الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مومباسا» بر الزنج وقبلة السائح الأوروبي

«مومباسا» بر الزنج وقبلة السائح الأوروبي
4 سبتمبر 2010 21:52
مومباسا واحدة من المدن الأفريقية العديدة التي شيَّدها العرب في القارة السمراء، وكان ذلك في وقت مبكر من القرن الثالث الهجري «9م.» حين أسسها التجار العمانيون لخدمة أغراض التجارة المزدهرة مع شرق أفريقيا، وظلّت الأسر العمانية تحكم مومباسا حتى القرن السادس عشر الميلادي وطوال تلك الفترة كانت المدينة حاضرة كبرى تدير الحياة السياسية والاقتصادية في عدد من المدن الساحلية العربية على شاطئ المحيط الهندي وهي المعروفة إجمالاً ببر الزنج وبممالك الطراز الإسلامي لانتظامها كشريط عمراني على المحيط الهندي. تعد مومباسا اليوم ثاني أكبر المدن الكينية وأكبر مدينة في شرق أفريقيا وتقع تقريباً عند خط الاستواء وتبدو كجزيرة ترتبط بالأرض عبر جسر رئيسي فضلاً عن المراكب البخارية الكبيرة التي تتولى نقل الركاب والأمتعة بين قسمي المدينة بعدما تضخمت وأخذت في الاتساع. وتقع مومباسا درة الساحل الكيني بين خورين شمالي وجنوبي وكان الخور الشمالي أهم ميناء في شرق أفريقيا خلال العصور الوسطى، أما الخور الجنوبي فهو ميناء مومباسا الحديث الذي تم إنشاؤه لاستيعاب حركة السفن الكبيرة والحديثة وبه واحدة من مصافي تكرير البترول الكبرى بالقارة الإفريقية، فضلاً عن مصنع متطور لتكرير السكر. وتاريخ المدينة الاستوائية يبرهن بقوة على أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف فلم تغز جيوش الفتوحات تلك البقعة القصية من شرق أفريقيا وإنما انتشر الإسلام فيها بفضل حركة التجارة وما يرافقها من علاقات التواصل بين البشر، وكانت مومباسا في القدم مقراً لإحدى الممالك القبلية ونظراً لأهميتها بين السكان المحليين فقد وقع عليها اختيار التجار من الساحل العماني لتكون محطة تجارية تستقبل سلع أفريقيا وخاصة القرنفل والعاج تمهيداً لإعادة تصديرها إلى العالم الإسلامي وأوروبا وتدريجياً أخذ الإسلام ينتشر بين الأهالي بلا إكراه حتى أن بحد ذاتها المدينة اليوم نموذج فريد للتعايش السلمي بين الأعراق والثقافات المختلفة. ورغم أن الإسلام ديانة معظم السكان، حيث تسمع بوضوح نداءات الصلوات الخمس في أرجاء المدينة فإن هُناك أقليات مسيحية وأخرى من أصحاب المعتقدات الإفريقية تمارس شعائرها وطقوسها الدينية بحرية كاملة وبلا تدخلات من الأغلبية المسلمة. وقد ترك التنافس الاستعماري بين الشرق والغرب للسيطرة على طرق التجارة الدولية أثره على مومباسا بأكثر مما تركه على أي مدينة أخرى، فقد وصل إليها البرتغاليون في وقت مبكر من القرن 16م. خلال اكتشافهم لرأس الرجاء الصالح، الطريق البحري المباشر بين أوروبا والهند، فقد تناوب البرتغاليون السيطرة على المدينة مع حكامها العمانيين غير مرة مع تدخلات تركية. الاحتلال البرتغالي في عام 1503م. احتلها البرتغاليون ثم استردها الأمير العماني سلطان بن سيف وأسس أول دولة عمانية مستقلة في شرق أفريقيا وأصبحت مقراً لولاة دولة زنجبار، فكان الأئمة اليعاربة يرسلون ولاتها إليها وإلى غيرها من بلدان شرق أفريقيا وقامت الدولة البوسعيدية بعد ذلك باستعادة السيطرة على مومباسا ودخلت بالتبعية في الصراع المحتدم مع البرتغال للسيطرة على الملاحة في المحيط الهندي. وإزاء صلابة العمانيين في الدفاع عن المدينة ونجاحهم غير مرة في طرد البرتغاليين منها حاولت القوات الغازية تحصين مواقعها فشيدت قلعة «يسوع» في عام 1590م. للاحتماء بها وقد اتخذت شكل الصليب في إشارة لاستمرار الحروب الصليبية، ولكن البوسعيديين نجحوا في طردهم منها وحولوا الكنيسة الصغيرة بداخلها إلى مسجد ومحوا رسوم الصلبان على بوابتها ووضعوا رسوماً إسلامية وعندما عاد البرتغاليون للسيطرة على مومباسا أعادوا الكنيسة إلى أن استقر الأمر للعمانيين وأعادوا افتتاح مسجد القلعة للصلاة بيد أن قوات الاحتلال البريطاني قامت في مطلع القرن العشرين بتحويل قلعة «يسوع» إلى سجن للمتمردين عليها وأخيراً قامت أول حكومة كينية بعد الاستقلال بافتتاح متحف وطني داخل القلعة في عام 1963م. ليروي قصة مومباسا مع أطماع القوى الاستعمارية للسيطرة على الملاحة في المحيط الهندي. واللافت أن الاحتلال البرتغالي لم يترك أثراً على ملامح الحياة في المدينة وبسبب انعزال المحتلين عن السكان بداخل قلعتهم. وإلى جانب الطابع الإسلامي للمدينة، فإن السكان يتحدثون لغة محلية واسعة الانتشار في الشرق الأفريقي وفي وسط أفريقيا وهي «اللغة السواحيلية» وتتألف من 90 في المئة من مفردات اللغة العربية والباقي من لغة «البانتو» المحلية وتعرف بالسواحيلية نظراً لأنها لغة تفاهم في منطقة سواحل المحيط الهندي، وكانت تكتب بالحروف العربية حتى منتصف القرن الماضي. وهُناك الأزياء العربية وخاصة ملابس النساء السوداء، فهي عمانية تماماً، وكذلك المنازل التي تشبه إلى حد كبير عمارة البيوت العمانية ولا سيما استخدام الأخشاب المزخرفة في عمل الأبواب والنوافذ وإن تفردت منازل مومباسا بالشرفات المتسعة للتغلب على الأجواء الاستوائية الحارة. وقد زار عدد من الرحالة مومباسا في أوان ازدهارها التجاري، فقد زارها الرحالة المغربي الشهير «ابن بطوطة» حوالي عام 1330م. ونزل ضيفاً غير مرحب به على أميرها، أما المستكشف الجغرافي «فاسكو دي جاما» فقد قصدها في عام 1498م. ومومباسا اليوم من أهم المنتجعات السياحية في أفريقيا الاستوائية، وهي قبلة مفضلة للسائحين من أوروبا وأميركا لمناخها الدافئ إذ رغم وقوعها على خط الاستواء، حيث الحرارة والرطوبة المرتفعة تتمتع بدرجات حرارة معتدلة بفضل التيارات البحرية بالإضافة للطبيعة الخلابة لشواطئها ولبحيراتها وغاباتها الخضراء. ويقصدها سنويا قرابة 800 ألف سائح يوفرون دخلاً يتجاوز 600 مليون دولار.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©