الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما أروعك يا الأخضر

24 يونيو 2014 02:06
عندما دعوت المنتخب الجزائري، وهو يتأهب لملاقاة التنين الكوري الجنوبي إلى التعامل مع هذا النزال على أنه موعد مع التاريخ لا يمكن البتة التخلف عنه، فلأنني كنت أدرك أن الفوز على في ثاني جولات نهائيات الحلم ستكون له قيمة نفسية وفنية واستراتيجية، ستتجاوز بمحاربي الصحراء كل ما أورثه السقوط المجاني أمام شياطين بلجيكا من مرارة نفسية، وستدفع إلى ركوب تحدي العمر بما يلزم من جرأة وجسارة وثقة بالنفس. وعندما حدست ما يمكن أن يكون عليه الأداء الجماعي للمنتخب الجزائري عند ملاقاته للكوريين من واقعية ومطابقة للإمكانات الفردية والجماعية التي قدم به الخضر أنفسهم، عندما انتظرت من وحيد خليلودزيتش كل المتغيرات التكتيكية التي يفرضها ما كان من نكوص وانتكاسة الأداء في مباراة بلجيكا، فلأنني كنت أعرف جيداً أن وحيد ليس من طينة المدربين الذين يركبون رؤوسهم وينغلقون على أنفسهم ويرفضون بالمطلق كل ما يثري الرأي. كان من الضروري إذاً أن يأتينا منتخب الجزائر في مباراة كوريا الجنوبية مختلفاً في الرسم التكتيكي وفي توزيع الأدوار وفي المبنى العام للأداء، وأن يأتينا فوق هذا وذاك متحللاً من كل ما تسببت فيه الخسارة أمام بلجيكا من إحباط ما كان لزاماً أن يصل لحد الإصابة باليأس، وكان متوقعاً على الوجه القبلي أن يقدم وحيد ما يتمتع به من كيمياء في رسم شخصية القائد الذي يعترف بأخطائه ولا تصدمه الحقائق مهما كانت جارحة. وللأمانة فقد انتظرنا منتخبا جزائرياً متمرداً على نفسه، متمتعاً بعقلية انتصارية ومقبلاً على المباراة أمام الكوريين بنفسية مبتهجة لا شرخ فيها بخاصة مع التغييرات التبشيرية التي أدخلها وحيد وكانت لها بالطبع انعكاسات كبيرة على المؤدى الجماعي قبل الفردي، انتظرنا أن يكون محاربو الصحراء بتصميم عالٍ للذهاب إلى أبعد مدى من أجل القبض على الفوز كخيار وحيد، لكن ما لم نكن ننتظره بالمرة هو أن تأتي الأشياء بهذه الانسيابية الرائعة التي كادت توقف القلوب عن النبض، فمن كان ينتظر أن يخرج المنتخب الجزائري متقدماً في الجولة الأولى بثلاثية نظيفة على منتخب كوري جنوبي أجزم على أن ما أضعفه هو هذا السعار الكبير الذي تملك أبناءنا الجزائريين؟. من كان يتوقع أن يكون الأداء الجماعي قد تحول بهذا الشكل الذي يدفع للجنون؟. من كان ينتظر أن يقدم وحيد بلمسة إبداعية لا أحد ينكرها عليه المنتخب الجزائري بهذا التوحش الجميل، الذي جعله يبيع من الجولة الأولى جلد الكوريين بعد أن قتل فيهم كل الطموحات والأحلام؟. هذه هي طبيعة المباريات المونديالية، تكون هلامية وساحرة وفوق الوصف أحياناً وتتفوق على ذرر الكلمات، عندما يشعر أي منتخب أنه على موعد مع التاريخ، وإذا ما نحن سلمنا بأن هذا الفوز الأنطولوجي للأخضر الجزائري في تاريخ نهائيات كأس العالم كان نتاجاً خالصاً لما أصاب الأداء الفني في جوهره ومبناه من تغيير أفضى إلى النجاح وكان نتاجاً لما كان عليه التدبير التكتيكي لوحيد من براعة تعترف للرجل بالدهاء وبنكران الذات، وكان نتاجاً لتلاحم كبير من قبل كل المكونات البشرية للمنتخب الجزائري لعبور مستنقع البدايات، فإنه في المبتدأ والختم كان نتاجا لإيمان صريح بالمقدرات، فما أكثر ما لدغنا كعرب مئات المرات بسبب أننا لا نؤمن بقدراتنا. drissi44@yahoo.fr
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©