في النهاية في بيتي لا في بيتهم، لذا كان من الصعب عليَّ أن أصدق ما أسمع، حتى كدت أقوم لأقبِّل رأس كل واحد منهم، صدقوني كانت المفاجأة أكبر مما لو كانوا رفضوني. تمت الخطبة رسمياً والزواج سريعاً، ولم تكن هناك أي مشاكل تذكر في تلك الخطوات، تأكد التفاهم بيني وبين زوجتي، لكن لا تأتي الرياح دائماً بما تشتهي السفن، فمنذ بداية الارتباط وأنا أغار عليها بشكل جنوني، أرى حقيقة أنها أجمل فتاة في الدنيا وهي بالفعل جميلة، ولم أكن مبالغاً في ذلك لأنني أرى العيون تحاول أن تلتهمها، لا أتحمل ذلك، وأحياناً تأتي تعليقات من بعض الشباب تؤكد أنها فعلاً غير عادية، صحيح أنها محجبة، لكن الحجاب يزيدها جمالاً، أصبحت أكره الخروج معها بسبب تلك النظرات التي تصوب إليها كالسهام، وإن كانت هي لا تبالي بذلك أبداً ولا يصدر منها أي رد فعل وما زالت عند التزامها، لكنني أتعذب وأعاني ولا أجد إلى الخلاص من ذلك سبيلا. الآن لا أسمح لها بالخروج وحدها ولا حتى لزيارة أسرتها، أذهب بغيرتي تلك إلى أبعد من الواقع فقد قمت مرة بتمزيق صورة لها وهي طفلة لأن عمها يضع يده على كتفها، مزقت رسائل صديقاتها لأنهن يتبادلن معها بعض كلمات الإعجاب والإطراء وإن لم يكن فيها خروج عن الأدب بين الفتيات، الحقيقة أنني عندما أخلو بنفسي أعترف أن تلك حالة مرضية، لكنها مستعصية لا يمكنني السيطرة عليها، وأقر أنني قد أبالغ في بعضها، فإن كان من حقي أو من الطبيعي الغيرة المحمودة في حدود معينة إلا أنه لا يجب أن يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك. أصبت بحالة من القلق اقتربت من الاكتئاب، فاتحتها وناقشتها في كل ما يدور بداخلي، وأن غيرتي من قبيل حبي لها، وليس من باب الشك والريبة، لكن لابد من وضع حل لإنهاء هذا الألم، فأنا لا أنام بشكل طبيعي، كما كنت ومشغولاً دائماً بالتفكير فيها، خاصة ببعض الكلمات التي قد يتفوه بها شاب في الشارع أو نظرات حتى لو كانت عابرة وغير مقصودة، لكنها تنم عن الإعجاب بجمالها، وأنا لا أريد لأحد أن يعجب بها حتى بينه وبين نفسه ولا أقبل هذا ولا أستطيع أن أتحكم فيه. أخيراً وجدت الحل الذي سيريحني من هذه المشكلة ويخرجني من الأزمة، وهو أن ترتدي زوجتي النقاب، وبذلك تخفي جمالها عن الجميع، فلا يراها أحد وتتخلص من السهام الجارحة التي تخترق قلبي قبل أن تصوب إليها، لكن الاقتراح لم يعجبها ولم يرضها، لا لأنها لا تقتنع بالنقاب، ولكنها اعتبرت ذلك نوعاً من الشك فيها، وتجاوزا في فرض النقاب عليها ويكفيها التزاما أنها محجبة ولا ذنب لها فيما يفعله الناس ويجب ألا تؤاخذ بأفعال الآخرين، ومع أنني مقتنع بوجهة نظرها لكنني لم أجد حلاً آخر. عادت إلى بيت أبيها غاضبة، بعدما اتسعت هوة الشقاق وأصر كل منا على موقفه، وجدتني غير قادر على فراقها فأنا أحبها فعلًا، لكن لا أتحمل أن ينظر إليها أحد ولو نظرة عابرة، تحول الجمال الذي سحرني من نعمة إلى نقمة، حولني إلى غيور إلى حد المرض، وهي لا تريد أن تستجيب، ترى أنني جرحتها، والموقف معلق، أينا يمكنه أن يتخذ خطوة تحل الأزمة؟ أنا أو هي، أم نظل على ما نحن عليه؟ لا أدري ماذا أفعل؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©