الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مفاوضات مباشرة على طاولة مائلة!

مفاوضات مباشرة على طاولة مائلة!
3 سبتمبر 2010 23:24
مع أن الفلسطينيين والإسرائيليين يجلسون معاً في الوقت الحالي على طاولة المفاوضات، فإن الأوضاع المحيطة تمثل فجوة شاسعة تفصل بينهما أكثر حتى من القضايا الجوهرية والمواقف الأساسية. هذا الغياب في التوازن بين الطرفين، سواء في القوة أو في التماسك، يهدد بتقويض المباحثات والحكم عليها بالفشل. فمن جهة هناك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يقود دولة مستقرة قادرة على الوفاء بالتزاماتها، إن هي قررت ذلك، ومن جهة أخرى يفتقر الفلسطينيون لهذه القدرة، إذ رغم مظاهر الدولة والمؤسسات التي يجرى بناؤها في المناطق الفلسطينية، فإنه لا وجود لسلطة مركزية قوية تستطيع الالتزام بما تعاقدت عليه مع الإسرائيليين، فالأراضي الفلسطينية أصلا مقسمة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ولن يكون سهلا على الفلسطينيين تطبيق الجزء الموكل إليهم من الاتفاق دون مساعدة خارجية. ففي الوقت الذي تمتلك فيه إسرائيل الإمكانات المادية، كل ما يمكن للفلسطينيين تقديمه هو وعود وتصريحات غير ملموسة. بالإضافة إلى ذلك يتحرك نتنياهو في إطار من التوافق الداخلي. ففي جميع القضايا الأساسية، سواء تعلق الأمر بقبول حل الدولتين، أو الإصرار على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، أو رفض التجميد الكامل للنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس، أو الاعتراض على أية شروط مسبقة للتفاوض... فإن مواقفه تبقى منسجمة مع الرأي العام الإسرائيلي. فلا اليمين الذي ينحدر منه، ولا اليسار الذي يساير تطلعاته من أجل السلام، ينكر عليه التفويض الشعبي الذي يتمتع به ويؤهله للتفاوض باسم الإسرائيليين. لذا يتجه نتنياهو نحو المفاوضات المباشرة التي طالب بها طيلة عشرين شهراً الأخيرة، بشروطه الخاصة دون أن ينازعه فيها أحد، فيما رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يُجر إلى المفاوضات جراً دون تحقيق أي من الشروط التي طالب بها. والأكثر من ذلك لم تكن السلطة الفلسطينية أضعف مما هي عليه اليوم، فالمشاركة في المفاوضات المباشرة رفضتها تقريباً جميع الفصائل والتنظيمات السياسية الفلسطينية، باستثناء "فتح" التي ساندتها على مضض ولم تبدِ سوى تأييد فاتر للمفاوضات، كما أن قدوم عباس إلى واشنطن يُنظر إليه بعين الريبة حتى من قبل الذين يدعمونه، هذا في الوقت الذي يحظى فيه نتنياهو بالتأييد الكامل للذهاب إلى التفاوض حتى ممن يعارضونه. وفيما يتعلق بالقضايا الجوهرية فإن المواقف الفلسطينية معروفة بحيث لم يعد هناك فرق بين المواقف الأولية وتلك النهائية، وصارت المطالب الفلسطينية ثابتة ومألوفة، في حين لا أحد يعرف بالضبط الموقف الإسرائيلي، فنتنياهو يستطيع البدء بمواقف متشنجة للغاية وبمطالب يصعب قبولها، ثم يشرع في التنازل تدريجياً ليظهر وكأنه أكثر مرونة من المواقف الفلسطينية المتصلبة، وفي هذه الحالة من المرجح أن يشعر الفلسطينيون بالإحباط وتتوتر الأجواء بين الطرفين. فقد أمضى الجانب الفلسطيني ساعات لا حصر لها منكباً على قضايا الوضع النهائي منذ التسعينيات، وهو عكس ما قام به الإسرائيليون طيلة الفترة الماضية إذ لم يتطرق أحد من قادة إسرائيل إلى قضايا الوضع النهائي، عدا وزير الدفاع الحالي، إيهود باراك، الذي لا معروف دوره بالضبط في المفاوضات المباشرة. وإذا كان الفلسطينيون، لفرط مناقشتهم تلك القضايا، سيكونون في موضع المجرب أثناء التفاوض، فإن ذلك أيضاً سيجعلهم أسرى مواقفهم المتقادمة، فيما سيكون الإسرائيليون أكثر حرية لطرح أفكار جديدة، بحيث يكون على الفلسطينيين مواجهة العمل الشاق والمضني المتمثل في بدء التفاوض من الصفر. ورغم عزلة إسرائيل المتنامية، واعتمادها المتزايد على الولايات المتحدة، لم تتأثر قدرتها في اتخاذ قرارات مستقلة، عكس القيادة الفلسطينية التي تراجعت قدرتها على تولي زمام أمورها، فمعظم القرارات الأخيرة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية جاءت بضغط من المجتمع الدولي، وجاءت منسجمة مع مطالبه حتى لو كانت تسير في عكس اتجاه رغباتها الذاتية وتعارض التطلعات الشعبية. ورغم هذا الالتزام بمطالب المجتمع الدولي، لا تستطيع السلطة الفلسطينية التعويل على الدعم الدولي، لذا يشعر الفلسطينيون بخيانة إخوانهم العرب، وبتخلي واشنطن عنهم. لكن في المقابل تحدت إسرائيل الولايات المتحدة، ورفضت مراراً وقف الاستيطان دون أن يؤدي ذلك إلى تهديد علاقتها الوثيقة معها. وإذا كان على الفلسطينيين الأخذ في الحسبان وجهة نظر الدول العربية والإسلامية، تستطيع إسرائيل التفاوض باسمها تحقيقاً لمصالحها الخاصة دون الرجوع لأي من القوى الخارجية؛ فماذا سيحدث لو فشلت المفاوضات؟ الحقيقة أنه لا شيء سيحدث لإسرائيل التي لن يؤثر عليها استمرار الوضع القائم. فقد تعلم الإسرائيليون العيش بدون الاتفاق الذين يريدونه، سواء تعلق الأمر باعتراف الفلسطينيين بهم، أو بتحقيق الأمن الذي يستطيعون ضمانه لأنفسهم، وحتى الخطر الديموغرافي الذي يشير إليه البعض يبدو مبالغاً فيه، فإسرائيل أصلا فصلت نفسها عن قطاع غزة، وهي قادرة في المستقبل على التخلي عن مناطق داخل الضفة الغربية، متفادية بذلك احتمال الوصول إلى أغلبية عربية. ولأن إسرائيل تملك بدائل مناسبة، فهي لا ترى الحاجة إلى الاستعجال فيما الفلسطينيون يفتقدون للخيارات والبدائل وهم في أمس الحاجة إلى اتفاق. وفي جميع الأحوال سيرجع عباس إلى مجتمع صعب المراس ومنقسم على نفسه، فهو لو توصل إلى اتفاق سيتساءل الكثيرون: باسم من كان يتاجر في حقوق الفلسطينيين؟ وإذا فشلت المفاوضات سيتهمه معظم الشعب بأنه خُدع من قبل الإسرائيليين! وفي المقابل إذا تمكن نتنياهو من الرجوع وفي يده اتفاق سلام فإنه سيرقى إلى مرتبة القائد التاريخي، أما إذا فشل فسيُثني عليه مؤيدوه لثابته على موقفه فيما سيذهب منتقدوه إلى تحميل كامل المسؤولية للفلسطينيين، فعباس سيلومه الجميع، سواء نجح أم لا، فيما غريمه نتنياهو سيزدهر إذا نجح وسيعيش إذا فشل. فالأول يخسر حتى لو ربح، والأخير يفوز حتى لو خسر. عباس سيلومه الجميع، سواء نجح أم لا... أما نتنياهو فسيزدهر إذا نجح وسيعيش إذا فشل! حسين آغا - باحث بارز بجامعة أوكسفورد البريطانية روبرت مالي - مدير برنامج الشرق الأوسط في "مجموعة الأزمات الدولية" ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©