الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«واشنطن بوست»: منح مونديال 2022 لقطر أكثر القرارات فساداً في تاريخ كرة القدم

26 سبتمبر 2017 00:48
دينا محمود (الاتحاد) «سيدخل قرار الفيفا بمنح قطر حق استضافة بطولة كأس العالم لعام 2022، التاريخ بوصفه أحد أكثر التحركات الفاسدة والملوثة في عالم كرة القدم»؛ حكمٌ جازمٌ أصدرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في مقال مطول خُصص لإلقاء الضوء على فيلمٍ وثائقيٍ جديد، يكشف النقاب عن مزيدٍ من تفاصيل هذا الملف الملغم باتهامات الرشى والفساد، وبصنوف المعاملة اللا إنسانية التي يتعرض لها العمال الأجانب المشاركون في إعداد البنية التحتية اللازمة لإقامة هذا الحدث الكروي. ففي المقال الذي كتبه ستيفن جوف، استعرضت الصحيفة القصة من بدايتها، إذ أعادت عقارب الساعة إلى الوراء لتُذكِرَ بالتصويت الذي جرى قبل سبع سنوات وأسفر عن منح قطر حق تنظيم تلك البطولة، وهو ذاك التصويت الذي وصفته «واشنطن بوست» بـ«المثير للجدل». واستطرد الكاتب بالإشارة إلى أن اتهامات الفساد الموجهة للنظام القطري بشأن عملية التصويت هذه، لم تبق وحدها في الصورة، بل جاورتها جهود التدقيق في «المعاملة القاسية» التي يتعرض لها العمال المهاجرون، ممن يشيدون الملاعب الرياضية الفخمة في «هذه الدولة الصغيرة في الحجم». وأبرز المقال الفيلم الوثائقي الذي أُنتِج في هذا الشأن، ويحمل اسم «كأس العمال»، في إشارة إلى منافسات تنظمها السلطات القطرية بين العمال الأجانب الذين يشيدون المرافق التي ستستضيف كأس العالم المقررة بعد 5 سنوات في هذا البلد، وذلك للإيحاء بأنهم لا يلقون صعوباتٍ خلال إقامتهم في قطر. وفي ما يبدو إشارةً إلى استخدام النظام القطري لملف استضافة المونديال وتنظيمه لـ«كأس العمال» المزعوم هذا، لصرف الأنظار عن سمعته الملوثة على أكثر من صعيد، وصف الكاتب «كرة القدم بأنها إلهاءٌ مرحبٌ به». وأوضح جوف أن العمل الوثائقي الذي يستعرض تفاصيله في مقاله، يلقي الضوء على الأوضاع المهينة التي يقاسيها العمال الأجانب في قطر «لا من خلال إجراء تحقيق استقصائي، وإنما من خلال أعينهم هم أنفسهم، وهم يكدحون تحت الشمس الحارقة، ويتنافسون في الوقت نفسه لأن يكونوا جزءاً من الفرق» التابعة لهذه الشركة أو تلك، للمشاركة في تلك المنافسات الكروية المزعومة. ووفقاً لـ «واشنطن بوست»، دعت اللجنة المنظمة لـ«مونديال 2022» 24 شركة للتباري في «كأس العمال» هذه، وذلك في «لعبة علاقات عامة» تستهدف رفع الروح المعنوية للعمال، وتعزيز ولائهم للمشروعات التي يشاركون في تشييدها. وبحسب الكاتب، يصطحب الفيلم الوثائقي مشاهديه في رحلة يجولون فيها في أماكن السكن رثة الحال التي تقيم فيها العمالة الأجنبية، والأماكن التي يتحضرون فيها للمشاركة في «كأس العمال». ومن بين الحالات التي يبرزها الوثائقي، بحسب المقال المطول، حالة كينيث وهو رجل قادمٌ من غانا اضطر لدفع 1500 دولار لوسيط في بلاده، حتى يتسنى له القدوم إلى «الإمارة الطائشة» للعمل فيها. ولإبراز مدى بساطة أحلام هذا العامل، يقول الكاتب إنه كان يحسب أن دفعه لهذا المبلغ سيجعل «بوسعه اللعب في الملاعب القطرية لا تشييدها». ولكن الفيلم يكشف عن أن كينيث - مثله مثل الكثيرين - خُدع تماماً في هذا الشأن. هناك أيضاً، العامل الهندي أوميش - الذي قطع هذه المسافة الطويلة قادماً من موطنه الأصلي إلى قطر - للوفاء باحتياجات أسرته، ومن بين أفرادها نجلاه روني وروبِن، اللذان أطلق عليهما هذين الاسمين، حباً منه في نجميّ فريق مانشستر يونايتيد؛ واين روني وروبِن فان بيرسي. قائمة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في قطر من تلك التي يستعرضها الفيلم، تضم كذلك العامل الكيني بول، الذي أظهره الوثائقي وهو يحاول أن يعثر عبر موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي على من تشاطره المشاعر، وذلك لمواجهة الوحدة الشديدة التي يعاني منها جراء إقامته مع زملائه في مخيماتٍ ذات حالة مزرية. وبحسب المقال، يؤدي منع بول من الخروج من المخيم إلى إذكاء شعوره بالاشتياق، لأن يُتم اللقاء الأول مع الفتاة التي تعرف عليها عبر الإنترنت. المعاناة العاطفية هذه يمر بها عمال آخرون عالقون في قطر، من بينهم النيبالي باردم الذي كشف الفيلم الوثائقي النقاب عن أن علاقته بزوجته قد تضررت كثيراً، بفعل وجوده في هذه «الإمارة الداعمة للإرهاب». المفارقة المحزنة كما يشير الفيلم أن هؤلاء العمال، ومن بينهم من جاء من دولٍ مثل باكستان وبنجلاديش والفلبين، لا تزال لديهم أحلامٌ عريضة على الرغم من المشاق والمصاعب اليومية التي يكابدونها، في ظل المعاملة اللاإنسانية التي يلقونها على يد أرباب العمل القطريين. وأوضح الفيلم الوثائقي أن أولئك العمال البؤساء يدركون أن أوضاع حياتهم «حقيرة»، ولكنهم يحاولون الاستمتاع بها إلى أقصى درجة. ويلفت المقال الانتباه إلى أن العمال - الذين يتناول الفيلم الوثائقي أوضاعهم - ليسوا سوى غيض من فيض قرابة 1.6 مليون عامل أجنبي، يشكلون ما يصل إلى 60% من العدد الكلي لسكان قطر. وفي مؤشر لا يُدحض على ما يقاسي منه هؤلاء، أبرز الكاتب الأرقام الصادمة التي تفيد بأن المئات لقوا حتفهم - بحسب تقارير - خلال مشاركتهم في المشروعات المتعلقة بإنشاء المرافق الخاصة باستضافة البطولة، وذلك منذ مُنحت «الإمارة الطائشة» حق تنظيم المونديال الكروي، مُتغلبة بذلك على دولٍ مثل الولايات المتحدة. ولم يفت الرجل الإشارة إلى الانتقادات الحادة والمُحقة التي وجهتها منظمة العفو الدولية إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، باعتبار أنه يتبنى «وجهاتٍ نظر متناقضة على نحو مخزٍ حيال محنة العمال في قطر». فالعمال الذين يشاركون في الإنشاءات الخاصة بالمونديال القطري المثير للجدل يعيشون - حسبما يقول مقال الـ«واشنطن بوست» - في غرف صُممت على شكل مقطورات، تقع على مشارف المدن القطرية، وهو ما يجعلهم بعيدين عن الأعين والأذهان. ورغم أن الأجور التي يتقاضاها هؤلاء أفضل بطبيعة الحال مما كانوا سيكسبونه في بلدانهم الأصلية، فإنها تظل متوسطة المستوى في كل الأحوال، وهو ما يؤكد تدني المقابل المادي الذي يحصلون عليه. ويبرز جوف في مقاله الانتهاكات الحقوقية التي تتعرض لها العمالة الوافدة في قطر، ومن بينها فرض قيود على تحركاتهم والحيلولة دون قدرتهم على التنقل بين الشركات المختلفة، أو العودة حتى إلى أوطانهم، بفعل مصادرة الشركات التي يعملون لحسابها لوثائق سفرهم، حتى انتهاء مدة تعاقداتهم. وينتقد جوف ضمنياً القيود التي يفرضها النظام الحاكم في الدوحة على تغطية وسائل الإعلام لأوضاع العمال الأجانب المُنتهكة حقوقهم في البلاد، وذلك عبر قوله إن صناع الفيلم الوثائقي الذي يُفرِد له مقاله، استفادوا من عملهم الصحفي في منطقة الشرق الأوسط، ليجروا مفاوضات مكنتهم من الدخول بشكلٍ استثنائي إلى مخيمٍ للعمال في منطقة أم صلال، وأن يتعرفوا على تفاصيل حياة أعضاء فريق يمثل شركة «جلف كونتراكتينج كو» المُشاركة في «كأس العمال» وفي تشييد مرافق المونديال سواء بسواء. وخلص جوف في المقال إلى أن كرة القدم التي توفر «بهجة غامرة (لعشاقها)، تنطوي (أيضاً) على مساحة لا يُستهان بها من الجوانب غير المحمية، وعلى طبقة سميكة من الفساد والعفن»، في إشارة لا تخفى إلى ما شاب عملية فوز قطر بتصويت مونديال 2022 من شبهات وفساد، دفعت العديد من وسائل الإعلام العالمية في الآونة الأخيرة، إلى تسليط الضوء على هذا الملف وما يرتبط به من انتهاكات لحقوق العمال، بعدما ظلت المحنة التي يعاني منها هؤلاء لا تحظى - لسنوات طويلة - سوى باهتمام النقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية. فقبل أسابيع، أفردت مجلة «نيوزويك» الأميركية مساحةً لا بأس بها من صفحاتها لمقالٍ مماثل، أكد كاتبه أن «العمل بالسخرة شائعٌ بين العمال المهاجرين في قطر»، وأشار إلى أن السلطات الحاكمة في الدوحة لم تتخذ أي «خطوات جادة للتحقيق في (ملابسات) ذاك العدد الكبير من الوفيات غير المبررة، التي وقعت بين رجال شبان - غالبيتهم من جنوب آسيا - ممن يشاركون في تشييد مرافق البنية التحتية للبلاد» استعداداً لاستضافة المونديال، كما لم تتخذ إجراءاتٍ جديةً لمعالجة هذا الأمر أيضاً. ويأتي نشر هذه التقارير قبل أسابيع قليلة من قرارٍ تعتزم منظمة العمل الدولية اتخاذه في نوفمبر المقبل بشأن ما إذا كانت ستشكل لجنة تحقيق لبحث «فشل قطر في المعالجة الفعالة لمشكلة العمل بالسخرة» أم لا، وهي لجنة قد يؤدي تشكيلها إلى إحراج كبير لـ«الإمارة المعزولة» على الساحة الدولية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©