الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان وصناعة السلام في الجوار

9 يونيو 2013 22:36
أحمد رشيد محلل سياسي باكستاني في ربيع عام 1992، وعندما بدأت حكومة أفغانستان التي كان يقودها شيوعيون في الانهيار بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، اجتمع في مدينة بيشاور الباكستانية سبعة من قادة المجاهدين المتخمين بأموال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه)، لمناقشة الكيفية التي يسيطرون بها على أفغانستان، ويتقاسمون السلطة فيها على نحو سلمي. وكان الرجل الذي أقنعهم بالحضور للاجتماع، وجلس معهم في صبر خلال مناقشاتهم، هو نواز شريف الذي كان عمره حينذاك لا يتجاوز 43 عاماً، وكان يتولى منصب رئيس وزراء بلاده للمرة الأولى. وكان شريف وهو رجل مثقف، وبسيط، وعملي إلى أقصى درجة، يريد أن يصبح صانعاً للسلام، وكاد ينجح في ذلك. وقد مر الآن على ذلك التاريخ 21 عاماً تقريباً؛ وها هو نواز شريف يعود مجدداً لتولي منصب رئيس الوزراء للمرة الثالثة، في توقيت يتزامن مع انهيار جولة جديدة من المباحثات بخصوص أفغانستان. فقبل عام من الانسحاب الأميركي المقرر من هناك، لا يبدو أن المفاوضات مع «طالبان» قادرة على الوصول إلى شيء، وهو ما يمثل خبراً سيئاً بالنسبة لأولئك الذين يأملون في إيجاد حل سلمي. ولكن عودة شريف للمسرح، ربما تكون أفضل أمل لهؤلاء. فهو الرجل الذي توسط للتوصل إلى صفقة تقاسم السلطة عام 1992، التي كانت أمامها فرص للنجاح ولكنها أخفقت في خاتمة المطاف بسبب ما تعرضت له من تخريب من قبل أمراء الحرب الأفغان، والاستخبارات العسكرية الباكستانية، التي لعبت دوراً مزدوجاً: ففي حين كان قسم من ذلك الجهاز القوي يساعد شريف في جهود التوسط، حاول قسم آخر شن انقلاب عليه من خلال تهريب مئات المقاتلين الموالين لأمير الحرب المتطرف «جلال الدين حكمتيار» إلى كابول. وعلى رغم أن التدبير فشل، إلا أنه كان بمثابة الشرارة التي أشعلت أوار الحرب الأهلية الأفغانية الدموية التي ستستمر بعد ذلك لعقد من الزمن وتقود لظهور حركة «طالبان». ومن المعروف أن الجيش الباكستاني هو الذي أدار سياسات بلاده بشأن أفغانستان منذ عام 1978، وهو الذي يتعين عليه في الوقت الراهن تقاسم العبء مع الزعماء المدنيين، بحيث يتم تنازل الجيش لشريف عن مهمة الحديث مع «طالبان» أفغانستان، التي يعيش قادتها معظم الوقت في باكستان، بدلاً من الاستخبارات العسكرية الباكستانية التي بات هؤلاء القادة يكرهونها، بسبب ما يعتقدون أنه سوء إدارة كبيرة من جانبها لشؤونهم. ويمكن لحكومة شريف الجديدة أن تغير المعادلة، وتساعد قادة «طالبان» على الخروج من الحالة التي كانت تدفعهم لرفض استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، عن طريق تهميش المتشددين، وتمكين قادة «طالبان» الذين يسعون فعلاً لإحلال السلام في ربوع بلادهم. والمسألة هنا لا يمكن تفسيرها على أنها انتزاع لصلاحيات من الجيش، أو الاستخبارات العسكرية، وإنما تتعلق بخلق شراكة بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية، يتم في إطارها تفويض رئيس الوزراء المدني بإجراء المفاوضات. وعلاوة على ذلك سيؤدي إقناع «طالبان» أفغانستان بالجلوس على الطاولة إلى التأثير سلباً على معنويات قادة «طالبان» باكستان الأكثر تشدداً من زعمائهم الأفغان، والذين يسعون للإطاحة بالحكومة الباكستانية. والمفتاح لإنهاء الحرب في أفغانستان، والسماح للأميركيين بالخروج بشكل مشرف، وعقد انتخابات موثوق بها في أفغانستان، والتفاوض من أجل اتفاقية لتقاسم السلطة في ذلك البلد، هو العمل على خلق زخم لاتفاقية لوقف إطلاق النار. يشار في هذا السياق إلى أن المحادثات السرية التي جرت بين الولايات المتحدة، وممثلين من حركة «طالبان» قد تعثرت العام الماضي، لأن أميركا رفضت الموافقة لـ«طالبان» على إجراء بناء الثقة الذي طلبته والذي كان يتمثل في الإفراج عن خمسة من قادرة «طالبان» من معتقل خليج جوانتانامو، مقابل الإفراج عن جندي أميركي وحيد مسجون لدى الحركة. ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى فشل تلك المفاوضات أن البنتاجون و«سي. آي. إيه» كانا معارضين للمباحثات منذ البداية، وأن أوباما كان قد رفض من قبل منح التفويض الكافي للمبعوثين المتتالين الذين أرسلهم للمنطقة مثل الراحل «ريتشارد هولبروك» وخلفه في المهمة «مارك جروسمان». ونتيجة لفشل تلك المفاوضات، أصبحت «طالبان» أكثر انقساماً اليوم مما كانت عليه في أي وقت من قبل، وتزايد نفوذ العناصر المتشددة في الحركة التي تريد مواصلة القتال ضد القوات الأجنبية. وبعد خمسة أشهر من التأجيل، عين أوباما السفير «جيمس دوبينز» الدبلوماسي المخضرم كمبعوث جديد خاص لأفغانستان وباكستان. ولكن «دوبينز» لن ينجح إلا إذا حصل على دعم كاف من البيت الأبيض. ولدى أوباما مصلحة كبيرة في تحقيق حل سلمي للصراع في أفغانستان وإجراء انسحاب آمن. ولكن كي يتم ذلك يجب عليه أن يمنح دبلوماسييه، الصلاحيات الكافية لاستكشاف كافة المسارات الممكنة للمباحثات مع «طالبان» وتحمل مخاطرة تحرير سجناء الحركة، الذين يحتفظ بهم في جوانتانامو. وجنرالات باكستان لديهم مصلحة كذلك، بشرط أن يعرفوا كيف يغيرون اتجاه سفينة الوطن بعيداً عن الطريق الذي كانوا يتبعونه من قبل، وتطوير استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، ومعرفة كيفية استخدام الديمقراطية وبناء الأمم، كأدوات لمواجهة التمرد. ويمكن لشريف أن يكون هو الرجل المناسب لتحقيق ذلك -إذا ما تركه الجنرالات يفعل ذلك. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©