الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خيار المقاومة السلمية في القضية الفلسطينية

9 يونيو 2012
يتساءل البعض لماذا تراجع الفلسطينيون إلى الخلف على ما يبدو ولم ينخرطوا في ما يمسى "الربيع العربي". ولكن الحقيقة تشير إلى عكس ذلك. ذلك أن الفلسطينيين في لبنان والأراضي الفلسطينية وعبر منطقة الشرق الأوسط انخرطوا في مقاومة سلمية خلال العام الماضي؛ ولكن وسائل الإعلام الغربية عموماً تجاهلت هذه الحركة الملفتة التي وحدت فصائل مختلفة مثل "فتح"، و"الجهاد الإسلامي"، و"حماس"، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. والحال أنه إذا لم يعترف الغرب بهذه المبادرات السلمية، فإن بعض الفلسطينيين قد يتساءلون بشأن جدوى المقاومة المدنية السلمية وما إن كان يمكن أن تكون أفضل من المقاومة العنيفة. والواقع أن حركة المقاومة السلمية الحالية في المنطقة – يمكن ربطها بالكفاح الذي بدأ في الأراضي الفلسطينية في 1987. ومثلما يقول الأستاذ رامي زريق من الجامعة الأميركية في بيروت، فإن "الانتفاضات العربية تأثرت بالانتفاضة الفلسطينية (الأولى) بالطبع". ولكنه يوضح أن العكس صحيح أيضاً: فهناك "تغذية مستمرة من الانتفاضات العربية لفلسطين ومن فلسطين للانتفاضات العربية". هنا في لبنان، لم تلق عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية تأييداً شعبياً أبداً. وحسب "الأوراق الفلسطينية" المسربة، فإن المفاوضين الفلسطينيين كانوا مستعدين للتنازل عن حق العودة، الذي يعترف به قرار مجلس الأمن الدولي رقم 194، لجميع اللاجئين الفلسطينيين باستثناء 10 آلاف. ولكن على المرء ألا يستغرب حقيقة أن هذا التنازل لم يلق أي تأييد شعبي هنا، وذلك لأن نحو 400 ألف لاجئ فلسطيني مسجَّلون في لبنان وحدها. غير أن رد فعلهم على هذا التطور وتطورات أخرى تغير خلال الأشهر الأخيرة. فإذا كان العديد من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان قد دعموا طريق المقاومة المسلحة في الماضي من أجل استرجاع حقوقهم، فإنهم بدأوا اليوم يخرجون إلى الشوارع للاحتجاج بشكل سلمي. الموجة الجديدة من المقاومة المدنية السلمية الفلسطينية في لبنان بدأت العام الماضي في ذكرى النكبة. ففي الخامس عشر من مايو 2011، تجمع أكثر من 50 ألف لاجئ فلسطيني في مظاهرة سلمية بالقرب من الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت، أخذ فلسطينيو لبنان ينظمون مظاهرات واعتصامات سلمية بشكل منتظم، مطالبين بالحقوق المدنية (التي يفتقرون إليها) في لبنان وحق العودة إلى وطنهم. غير أنه إذا كانت محاولة السلطة الفلسطينية الأخيرة الرامية للحصول على اعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، قد استأثر باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام الغربية، فإن وسائل الإعلام نفسها لم تقل شيئاً عن الاحتجاجات السلمية للفلسطينيين في لبنان؛ كما لزمت الصمت عندما أصدر زعماء حماس في غزة إعلاناً في ديسمبر الماضي يقول إن "العنف لم يعد الخيار الأول" للمقاومة التي تخوضها الحركة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه تقريباً، تجاهلت وسائل الإعلام الغربية عموماً إضراب الطعام الذي خاضه خضر عدنان احتجاجاً على السياسة الإسرائيلية المسماة "الاعتقال الإداري" – التي تقضي باعتقال سجناء فلسطينيين إلى ما لا نهاية بدون أن يحاكموا أو توجه إليهم تهم. ولم تظهر تقارير إعلامية حول الإضراب عن الطعام إلا في فبراير الماضي عندما أوشك عدنان على الموت. وفي وقت لاحق، انضم 1600 سجين فلسطيني آخر إلى هذه الحركة الاحتجاجية، وشارف عدد منهم على الموت. ريتشارد فوك، المقرر الخاص الأممي للأراضي الفلسطينية المحتلة، انتقد غياب رد من الحكومات ووسائل الإعلام الغربية، بل وحتى الأمم المتحدة نفسها. ومنذ ذلك الحين، تفاوضت الوساطة المصرية حول صفقة توافق بموجبها إسرائيل على تلبية بعض المطالب الرئيسية للسجناء، ما أنهى إضراب معظم السجناء عن الطعام، وإن كان عدد من السجناء قد استمروا في الاحتجاج. وطيلة فصل الربيع، شهدت المنطقة موجة من الأحداث السلمية التي نظمت تضامناً مع الفلسطينيين المضربين عن الطعام. وفي الثلاثين من مارس الماضي، نُظمت سلسلة غير مسبوقة من المظاهرات السلمية في الأراضي الفلسطينية والبلدان المجاورة مثل مصر والأردن ولبنان وسوريا، تحت يافطة "المسيرة العالمية إلى القدس". ثم في الخامس عشر من مايو، خرج الناس إلى الشوارع من جديد في ذكرى النكبة. والواقع أن جميع الفصائل الفلسطينية الرئيسية تساهم في تنسيق هذه الأنشطة، بما في ذلك "فتح"، و"حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". ويشار هنا إلى أن الولايات المتحدة تعتبر الفصائل الثلاثة الأخيرة مجموعات إرهابية. غير أنه وعلى غرار ما جرى مع الإضراب عن الطعام، فإن وسائل الإعلام الغربية عموماً تتجاهل الحقيقة المتمثلة في أن هذه الفصائل الثلاثة باتت اليوم تتبنى بشكل فعلي مقامة سلمية لتحقيق أهدافها السياسية. وحتى عندما سربت "حماس" إلى الصحافة مؤخراً ما يفيد بأن الحركة تجري حالياً محادثات سرية مع عدد من الحكومات الغربية، فإن وسائل الإعلام الغربية آثرت تجاهل ذلك. إن الخطر يكمن في حقيقة أن الصمت الغربي - في وسائل الإعلام وفي الحكومات - بشأن هذه الحركة السلمية سيُضعف فعالية المحتجين الفلسطينيين. إذاً ما جدوى الاحتجاج السلمي إذا لم يتم الاعتراف به أو التفاعل معه؟ لقد جادل الفائز بجائزة نوبل للسلام "ميريد ماجواير" والناشطة المناهضة للحروب سيندي شيهان، في مقال رأي نشر مؤخراً، بأن على المجتمع الدولي أن يمنح المقاومة السلمية الفلسطينية فرصة. وهما على حق في ذلك. ولكن المشكلة الوحيدة هي أنه علينا أولاً أن نعرف أنها موجودة قبل تشجيعها. سارة ماروزيك – بيروت، لبنان عضو اللجنة المركزية الدولية للمسيرة العالمية إلى القدس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©