السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناديق «إدارة الثروة».. وصفة لمكافحة الفساد

10 يونيو 2015 22:36
في إطار ظاهرة الفساد المتفشي على نطاق واسع بأميركا اللاتينية تقول إحدى النكات التي تلقى رواجاً واسعاً في منتديات الإنترنت إن السؤال التالي وجه إلى مسؤولين من شتى الدول: بصراحة، ما رأيكم بشأن انتشار الجوع في أنحاء العالم؟ في جوابه ظهر ذهول واضح على المسؤول السويسري وهو يستفسر عن معنى الجوع، فيما بدت دهشة مماثلة على المسؤول الكوبي وهو يتساءل ما هو الرأي؟ ولم يعرف الأميركي المقصود بـ «أنحاء العالم»، أما المسؤول الأرجنتيني فاندهش أكثر متسائلاً: ما معنى «بصراحة»؟ والحقيقة أني استحضرت النكتة، وأنا أقرأ كتاباً بعنوان «أمم الثروة العامة» لمؤلفيه السويديين «داج ديتر وستيفان فولستر» اللذين يقترحان وسيلة مبتكرة لمكافحة الفساد في العالم تتمثل في إنشاء صناديق لإدارة الثروة الوطنية مثل تلك الموجودة حالياً في سنغافورة والنمسا لمنع أي سوء استغلال لمقدرات الدولة وممتلكاتها من قبل المسؤولين الحكوميين، وهي وسيلة يجدر التفكير في تطبيقها بأميركا اللاتينية، حيث فضائح الفساد المدوية تصم الآذان، والتي كان آخر فضيحة شركة النفط البرازيلية التابعة للدولة، بيتروبراس، التي تبين أنها أعطت عمولات لأعضاء في الحزب الحاكم، والأمر نفسه ينسحب على بلدان أخرى في أميركا اللاتينية التي تعج بفضائح الفساد. ففي فنزويلا على سبيل المثال اغتنى أفراد في الحكومة والجيش إلى درجة «باتوا» ينعتون بطبقة محتكري المال والسلطة، بل إن البلاد احتلت مراكز متأخرة في مؤشر الفساد باعتبارها الأسوأ في أميركا اللاتينية حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية، محتلة المرتبة 175 على الصعيد العالمي، وإذا كان المعروف في الديمقراطيات العريقة أن الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كفيل بمنع انتشار الفساد، إلا أن مؤلفي كتاب «أمم الثروة العامة» يضيفون إلى ذلك ضرورة إنشاء صناديق لإدارة الثروات العمومية تكون عبارة عن شركات قابضة مستقلة يديرها مهنيون محترفون ويشرفون من خلالها على ممتلكات الدولة من مباني عامة وآثار تاريخية وغيرها. ويرى المؤلفان أن النقاش القديم بين اليسار واليمين حول خصخصة ممتلكات الدولة لم يعد ملائماً اليوم، ذلك أن ما يهم جودة إدارة تلك الممتلكات واستفادة المجتمع منها بعيداً عن أيدي المسؤولين الفاسدين، بحيث تكون الأولوية تعظيم العوائد والأرباح التي بدورها تنفق على بناء المدارس والمستشفيات. وكما جاء في الكتاب يمكن للثروة العامة «أن تتحول إلى لعنة إذا تُركت نهباً للسرقة والفساد والشللية»، بل حتى عملية الخصخصة التقليدية تفتح المجال أمام الاغتناء السريع وإطلاق يد الرأسمالية الفاسدة. وفي توضيح لمفهوم صندوق إدارة الثروة العامة يقول «ديتر»، أحد مؤلفي الكتاب، إن العديد من البلدان حول العالم تلجأ إلى هذا الأسلوب في إدارة ممتلكاتها درءاً للفساد، بحيث تعمل في استقلال تام عن الهيئات الحكومية، بل تخضع لرقابة المستثمرين الأجانب والمحليين، وأيضاً لشركائهم الاقتصاديين، ولتأكيد الشفافية تلجأ المجالس التشريعية في البلدان المعنية باختيار مجلس للإدارة من خارج الدولة يسعى بدوره إلى توظيف مديرين محترفين بعدها يتولى هذا الفريق وضع قائمة بممتلكات الدولة وتقييمها سوقياً، ثم اتخاذ القرار بشأن الاستفادة منها، وعلى سبيل المثال إذا كانت حكومة ما تمتلك مكاتب ومقارات في منطقة غالية وسط المدينة ويمكنها الاستفادة من عوائد مهمة في حال تحولت تلك المكاتب إلى فندق فخم، أو أن يؤجر إلى شركة خاصة كبيرة بريع كبير، فإن فريق الإدارة لن يتردد في تحويل المقرات الحكومية إلى أحد الخيارين، ولعل أنجح مثال على هذا الأسلوب في إدارة مقدرات الدولة «تيماسيك» التي تعتبر الشركة المسؤولة عن هذا الأمر في سنغافورة، بحيث وصل دخلها السنوي إلى 16 في المئة كل عام منذ تأسيسها في 1974، ما سمح للحكومة بجني حصتها من الأرباح وتوجيه جزء كبير منها للتعليم والصحة والبنية التحتية. وفي رأيي أن صناديق إدارة الثروة تصلح تماماً لأميركا اللاتينية التي تحتاج إلى مديرين مهنيين. وفي الوقت نفسه خاضعين لمحاسبة مجالس الإدارة المستقلة عن الحكومات، وبهذه الطريقة تصبح مقدرات الدولة بمنأى عن عبث المسؤولين الفاسدين وتغدو النكت التي تتحدث عن فساد دول أميركا اللاتينية جزءاً من ماض بعيد. أندريس أوبنهايمر* *كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©