السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بلاغ» مبين يخرج البشرية من الظلمات إلى النور

«بلاغ» مبين يخرج البشرية من الظلمات إلى النور
3 سبتمبر 2010 22:47
سئل أحد السلف.. هل لكتاب الله عنوان؟.. فقال: نعم، قيل وأين هو؟.. قال قوله تعالى «هذا بلاغ للناس».. وقال الحسن إن هذا القرآن «بلاغ»، وقال صاحب البرهان: سمي القرآن الكريم بلاغاً، وقال السيوطي إن القرآن بلاغ لأنه أبلغ به الناس، بما أمروا به ونهوا عنه، فيه بلاغة وكفاية عن غيره، وقال أبو الحسن إن كل كتاب له ترجمة، أي عنوان، وترجمة كتاب الله «هذا بلاغ للناس ولينذروا به، وقال ابن عباس: جمع الله في هذا الكتاب علم الأولين والآخرين وعلم ما كان، وعلم ما يكون. ويستدل الذين ذهبوا إلى أن «البلاغ» هو أحد أسماء القرآن الكريم، بقول الله تعالى «هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب.. «سورة إبراهيم - الآية 52»، وقوله تعالى: «إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين» «سورة الأنبياء، الآية 106». «قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين» «الأنعام الآية 149». ويقول القرطبي: هذا يعني القرآن الكريم وإشارة إليه أو السورة منه، أو ما فيه من البلاغ والتذكير، بلاغ للناس، ولينذروا بعقابه ويبشروا بثوابه وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب والعقول الراجحة، وهو بلاغ للناس أي كاف لهداية الناس ويحذرهم من عقاب الله. ويذكر أصحاب «المنتخب» في تفسيرهم لهذه الآيات: أن هذا القرآن هو البلاغ لنصح الناس ولإنذارهم وتخويفهم من عذاب الله، وليعلموا إذا خافوا وتأملوا أنه لا إله إلا الله الواحد، وليتذكر أصحاب العقول عظة ربهم، فيبتعدوا عما فيه هلاكهم، وإن في هذا القرآن ما ذكرناه من أخبار الأنبياء مع أقوامهم، وأخبار الجنة والنار، وفيه كفاية في التذكير والاعتبار لقوم مهيأين لعبادة الله وحده، لا تفتنهم زخارف الدنيا، وقل لمن أعرضوا لقد أعلمتكم جميعاً بما أمرني به الله، وبذلك استوينا في العلم، ولا أدري ما توعدون به من البعث والحساب أهو قريب أم بعيد، وربي يحكم بيني وبين من بلغتهم الوحي بالعدل، حتى لا يستوى المؤمنون والكافرون. وقل يا أيها النبي - لله الحجة البالغة الواضحة في كذبكم ولا حجة لكم فيما تزعمون من الشرك والإباحة والتحريم وغيرها، فلو شاء الله أن يوفقكم إلى الهداية لهداكم أجمعين إلى طريق الحق، ولكنه لم يشأ ذلك لاختياركم سبيل الضلال، وهذا الذي جاءكم حكمة عظيمة بالغة. ويقول حسين حسن سلامة في كتابه «من هدي القرآن»: إن القرآن حير بلغاء العرب وفطاحل اللغة، وثبت لهم أنه من عند الله وكلامه، من حيث أسلوبه الفريد في المطالع والمقاطع والفواصل، وكمال ربط الآيات، فالمعروف عند العرب أنه إذا انتقل الكلام من مضمون إلى آخر، أو اشتمل على بيان أشياء مختلفة، انتقى حسن ربط الكلام، أما القرآن فينتقل من قصة إلى أخرى ومن باب إلى باب، ويشتمل على أمر ونهي، ووعد ووعيد، وترغيب وترهيب برباط حسن غير مألوف لهم، كما أدهشهم وأقنعهم سلاسة التركيب وسلامة الترتيب، فلا هو بالشعر ولا هو بالنثر الذي عندهم، وليس من جنس خطب خطبائهم، أو شعر الشعراء عندهم، ولا هو بسحر ساحر، إن هو إلا وحي يوحى وذكر للعالمين، إنه لقرآن كريم في كتاب «مكنون» انه يهدي للتي هي أقوم، يثبت الفؤاد، ويرفع شأن البشرية، أهدى إلى اللغة العربية لوناً عظيماً من الإبداع لم يكن معروفاً من قبله من ذلك التكرار، وهو في بعض الآيات كقوله تعالى «فكيف كان عذابي ونذر» في سورة القمر، وكقوله سبحانه «فبأي آلاء ربكما تكذبان» في سورة الرحمن. إن الأداء القرآني يمتاز بالتعبير عن قضايا ومدلولات ضخمة، في حيز يستحيل على البشر أن يعبروا فيه عن مثل هذه الأغراض، وذلك بأوسع المدلول والعبارة والإيقاع، فكل مدلول يستوفي حظه من البيان والوضوح من دون اضطراب في الأداء أو اختلاط بين المدلولات مع بلاغ مستوى لا يدرك إعجازه أحد. وللأداء القرآن طابع بارز كذلك في القدرة على استحضار المشاهد والتعبير المواجه، كما لو كان المشهد حاضراً، بطريقة ليست معهودة على الإطلاق في كلام البشر، ولا يملك الأداء البشري تقليدها؛ لأنه يبدو في هذه الحالة مضطرباً غير مستقيم مع أسلوب الكتابة. مخاطبة الفطرة البشرية طريقة القرآن الكريم في مخاطبة الفطرة البشرية تدل بذاتها على مصدره، إنه المصدر الذي صدر منه الكون، فطريقة بنائه هي طريقة بناء الكون، فمن أبسط المواد الكونية تنشأ أعقد الأشكال، وأضخم الخلائق من الذرة والخلية، والقرآن يتخذ من أبسط المشاهدات المألوفة للبشر مادة لبناء أضخم عقيدة دينية وأوسع تصور كوني. والصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة، وتكفل الله سبحانه بنصرة الحق وأهله، بينما الصراع بين الباطل وبعضه يدوم طويلاً عقاباً لأهله، وقد بعث الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالشريعة السمحاء، بلاغاً للناس، فسوى بشرع الله بين الناس، لأفضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ويشمل القرآن برنامجاً يهدي إلى كل سبل الخير بالعقيدة الواضحة البسيطة، بلا تعقيد أو غموض، ومنهجاً مطلقاً للجماعة المسلمة في كل زمان ومكان، ساطعاً على الدنيا كلها كضياء الشمس الذي لا يدنسه غبار، ولا يخفى على أحد وكلف الله رسوله أن يبلغه للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك..» «المائدة الآية 67».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©