السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحب يمامة مستحيلة

الحب يمامة مستحيلة
10 يونيو 2015 21:40
وحدها السنوات خوزيه لويس أبليارد وحدها السنوات تسمح لنا أن نطَّلع على الأسرار، السنوات تجتاحنا وتنبئنا بالأطلال، بالخواء بعد تهاوي الأسوار. البقايا ما أوسعها: طرق مجهولة، أحزان، تقرحات وجه لا وجود له، من خيلاء زخارف أيام الآحاد، محض قسمات وجه. هناك مكان هناك مكان في الكون أحيا فيه صغير وفريد، مكان لي، قطعة أرض، غابة معطرة، مع أناس مثلي، بقلب أسير، صغير، نازف وحزين. قطعة أرض، حفنة بشر، حديد صلب كنهر. أنا جزء من ذلك العالم الصغير. يشاركني الأصدقاء، الزمن والجرح النازف. منذ الأزل. الحياة بسيطة كل ما نحتاجه احتفالات طقوسية: أن نغتال الحقيقة كل صباح ونتركها تموت كل يوم أحد. من يعرف الطريق يحيا في هذا المكان بسكينة. الكلمات تواصل تدفقها، مستديرة بلا تشققات، لكل الكلمات مذاق مميز على كل شفاه قواعد اللغة تختلف عما سواها، وحده صوت الكلمات يذكرني بلغة كانت لي. هناك مرادفات جلية: أن تكون حراً أن تكون في غيبوبة دائمة، أن تسرق هو أن تعمل، أن تحب هو أن تكره، وأن تعيش هو أن تموت. الوحدة يطلق عليها صحبة وأن تخون هو أن تكون مخلصاً للأصدقاء. الجديد هو العتيق، بكل ما هو جديد مسحة من قدم. هناك مكان في الكون أحيا فيه صغير وفريد. مكان لي، قطعة أرض عفنة، مع أناس مثلي، بقلب أسير، صغير، نازف وحزين. فن الشعر مونتشو أسواجا طلبوا مني ألا أكتب وألا أتكلم قالوا لي: اصمت. قالوا لي: كل شيء بلا جدوى. وكل الجهود سُدى. ومع ذلك في الخارج، في الشارع، أصوات مجهولة، ظلال، أشباه ظلال تبحث عن الريح، والمطر الأزرق، والسماء. مدينة تحت الحصار ألقوا القبض على المدينة، حصنوا الأبواب، والكهوف والطرقات، الهواء من حجارة. محض صخور بازلت وجرانيت، بقايا بشر وخوف، حياة. الحب يمامة مستحيلة ترتطم بالسماء. الليل ظل صامت الروح دمعة جفت. الكلمة خارج سياقها، اللغة لا تُحتمل، لقد اختطفوا الفجر. أسلاك وحوائط شائكة، أصفاد، وأوامر، ومراسيم. صمت، صمت مطبق. كل شيء ساكن في المدينة. السلام. ... وسلاحف الإيغوانا تتمدد تحت قرص الشمس. جيل السلام تعلمنا كيف نصمت، كيف نحني رؤوسنا ونبتسم، ألا ننظر لأعلى تعلمنا أن نكرر: ما أحلى الحياة، ما أحلى الحياة، ما أحلى الحياة! أضواء ملونة ولافتات من نيون، وحلي في نوافذ المحال، ويمام على الأسلاك. قضاة للبيع أردية إنجليزية فضفاضة تهريب، تعذيب، ومخدرات، ربيع مقلوب! تعلمنا أن نصمت، أن نتجنب المشاكل، متنا عمياناً، مرضي ومتعبين من كثرة السلام! تعلمنا أن نكون صامتين، وأن نبيع أنفسنا وأن نداهن، حسب أهواء الزعيم. تعلمنا أن نصمت، نحن، أمل الأمة، جيل السلام. «صمت! من يتكلم؟» «لا أحد، إنهم فقط يسبحون بحمدك، سيدي الجنرال!» فردوس صامت أرض جميلة بلا عيوب، خرساء، غبية، عمياء، حتى يوم الدين! أكثر من نهر جلاديس كارامجنولا أعلم أنا صعدنا إلى الأعالي، أعلى من مجرد نهر، محيط ابتلعته العواصف، تحملنا الأمواج العاتية، وأقمنا بين الخلجان المتحركة. هناك في الأفق رسم تخيلي لأيادٍ قد تصل إلينا لتمنحنا أو تأخذ منا كسرة خبز، أو عسى أن يكون هناك سطح يؤوينا من الطقس الغادر، حيث تستريح عظامنا وجلودنا، حيث يشعر دمنا بالدفء تحت المفارش، حيث يمكننا الصلاة، محض أحرف خاوية، يمكننا أن نصلي، في زورق الغد الوحيد. أعلم أننا نبحر في المحيط... أنه لا ملاذ لنا أو مرفأ، أن الهاوية عميقة، والجزر نادرة، والمدينة، إن وجدت، على مسافة شاسعة، الملح يغمرنا وحدها تلك الصلاة: «كسرة خبز»... «قليل من ماء»... تأملات أوسكار فيرييرو عشب أحمر، جفاف، وقلبي ينفطر: حطب مشتعل يئن في الليل. حريق مستعر للسنوات الخوالي ويحل المطر في النهاية. مطر على الغابة، أورجواني اللون، قمر مكتمل. على تلال الشرق، الشرق وحده، بين جذوع الأشجار السوداء، يعود الضوء إلى السماء الزرقاء. وعلى الأرض الجياد، يا له من قمر! جبال وخمس عشرة قمة مغطاة بالغبار والفحم والوحدة تعذبني مياه أنهار حارة وألف حصان ميت يطفو على السطح يا له من منظر فظيع، وألف غراب ينعق على قوس قزح يموت البشر. ويتلاشى ذكرهم. فن الشعر1 خواكين موراليس كلمات من ورق كلمات من ريح تتلاشى، وتضيع، تدخل نفق النسيان، لا تصلح لشيء. ولا يمكنها أن تُطعمك فن الشعر3 الاحتقار الكامل للكلمات مهما كان أسلوبك لأن قلب القصيدة على الجانب الأيسر من الصمت، كقلب الإنسان. والقصيدة أحياناً صمت طويل. كصمت الإنسان. خلود أما ندا بدروسو ملائكة الخال، تخلت عنه ومضت إلى الجحيم، إنه يحتضر مريضاً بالنوستالجيا، جرمه أنه حلم، بالعزف على الهارب، في السماء. يقول إنه يشرب لأنه حزين، جليّ أنه حزين لأنه يشرب يا له من حيوان بائس تجرأ أن يحلم لكن من عداه يحلم. تزداد خطاياه سريعاً، وحينما يجثو على ركبتيه تنمو على جسده أجنحة وعندما يصل إلى مكان آخر يمضي للنوم محدقاً بالنجوم، يُزجى وقته منكراً ذاته، يقول إن سوء الطالع لازمه، ومزق أحشاءه. إنه ما من امرأة تستطيع تحمله وأن النقود تنفذ من جيبه. ملائكة الخال سقطت بعيداً عنه في الجحيم إنه يحتضر مريضاً بالحمى من تراكم الحمق ويقول إنه بعد كل ما تم سيكون مملاً أن يعزف الهارْب حتى نهاية الزمن آمين. فتاة المانجو جاكوبو راوسكين اليوم أوراق الشجر لا شيء، محض صورة، اعذروني، محض صوت، قيلولة وخرير ماء على ضفاف الظل تسقط ثمار المانجو نعم تسقط. والفتاة، مجهولة الاسم، تدنو، تنظر. ترى حبات المانجو، عارية، غافية، متحيرة، تمضي وراء حبات المانجو تستدير. نعم تستدير وتسقط تستسلم للقيلولة كيف أعرف ذلك؟ أتذكر على ضفاف الظل، وقيلولة المانجو، طفولة تغفو كالفاكهة وكالشجرة، ترتجف، ثم تصحو. أداجيو ذات يوم من تلك الأيام الرمادية، عائداً لا أدري من أين، مررت بشوارع حزينة. أبواب لم يفتحها أحد، ونوافذ تطل على لا سماء، وزهور عتيقة على أسوار الحانة. لا جدوى أن أمنح نفسي لآلهة النحيب. لا جدوى حتى في الشكوى. الحب، الهوى، الأغنية، كل شيء يأتي من قيثارة لا مرئية، قيثارة بعيدة بعيدة. مني لا يصدر سوى الصمت مني ما من شيء سوى الأمل في يوم جديد. معاً يبوح الريح بسره للمطر لا نعرف فحواه، لا نعرف الكثير عن رجل وامرأة يعبران الطريق تحت مظلة مطر واحدة. يحبان بعضهما، يودان أن يكونا معاً. يشبهان المطر: يذوبان في لحظة. ناي وعصفور الفيو روميرو من أراضٍ مستترة، يصدح صوت الناي، من حقول الجوافة، من الشمس الغاربة، من أنات الناي، من الهواء الجريح، قُبَّرة تعبر السماء، في رحلة حب، من هناك يعود صدى صوتها، نغمة حزن وزفرة ألم رجل أعمى وناي، لحن حزين لرجل في بيت الأجداد، رجل مجهول في الوادي، وهناك، في الظهيرة، نعثر على عصفور ميت، في الصيف الحارق، تسقط الألوان على الأعشاب وجسد حار يتلوى، الطير أسير الموسيقى الجامحة لحن جنائزي العصفور في رحلة حب رجع صدى حزين، وصوت الناي الحزين يذوي في الصيف. كارلوس فيلاجرا مارسال ذلك المنفى أود العودة إلى هناك، حيث يغزلون الصباح بأيادي الأمهات، حيث يملؤون جراحنا بالملح. عليَّ أن أعود إلى بلادي، حيث يسرقون المياه من السهول الجرداء، حيث يحيطون الجوع بأسلاك شائكة. عليَّ أن أعود إلى بلادي، حيث تتحكم حفنة في الجميع، حيث تتلألأ أسلحتهم في عيونهم، وحيث ينزف الدم من البقية، ويموتون غضباً. أود أن أعود إلى هناك، لأننا نعرف جميعاً أن الظل الأسود يقربنا إلى الفجر الوضاء، إلى يوم جديد سعيد. ..................................... * أستاذ باحث بمعهد لشبونة الجامعي، لشبونة، البرتغال
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©