الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفلسطينيون اقترحوا على هتلر «الهولوكوست»!

23 يونيو 2014 23:37
د. خالد الحروب كاتب وأكاديمي عربي لا تفتأ الدعاية الصهيونية تعيد نبش الملف العزيز عليها وهو الزعم بـ«تحالف الحاج أمين الحسيني مع هتلر»، وفي كل مرة يُفتح فيها هذا الملف تتم اضافة أكذوبة جديدة أو مبالغات نوعية إلى أن تضخم الملف كله. مؤخراً ووصولاً إلى إحدى محطات التضخيم المتواصل تدهشنا تلك الدعاية الوقحة بتصوير أمين الحسيني على أنه صاحب فكرة إبادة اليهود وهو من اقترحها على هتلر! هتلر الذي لم يكن يسمع من أحد سوى عقله المريض، والعنصري تجاه العرب والمسلمين كما كان عنصرياً ضد اليهود، يصبح طفلاً طيعاً بين يدي المفتي الحسيني ويستمع لاقتراحاته واستراتيجياته. والمفتي الذي هو أقرب الى السذاجة عندما تعلق الأمر بالصراعات الدولية في تلك الحقبة يصبح المنظّر الكبير الذي يصغي إليه هتلر وينفذ توصياته بحرفيتها، وهتلر الذي استبطن فكرة الإبادة منذ شبابه وخطط لها سنوات طويلة قبل لقائه اليتيم بالحسيني وقع فجأة تحت سحر تأثير المفتي، ونفذ ما أشار به عليه. إذا كان تأثير الحسيني على هتلر نافذاً وكبيراً إلى الدرجة التي تروجها الدعاية الصهيونية، فمعنى ذلك أنه كان في مقدور الحسيني تغيير مسار التاريخ الأوروبي كله لو أنه مثلاً أشار، أو لنقل أصدر الأوامر، لهتلر بعدم غزو غرب أوروبا. أو بالأحرى لماذا لم يأمر المفتي هتلر أو يقنعه بإعلان الحرب فوراً ومنذ البداية على بريطانيا مباشرة عوض التورط في حروب مع بلدان أخرى استنزفته، لاسيما وبريطانيا هي التي تحتل بلاد المفتي وتسهل على الحركة الصهيونية مخططها في فلسطين؟ الحقيقة التاريخية هنا، المتعلقة بزيارة المفتي إلى ألمانيا لا تستحق سوى هامش سريع على متن الصراع العربي الصهيوني. وهتلر الذي كان يضع العرب والمسلمين والأفارقة والغجر واليهود وكثيراً من غير العنصر الآري في نفس المرتبة الدنيا من الأجناس لن يستمع لواحد من هؤلاء «المتخلفين» وينفذ «استشاراته». كان هتلر يريد توسيع دائرة العداوة ضد دول الحلفاء، وهو ما كان يريده أيضاً المفتي الحسيني الذي كان يبحث عن أنصار للقضية الفلسطينية ضد الغطرسة البريطانية. تقع مسألة التحالف المزعوم بين الحسيني وهتلر في سياق تخليق آليات التنميط السلبي عن العرب والفلسطينيين خلال مواجهتهم المشروع الصهيوني وإقامة دولة إسرائيل، لما يقدمه ذلك التنميط من توفير للاحتضان الدولي والغربي خصوصاً لإسرائيل، المتواصل حتى هذه اللحظة. ويعود ذلك التنميط إلى حقبة ما قبل قيام إسرائيل وتأسس جزء كبير منه في العصر الحديث انطلاقاً من كتابات الرحالة الغربيين، بخاصة الأميركيين، إلى الأراضي المقدسة ووصفهم أهلها والسكان فيها بكونهم، وفق الرحالة العنصري مارك توين «قذرين بالطبيعة، أو بالفطرة، أو بالتعلم»! لم يستحق أولئك السكان في حقب لاحقة، تحت حكم الاستعمار البريطاني، أن يعاملوا بالطريقة نفسها من «المدنية» التي عومل بها اليهود «المتحضرون» المهاجرون المقبلون من أوروبا «المتحضرة»! وورث المشروع الصهيوني وخطاباته العنصرية والاحتقارية ضد عرب فلسطين التنميط الذي كان قد أسسه البريطانيون ورسخوه، وأضافوا إليه أبعاداً جديدة. فاليهود الهاربون من عنصرية أوروبا والمعبئون بمشاعر الاضطهاد الجمعي وجدوا في الفلسطينيين عدواً سهلاً، أقرب إلى الفريسة، لتفريغ نزعات الانتقام فيه، ولإثبات الذات والثورة على سمة الضعف والاستضعاف التاريخي التي لاحقت اليهود في التاريخ والعالم وفق السردية المركزية للخطاب الصهيوني. بعد جريمة «الهولوكوست»، ثم قيام إسرائيل أصبح الفلسطينيون هم المحطة الأولى والأقرب لتطبيق شعار «لن يحدث مرة ثانية»، في إشارة مباشرة إلى «الهولوكوست»، ولكن في تضمين مرمز وعميق يحيل إلى التصميم المطلق والمطبق على الانتفاض على حقبة الاستضعاف. وضمن سياق هذا الشعور الانتفاضي الذي تهيأت له ظافرية نادرة بسبب قيام الدولة، فإن مقاومة الفلسطينيين مشروع اغتصاب أرضهم وتهجيرهم منها، تم اعتبارها وعلى الفور كأول اختبار لزمن جديد، زمن القطع مع حقب الاستضعاف. واحتل الفلسطينيون فجأة، وعلى غير رغبة منهم، موقع الطرف الذي يريد اليهود الذين تجمعوا وصارت لهم دولة أن يفرغوا ثأرهم التاريخي فيه، انتقاماً من الماضي، وإثباتاً لذات جديدة. ومن دون أن يكون لهم أي ذنب في تطور التاريخ المأساوي لليهود، وجد الفلسطينيون أنفسهم يدفعون فاتورة كل الاضطهادات التي تعرض لها اليهود في تواريخهم، خصوصاً في أوروبا. وهكذا، أضيف تنميط تدميري جديد للفلسطينيين بكونهم خلاصة تجمع العداوات التاريخية لليهود بدليل أنهم لا يقبلون باليهود ولا بدولتهم ويطلقون مقاومة ضدهم. وهذا بالطبع يخرج الفلسطينيين من مربع النضال القومي والوطني ضد محتل أجنبي، إلى مربع آخر يسهل تسويغ إبادتهم فيه وهو مربع العداوة المتأصلة واللاسامية لليهود. وقد تمت مأسسة أخرى لهذا التنميط وربطه بالعدو الأكثر إرهاباً في التاريخ اليهودي الحديث وهو النازية، من خلال التركيز المضخم على الزيارة الساذجة للحاج أمين الحسيني إلى ألمانيا ولقائه هتلر إبان الحرب العالمية الثانية، نكاية في بريطانيا وأملاً في دعم ألمانيا. فقد أصبحت تلك الزيارة تمثل العمود الفقري للتاريخ الفلسطيني والدليل الدامغ ليس فقط على «لا سامية» الفلسطينيين والعرب، بل على امتداد مشروع إبادة اليهود من ألمانيا إلى فلسطين وتكامل الاثنين. والمثير حقاً أن الدعاية الصهيونية لم تضخم فحسب تلك الزيارة إلى مستوى تكريس «علاقة استراتيجية» بين الوطنية الفلسطينية والنازية، بل «اكتشفت» أن فكرة إبادة اليهود إنما هي أصلاً فلسطينية، وقد تمكن أمين الحسيني من إقناع هتلر بتنفيذها! والغرابة هنا تكمن في مدى وقاحة هذه الدعاية التي تضرب عرض الحائط كل ما له علاقة بالتاريخ ورغبة هتلر وتشجيعه اليهود على الهجرة إلى فلسطين والتخلص منهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©