الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضّعيف يموت.. أو يربّي شنباً!

الضّعيف يموت.. أو يربّي شنباً!
10 يونيو 2015 21:35
الإنسان أينما كان، سواء في الشرق أو في الغرب، يظل قابعاً في جحره، مثل فأر مذعور مقطّباً جبينه أبداً، مصراً على أن عالمه وحده، هو الأفضل، ممتلئاً باليقين بأن كل ما يحتاجه هو أن يغسل جلده، ويلبس بدلة نظيفة، ويجد عملاً يؤديه لكي يحتفظ بأنفه في السماء، وهو – ما دام داخل جحره المعتم- لا يملك فرصة واحدة لكي يعرف مدى تفاهة عالمه، ومدى سطحيته، بل ويظل يشعر بالقوة التي لا مبرر لها، ويشعر بالسمو والثبات المزيفين لأنه – في الواقع – لا يستطيع أن يفعل غير ذلك، إنه مجرد - طحلبة ثابتة في التراب - وما دام الإنسان يعيش داخل حفرة فلا مفرّ من أن يقوم العالم على أكتاف الفئران. *** إنّ ثقافتنا تنقسم على نفسها بين جبهتين: جبهة يقاتل عليها مثقف عربي مفتون بما حققه رأس المال في غرب أوروبا، ولا يهمه بعد ذلك، أن العرب أنفسهم لا يقعون في غرب أوروبا، ولم يرتادوا المحيط، ولم يشاركوا في استعمار قاراته، وليس لديهم ما يكفي من رأس المال، لردع نظم الإقطاع البدائي الذي يشكو منه. وجبهة أخرى، يقاتل عليها مثقف عربي يعيش في عصر الصليبيين، ويعتبر كل ما يصدر عن أوروبا، عدواناً صليبياً على الإسلام. ولا يهمه بعد ذلك أنّ المسلمين أنفسهم ليسوا مسلمين جداً، وأنّ غياب الشرع الجماعي، من دستور الإسلام يضطرهم إلى النقل حرفياً من شرع الصليبيين.. إنّنا نملك ثقافتين، بدلاً من واحدة، لكنّ ذلك لا يجعلنا في صفوف المثقفين. *** مشكلتنا أننا مهرّجون.. نقاتل إسرائيل دفاعاً عن حقوق الإنسان العربي في فلسطين، ونسلب الإنسان حقوقه في أراضينا.. وأننا نبيع القرد ونشتم من يشتريه.. ونرفع أصواتنا بالبكاء على مصير اللاجئين، ونعيش نحن لاجئين داخل أراضينا.. ونبيع الكلمات بالمجان، ثم نشتريها من صحفنا البلهاء مقابل رؤوسنا.. *** الديمقراطية في لغتنا العربية كلمة ولدت شرقي مضيق جبل طارق في نظم قائمة على سلطة الجيش والمؤسسة الدينية.. إنها صيغة لا علاقة لهل بما حدث في غرب أوربا ولا تملك الشرعية التاريخية.. ولا تعني شيئاً في أرض واقعنا سوى تقسيم مراكز النفوذ بين أقوى الذكور في المجتمع.. لكن الشعوب التي تصدق ما تسمعه وتعمى عادة عما تراه. *** إننا لا نملك صيغة للإدارة الديمقراطية في ثقافتنا العربية المعاصرة.. بل نملك بديلاً سياسياً عنها علامتها المميزة أنها ليست ديمقراطية إلا إذا كان المواطن هو الجندي ورجل الدين.أما إذا كان المواطن هو الطفل، والمراهق، والمرأة والعجوز، فإن الصيغة التي نعرفها في لغتنا العربية تصبح شفهية إلى حد لا يصدق. تعلَّمتُ أن أؤمن بالله، ورسوله واليوم الآخر، وتعلَّمتُ أن أطوي هذا الإيمان في صدري وأتركه يقودني في طريق الغربة، وقد قادني بنفسه إلى هذا الحد، وعلَّمَني أن أكفر بمهنة «الفقيه». *** الإسلام الذي ورثناه عن أسلافنا ليس هو الإسلام الذي بشر به القرآن، بل نسخة ناقصة عنه مشوهة صنعها الإقطاع على مقاسه، وقد لا يستقيم لنا سبيل الخروج منه إلا بجهد جماعي طويل النفس يتمثل بتأسيس حزب الجامع، الذي يتوجه لتطوير لقاء يوم الجمعة من مناسبة للصلاة والوعظ إلى مؤتمر للديمقراطية المباشرة. *** لم يقبل الإسلام نظرية الشفاعة، لم يخوّل المؤسسة الدينية سلطة غفران الذنوب، لم يعترف أساساً بما يُدعى رجال الدين، لقد جعل الحياة الأخرى مثل هذه الحياة الدنيا مسؤولية في أيدي الناس أنفسهم (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) سواء في حياته أو بعد مماته، بغض النظر عن لونه وعقيدته وبغض النظر عما يقوله رجال الدين. *** يعرف أنّ عمامة الفقيه مجرد نوع من أنواع الإعلان، وأنّ المسلم لا يملك قبعةً بل يملك حقوقاً في نصوص الدستور، فإذا ضاعت هذه الحقوق، فلا شيء يفرق بين رأسٍ، ورأس. *** إذا بقي الدين حرفة لاكتساب العيش، فإن كل باب تدخل منه صحون الأرز وجثث النعاج، سيظل إلى الأبد مفتوحاً على الجنة.. والمأتم الليبي أكبر الأبواب. *** الجهل – مثل جميع الأمراض العقلية – يحقق رابطة متينة بين الفئات المصابة به بغض النظر عن اختلافاتها الاجتماعية، ويرصها جميعاً صفاً واحداً ضد الأعداء وراء الجدار في حالة استعداد دائمة للبدء في القتال. فإذا كانت الفئات صغيرة الحجم مثل الحزب النازي في بداية نشأته، فإنها غالباً لا تستطيع أن تلحق ضرراً ملموساً بمن يحيط بها، وإذا أتيحت لها فرصة النمو مثل الحزب النازي أيضاً، بحيث صار في وسعها أن تضم القطاع الأعظم من القوة الكلية، فإنها تثبت أقدامها في الأرض وتنمو بلا حساب في تربة غنية من الإقطاع الفكري الأسود، ويصبح دمارها أمراً مستحيلاً بدون وقوع الكارثة الاجتماعية. ولكن الدمار لابد منه في نهاية المطاف. لقد أدى هذا الإقطاع الفكري ذات مرة إلى صلب المسيح بأيدي اليهود، وأدى في مرة أخرى إلى وضع أدولف هتلر في مصاف المنقذين الكبار غير أن نتائجه كانت دائماً خاطئة، وكان التاريخ يصحح له هذه الأخطاء بقلم مغموس في الدم. *** الجاهل لا يبيع بضاعته بالمنطق، بل بالشعر وحده، إنه لا يقنعك بفكرته بل يغريك بها، وإذا رفضت إغراءه يلجأ إلى (تهديدك) وإذا رفضت تهديده انقطعت علاقته بك عند هذا الحد. إنه لا يجيد استعمال الرباط الفكري ولا يعرف كيف يحشر يده داخل دماغك لكي يقنعك بحجته لأن هذه المعجزة لا تتم بدون (الإقناع المنطقي) ولأن الإقناع المنطقي آخر بضاعة في حانوته المعبأ بالأشعار، فإنه عادة ينفض يديه منك بأن يقطع رأسك أو يكرهك في الخفاء. *** الشّعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة، تموت نتيجة تناول الدواء الخطأ. ليس ثمة علاج لحالة النوم الاجتماعي اليوم، سوى البحث عن الذات واكتشاف صوت الضمير الإنساني، وسط زحام الأصوات. *** المرأة في بلادنا لم تشارك في هندسة مجتمعنا، لم تشارك في تقييم أخلاقياته، لم توافق على مزاعمنا القائلة بأن شرف البنت مثل عود الكبريت وشرف الرجل من ولاعة الرونسون. لا تعتقد أن ثمة فرقًا بين هفوة الرجل وبين هفوة المرأة، ولا تؤمن بأن أخاها يستحق أن يمتاز عنها بمقدار عقلة إصبع لمجرد أنه يملك بعض الشعر في لحيته. لا نريد مجتمعاً يوزِّع امتيازاته بين أفراده طبقًا لِطول الشنب. *** الحب - للأسف - ليس سهلاً مثل صناعة القنابل الذرية. المشكلة أن الزمن لم يشأ أن يظل لعبة، وقد كبر حتى أصبح عملاقاً.. ثم بدأ يلعب بالإنسان. *** وقد أصيب شعبنا بالمرض المتوقع، ووقف السحرة والفقهاء، ورؤساء التحرير عند رأسه، وطفقوا يردمونه بالأحجبة والافتتاحيات. وغداً يردمون جثته في أنبوبة المجاري.. ويتفرقون في عواصم العالم، لإنفاق حصيلتهم من غارة البترول، فيما تعود ليبيا مرة أخرى، إلى الصحراء المجدبة لتأكل وجبة الحلفاء مثل بقية الفقراء.. هذه ليست نبوءة.. إنها مجرد محاولة عادية، لوصف ليبيا من الخارج. *** إن ليبيا بلد مبني بالقش ويطفو فوق بحيرات البترول.. فما أسهل أن تندلع النار فيه.. أن تحرقه من أساسه. *** صحراء ليبيا ليست قاحلة.. إنها غنية بمزارع الحزن.. *** الموت يمشي في عروق العالم مثل بغل بري.. الموت أخونا في الرضاعة، الموت بغل بري يعمل في جر الجثث إلى كهفه المائي في الجحيم. *** يا رب، دع سماءك تمطر كتبا، دعها تمطر مدارس جيدة، ومعلمين، وسوف نصنع نحن المطر ونغسل عارنا. *** وإذا كنتُ أتهالك أحياناً عبر لحظات اليأس المفزعة، فقد ظللتُ دائماً أؤمن بالشمس الطالعة في اليوم التالي.. وظللتُ قادراً على الانتظار. أيّها السّادة... أنا اسمي صادق النّيهوم.. وأنتُم، عليكم اللّعنة، أحضرتمُوني من إفريقيا لكي أتزحلق على الجليد.. وقبل أن تتفضّلوا بقبُول فائق الاحترام أعيدوني إلى بلادي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©