الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان: مقاربة أميركية أكثر واقعية

10 يونيو 2011 21:36
خيمت نبرة غير متفائلة على الأسئلة التي وجهها أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي صبيحة يوم الأربعاء الماضي إلى الدبلوماسي المحنك، "رايان كروكر"، استعداداً لتنصيبه سفيراً لأميركا لدى أفغانستان، ولوهلة بدا الأمر شبيهاً بما كان يحسه الاتحاد السوفييتي في عام 1989. وهكذا عبرت الأسئلة المتشائمة عن حالة من التحفظ تسود الكونجرس إزاء المهمة الأميركية في أفغانستان وإمكانية تحقيق نجاح كبير هناك. وقد أشارت إلى ذلك شكوى السيناتور "جيم ريتش" الذي قال: "على رغم كل ما بذلناه من جهد في أفغانستان والتضحيات الجسيمة على مدى العشر سنوات الأخيرة سواء في الدماء أو الأموال، فإننا نتساءل عما إذا كان الأفغان يريدون فعلاً ما نحاول تقديمه لهم". وفي نفس السياق المتشائم تحدث السيناتور "بوب مينديز"، قائلاً: "عندما أقرأ التقارير العام منها، أو الخاص وأنظر إلى الأموال التي تنفق وأين وصلنا في محاربة الفساد، وعندما أرى بعد كل ذلك كيف يصف الرئيس الأفغاني الولايات المتحدة على أنها قوة احتلال، أشعر بالمأزق الذي نواجهه وأفكر في مدى قدرتنا على الاستمرار في إنفاق المزيد من الأموال وإراقة دماء جنودنا". ولا يبتعد السيناتور "جيم ويب" عن أجواء الشكوى ذاتها والشعور بنكران الجميل، حيث جادل بأنه "إذا كان هناك من بلد في العالم يحتاج إلى إعادة الإعمار فهو الولايات المتحدة، أما فيما يتعلق بأفغانستان التي نضخ فيها أموالاً طائلة فعلينا التساؤل دائماً عن علاقة ذلك بمصالحنا القومية"! ومن جانبه لم يحاول "رايان كروكر" الذي تقاعد من منصبه في وزارة الخارجية واستُدعي مجدداً من قبل أوباما لتولي منصب السفير في أفغانستان، إخراج المشرعين الأميركيين من حالة الاستياء، برسم صورة وردية عن الوضع في أفغانستان، حيث قال: "لايخالجني أدنى شك في جسامة التحديات التي تواجهنا"، وأضاف "كروكر" السفير السابق في العراق وباكستان: "إذا اعتبرنا العراق تجربة صعبة وهي بالفعل كذلك، فإن الصعوبة في أفغانستان مضاعفة". والحقيقة أن النبرة غير المتفائلة التي انطوت عليها تعليقات وأسئلة لجنة الكونجرس ليست ذات طبيعة عسكرية كما قد يعتقد البعض، فزيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان كان ناجحاً إلى حد معقول في الحد من خطر "طالبان"، ولكن الغرض من النجاح العسكري كان شراء الوقت لبناء المجتمع الأفغاني، الأمر الذي لم يتحقق أبداً، فقبل تسع سنوات كان بوش قد تعهد بما يشبه خطة مارشال لإنقاذ أفغانستان وإخراجها من الوضع المتردي الذي كانت عليه بعد الغزو الأميركي والإطاحة بحركة "طالبان". ووقتها قال إنه يتعين اتباع النصر العسكري بـ"نصر أخلاقي يؤدي إلى حياة أفضل للأفراد" متخذاً شكل "حكومة مستقرة" و"جيش وطني" و"نظام تعليمي فعال"، غير أنه وبعد مرور عقد من الزمن وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات خلصت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إلى أن جهود إعادة الإعمار لم تحقق سوى نجاح متواضع. وكما أشارت إلى ذلك في "واشنطن بوست" الصحفية كارين ديانج، فإن 97 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان يأتي من النفقات العسكرية الأجنبية، هذا ويتخوف المسؤولون الأميركيون من أنه مع بدء انسحاب القوات الأميركية بداية الشهر المقبل فإن التحسن في أداء الحكومة الأفغانية التي يتهم بعض أطرافها بالفساد قد يضيع بسرعة. وقد عبر أعضاء لجنة الخارجية عن امتنانهم لـ"رايان كروكر" لقبوله هذه المهمة الصعبة، على رغم اتفاقهم على أن النتيجة لن تكون أحسن مما هي عليه الآن. وهذه الصعوبة أجملها رئيس اللجنة السيناتور، جون كيري، بقوله: "إن التزامنا الحالي في أفغانستان سواء فيما تعلق بالجنود أو الأموال لا يناسب حجم مصالحنا، كما أن هذا الالتزام غير قابل للاستدامة". وعبر السيناتور الجمهوري "ديك لوجار" عن تخوفه من تصاعد النفقات في أفغانستان التي تجاوزت حتى الآن مئة مليار دولار في السنة يسددها دافع الضرائب الأميركي، وهو ما قد يخرج عن السيطرة من ناحية التكلفة الباهظة. وفي حديثه الاستهلالي كان "كروكر" واضحاً في إحصائه للصعوبات بقوله: "تنتظرنا تحديات كبيرة منها دعم وترسيخ ممارسات الحكم الرشيد وسيادة القانون، ومكافحة الفساد المستشري الذي يضرب صدقية بعض أطراف الحكومة الأفغانية، بالإضافة إلى مشاكل أخرى مرتبطة بالمخدرات والتنمية الاقتصادية، إلى جانب قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية من تعليم ورعاية صحية". وبضغط من السيناتور "كيري" اقترح "كوكر" أن يتم التركيز في المرحلة الأولى على محاربة الفساد باعتباره المعضلة الأكبر التي تعرقل جهود التقدم في أفغانستان. ولكن حتى هذا الهدف المتواضع الذي حدده السفير بدا بالنسبة لأعضاء لجنة الكونجرس صعب المنال، حيث وصفه "لوجار" بأنه نوع من العودة "إلى المربع الأول"، فيما اعتبره السيناتور "بوب كوركر" غير قابل للتحقيق. وفي الأخير اعترف السفير "كروكر" أنه لم يكن من الذين استخدموا كلمة "نصر" لتوصيف الوضع في أفغانستان، مقترحاً بدلاً من ذلك بهدف بناء "حكم رشيد فقط بما يكفي لضمان عدم انزلاق البلد وتحوله مرة أخرى إلى ملاذ آمن لحركة طالبان". فبعد عقد من تعهد بوش بنصر "أخلاقي" في أفغانستان تصير معه بلداً قادراً على إدارة نفسه أصبح اليوم مجرد الوصول إلى الحد الأدنى من الحكم الرشيد ضرباً من الأحلام. دانا ملبانك محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©