الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوق «الخيامية» يزود القاهرة بمطرزات إسلامية منذ ألف سنة

سوق «الخيامية» يزود القاهرة بمطرزات إسلامية منذ ألف سنة
4 سبتمبر 2010 21:59
هناك ارتباط وثيق بين شهر رمضان وازدهار سوق “الخيامية” في مدينة القاهرة فغالبية مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم تستخدم منتجات تلك السوق خاصة في الخيام الرمضانية والسرادقات الدينية. والسوق امتداد لشارع المعز بقلب القاهرة الإسلامية وتقع على مساحة ألف متر مربع بالقرب من باب زويلة وبوابة المتولي وتعد واحدة من أشهر أسواق القاهرة المسقوفة والمتخصصة في بيع المشغولات اليدوية. وسميت الخيامية نسبة لاقتصار المنتجات فيها على الخيام فما إن تصل إلى السوق حتى تجد على جوانبها مجموعة من الورش والمحال التي تخصصت في تصنيع وبيع هذا النوع من المشغولات اليدوية. أغلب‏ ‏العاملين في سوق “الخيامة” في القاهرة توارثوا‏ ‏المهنة‏ ‏أبا‏ ‏عن‏ ‏جد‏ وأكثرهم ينتمون لعائلات “‏الليثي‏ ‏‏و‏فروجة و‏‏فتوح‏ ‏و‏هاشم والمصري وإسماعيل وطلعت” ويستخدمون ‏مصطلحات‏ غريبة و‏طريفة‏ في أحاديثهم ‏أثناء العمل يصعب على المترددين عليهم فهمها مثل: “هات ‏‏رأس‏ ‏الثعبان‏ أو خلي بالك من ‏الذقن‏. ‏وثبت الراكب‏ ‏والمركوب‏ و‏اعدل ‏البلح‏ واربط اللمه وخلص ‏اللوزة”. ويفسر هشام إسماعيل (46 سنة)، أحد العاملين في تلك المهنة ذلك بقوله “تلك المصطلحات خاصة بالخيامية وحدهم وهي شيفرة خاصة لأهل المهنة تماما كبقية الحرف الأخرى وبعض تلك المصطلحات ترمز إلى أدوات نستخدمها في عملنا مثل الشاكوش والذقن والثعبان بينما البلح واللوزة والراكب والمركوب هي مفردات توضح طبيعة المطلوب من الصانع زخرفته وتطريزه على القماش سواء كانت رسوما فرعونية أو إسلامية أو كتابات لآيات قرآنية”. الخطأ ممنوع يقول إسماعيل إن حرفة “الخيامي” تعتمد على الصبر والمهارة ووجود ذائقة فنية تتيح للصانع تلمس التناغم بين الألوان والقماش واختيار التصميم المناسب ووضع قطع التراكيب إلى جوار بعضها في انسجام بديع، مؤكدا أن الخطأ في الخيامية ممنوع ويكلف الصانع في حال وقوعه سهوا الكثير من الجهد والوقت والمال أيضا فالقماش والخيوط المستخدمة لا يصلح استخدامها من جديد في حال الخطأ. ويضيف أن الخيامية مهنة أقرب إلى الإبداع فهي بالغة التعقيد فالقطعة الصغيرة المربعة مقاس 50 سم في 50 سم يستغرق العمل بها لمدة ثلاثة أيام من التاسعة صباحا حتى منتصف الليل ويبلغ ثمنها في المتوسط نحو 300 جنيه مصري، وهناك مفروشات كالتي تستخدم في السرادقات ونسميها “ أللمه” تصنع بمقاسات كبيرة تصل إلى 10 أمتار ويعمل عليها ثلاثة صناع مهرة لمدة أسبوع ويباع المتر منها بنحو 200 جنيه بينما منقوشات مفارش السرير تصل لنحو 1000 جنيه وأوجه الوسائد الصغيرة المستخدمة في المجالس العربية والحقائب والصديري العربي وأحزمة ومناديل رأس تتراوح أسعارها بين 150 إلى 600 جنيه ولوحات الحوائط الصغيرة للزينة من 400 إلى 1500 جنيه. ويرجع التفاوت في الأسعار إلى الخامات المستخدمة وحجم الجهد والوقت في إعدادها حيث تعتمد حرفة الخيامية على الإبرة والخيط وتناسق الغرز. استقطاب السياح من المشاهد اللافتة في السوق كثرة تردد السياح الأجانب على المكان نظرا لقربه من مناطق الآثار الإسلامية وللطراز المعماري الذي يميز السوق كونها مسقوفة ولتفردها بتصنيع وبيع تلك النوعية من المشغولات اليدوية ويتوافد السياح على المكان للمشاهدة أو للشراء ويطالعون إبداعات الخيامية اليدوية خاصة تلك الأقمشة التي تحتوي على رسوم فرعونية وإسلامية فيقدمون على شرائها كتذكار جميل يصلح للاستخدام في تزيين المنزل كنوع من الديكور الشرقي، خاصة أن غرز الخيامية تبدو مسحورة بلا بداية ولا نهاية مما يزيد جمالها. ويقول محمد توفيق (59 سنة)، أحد الحرفيين بالسوق “ورثت المهنة عن والدي وتعلمتها منذ كنت في التاسعة من العمر فقد كنت أجلس إلى جوار والدي وجدي أعاونهما في حدود المتاح من طفل أعطي هذا إبرة وانقل قطعه قماش وبمرور الوقت تعلمت خطوات المهنة وأسرارها”. ويوضح أن الاختلاف الذي طرأ على المهنة يكمن في تراجع أعداد الملتحقين بها، مشيرا إلى أن السوق كان يعمل بها قرابة 300 ورشة تضم ما يزيد على ألف وخمسمائة صانع أما اليوم فعدد الورش بالسوق لا يزيد على 100 وعدد العاملين 500. ويقول إن جيل الشباب يسعى إلى البحث عن مهن سهلة لا تحتاج إلى جهد كبير كالخيامية التي ترهق البصر والبدن معا وعائدها المادي قليل مقارنة بمهن أخرى ولذا فالمهنة بحاجة إلى اهتمام من قبل الدولة برعاية أبنائها وإقامة نقابة تجمعهم وتساندهم في المواقف المختلفة، لاسيما المتعلق منها بالعلاج وفتح أسواق لتصدير منتجات الخيامية وضمان مشاركة مستمرة في الأسواق العالمية المختصة بالصناعات اليدوية فهذا من شأنه زيادة المقابل المادي الذي يحصل عليه الصانع وتشجيع آخرين على دخول المهنة. طقوس المهنة يوضح توفيق أن أهم الطقوس التي كانت مرتبطة بالمهنة وانقرضت الآن تلك المتعلقة باحتفاء شيوخ المهنة بانضمام صانع شاب إليهم، موضحا أنه عندما بلغ الخامسة عشرة من العمر كان قد تعلم أسرار المهنة وانتهى من إتمام أول قطعة قماش أوكلت إليه من الألف إلى الياء وكانت تحتوي على رسوم إسلامية واستغرق منه ذلك أسبوعين ويوم انتهائه من تشطيبها اجتمع شيوخ المهنة في المساء بالورشة وشاهدوا ما أنتجه وقاموا بتقييمه والإشادة به واعترفوا به كصانع واحتفلوا به كواحد منهم وتم توزيع المشروبات على كل من بالمكان وبات اسمه من يومها يقترن بلقب “الاسطى”. ويقول “كانت هناك روح جميلة من الحب تجمع أبناء المهنة بشيوخها الكبار فنرجع إليهم ونستفيد من آرائهم أما الآن فالأمور اختلفت وبات الكل مشغولا بعمله وغير عابئ بما يجري من حوله”، مشيرا إلى أن من يود تعلم تلك المهنة فإن عليه أن يمر بمراحل عدة تبدأ بالمشاهدة والصبر والتعرف على الخامات المستخدمة والأدوات التي يحتاج إليها “الخيامي” كالقطن والإبر وأنواع القماش والرسم والألوان، وبعد ذلك يتم تعليمه كيفية التطريز على أنواع الأقمشة المختلفة كالقطن والتيل والصوف والرسم على القماش والطبع بالفحم، ثم إسناد أعمال بسيطة إليه يقوم بها تحت إشراف من هم أكثر منه خبرة وبمرور الوقت يمكنه تصميم عمل كامل من بنات أفكاره وتشطيبه وقتها يصبح خياميا ذا بصمة. تاريخ مهنة الخيامة يقول جودة إبراهيم (62 سنة)، أحد شيوخ السوق “مهنة الخيامية ترجع لعصر الفراعنة وتوارثها المصريون جيلا بعد جيل وعندما دخل العرب مصر أضافوا إليها الخط العربي والرسوم الإسلامية كالهلال والجمل والنجمة السداسية والآيات القرآنية، لاسيما أن كثيرا من القبائل العربية التي وفدت إلى مصر كانت تعتمد على الخيمة كسكن لها وكان الأمراء العرب يحرصون على أن تكون خيامهم مزينة ومميزة عن غيرهم”. ويوضح أن مكان السوق يرجع لعهد بناء القاهرة على أيدي جوهر الصقلي قبل نحو 1000 عام فقد كان المسافرون إلى مصر يفدون من جهة باب زويلة ويسعون لإصلاح ما لحق بخيامهم أثناء الرحلة فكان الخيامية الأوائل يعملون بهذا المكان وبمرور الوقت خصصت سوق لهم وتم سقفها كنوع من التكريم والاهتمام بصناع الخيام، لافتا إلى أن السيرة الشعبية تحفل بقصص وحكايات عن جمال وروعة خيام كثيرة أبرزها خيمة الأميرة قطر الندى التي خرجت من مصر في موكب مهيب للزواج من الخليفة العباسي في بغداد ويقال إن خيمتها كانت اقرب إلى قصر متنقل مطرزة بالذهب واستغرق الخيامية في صناعتها نحو 6 أشهر متصلة، كما كانت كسوة الكعبة الشريفة يجري تصنيعها في هذه السوق وتطرز بخيوط الذهب.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©