الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحمد أمين عاش بين العمامة والطربوش والحجاب والسفور

أحمد أمين عاش بين العمامة والطربوش والحجاب والسفور
12 فبراير 2009 02:33
أصدرت ''دار الشروق'' طبعة جديدة من كتاب أحمد أمين ''حياتي'' وهو سيرة ذاتية للمفكر وللباحث الإسلامي صاحب ''فجر وضحى وظهر الإسلام'' والتي تعد تأريخاً معاصراً للثقافة والفكر الإسلامي من البداية· كتاب ''حياتي'' صدرت طبعته الأولى عام 1950 والثانية بعد عامين وتوالت طبعاته حتى اقتربت من العشر وتأتي أهمية الكتاب ليس من أنه سيرة ذاتية لصاحبه فقط بل لأن أحمد أمين وهو يكتب رصد تطور الحياة المجتمعية والأاسرية منذ نهاية القرن التاسع عشر فضلاً عن تطور أحياء العاصمة المصرية والانتقال من الريف إلى الحضر وكيف كان الريف في نهاية القرن قبل الماضي· خوف على أن أهم ما في هذا الكتاب هو مقدمة الطبعة الأولى منه التي يمكن أن نعدها مرجعاً أو منهجاً لتناول السير الذاتية فهو يعتبر كتابه هذا أصعب وأكثر كتاب بين أعماله وشعر بالخوف والتهيب قبل أن يصدره ''كل ما أخرجته كان غيري المعروض وأنا العارض أو غيري الموصوف وأنا الواصف، وأما هذا الكتاب فأنا العارض والمعروض والواصف والموصوف والعين لا ترى نفسها إلا بمرآة، والشيء إذا زاد قربه صعبت رؤيته والنفس لا ترى شخصها إلا من قول عدو أو صديق أو بمحاولة للتجرد ثم توزيعها على شخصيتين: ناظرة ومنظورة وحاكمة أو محكومة وما أشق ذلك واضناه''· وإذا ما تجاوز الكاتب عن هذه الجزئية فإن هناك محاذير أخرى وهي المبالغة في تقدير الذات أو التواضع وانكار الذات ''إن النفس إما أن تغلو في تقدير ذاتها فتنسب إليها ما ليس لها أو تبالغ في تقدير ما صدر عنها أو تبرز ما ساء من تصرفها وإما ان تغمطها حقها ويحملها حب العدالة على تهوين شأنها فتسلبها مالها أو تقلل من قيمة أعمالها أو تنظر بمنظار أسود لكل ما يأتي منها وإما أن تقف من نفسها موقف القاضي العادل والحكم النزيه فمطلب عز حتى على الفلاسفة والحكماء· ويضيف أحمد أمين صعوبة أخرى للكتابة الذاتية بالقول ''ثم ان للنفس أعماقاً كأعماق البحار، وغموضاً كغموض الليل فالوعي واللاوعي والعقل الباطن والظاهر والشعور البسيط والمركب والباعث السطحي والعميق كل هذا وأمثاله يجعل تحليلها صعب المنال وفهمها أقرب إلى المحال· وحتى حين يكتب الكاتب أو يتحدث الإنسان عن نفسه فقد يقع في جوانب من الإنانية لأن حب الإنسان نفسه كثيراً ما يدعوه إلى أن يشوب حديثه بالمديح أو الإيحاء أو التلويح بالمديح وفي هذا المديح دلالة على التسامي والتعالي من القائل ومدعاة للاشمئزاز والنفور من جانب القارئ والسامع· وخلاصة ذلك أن الحديث عن النفس لا يكون مستساغاً ومقبولاً إلا بضروب من اللباقة و''افانين من اللياقة''· خاطر ويشعر أحمد أمين بأنه كان من الضروري أن يكتب سيرته وصحيح أن خاطراً آخر خطر له أو تصور أن يواجهه به البعض وهو مكانته الشخصية ''لست بالسياسي العظيم ولا ذا المنصب الخطير، الذي إذا نشر مذكراته أو ترجم لحياته أبان عن غوامض لم تعرف أو تظهر· ويستطرد: ''لا انا بالمغامر الذي استكشف مجهولا من حقائق العالم·· ولا أنا بالزعيم المصلح المجاهد'' لكنه ينتبه الى أن ذلك كان في عصر الارستقراطية الذي يكاد يزول ويحل محله عصر الديمقراطية عام 1950 فقد كان الشعر لا يعيش إلا في قصور الخلفاء والامراء ثم انتقل مع الناس في كل مكان وبعد ان كان للمديح والرثاء والهجاء فقط صار يقال في كل المواضيع وبعد ان كان المؤرخ يؤرخ للملوك وللسلاطين فقط صار المؤرخ يتناول حياة الفقراء والمغمورين أو المهمشين وبهذا المعنى كان عليه ان يكتب حياته ''لعلها تصور جانبا من جوانب جيلنا، وتصف نمطا من انماط حياتنا، ولعلها تفيد اليوم قارئا وتعين غدا مؤرخا''· وما توقعه صحيح تماما فهي مهمة للمؤرخ وللباحث قدر اهميتها للقارئ العادي المتذوق للادب· ولد احمد امين في مطلع اكتوبر 1886 بالقاهرة وكان والده ازهريا يعمل مصححا في مطبعة بولاق ومدرسا وهذا الاب جاء الى القاهرة هاربا من احدى قرى محافظة البحيرة حيث كان الاعيان يفرضون ضرائب باهظة على الفلاحين ومن لا يمكنه دفعها يضرب بالكرباج وياخذ ليعمل بالسخرة في اراضي الاعيان، رغم ان رياض باشا كان قد الغى السخرة والضرب بالكرباج، في بداية حكم الخديو توفيق لكن بقيت السخرة قائمة في الريف المصري· النشأة ويصف البيت الذي نشأ فيه قائلا: كان بيتا ريفيا من حيث بنائه ونظامه، رغم انه يقع في حارة الصيادية بالمنشية، التابعة لقسم الخليفة بالقاهرة، وكان السقا يمر بالماء يوميا يعطي كل بيت حاجته وكان يخط على باب كل بيت عدد القرب التي سلمها، لكنه لاحظ ان ''بعض الخبثاء'' يغالطون فيقومون بمسح بعض الخطوط، فاضطر السقا الى ان يسلم كل بيت 20 خرزة، ويأخذ منهم بعدد ما يقدمه من قرب ماء، وكان الحساب اسبوعيا· وبعد ذلك رأى الحارة تحفر والانابيب تمر والمواسير والحنفيات تركب في البيوت ''واذا الماء في متناولنا وتحت امرنا، واذا صوت السقا يختفي من الحارة ويريحنا الله من الخطوط او الخرز''· وكان الطعام يطهى في البيوت على الخشب ثم تطور ليكون بالفحم·· وكان والده يتقاضى 12 جنيهاً ذهبياً، وظهرت العملة الورقية وكان احمد تلميذا في المدرسة الابتدائية ويذكر ان الناس خافوا منها في البداية ورفضوا التعامل بها وتندرت عليها الصحف، وكان الشيوخ خاصة من عينة والده، حين تقع في يدهم العملة الورقية يسرعون إلى الصيارف فيغيرونها ذهباً·· وكانت العلاقة في البيت كلها التزام، والوالد من العمل الى البيت والمسجد، لا يذهب حتى الى مقهى، وذات مرة شاهد والده اخاه الاكبر يجلس على مائدة عليها ''شراب'' فظل يضربه حتى اغمى عليه، اما هو فكانت معه قطعة نقود بقيمة خمسة قروش، فذهب ليصرفها من محل بائع سجائر فشاهده اخوه الاكبر، فأخذه وظل يحقق معه تحقيق ''وكيل نيابة'' خشية ان يكون مدخنا او كان يشتري السجائر وقدر له ان يعيش حتى تغير ذلك كله، فقد سقطت سلطة الآباء وحلت محلها سلطة الأمهات والأبناء والبنات· وأصبح البيت برلماناً صغيراً ولكنه برلمان غير منظم ولا عادل فلا تؤخذ فيه الأصوات ولا تتحكم فيه الأغلبية·· وغزت المدينة البيوت حيث دخلت الكهرباء وصار هناك الراديو وأدوات للبريد والأهم من ذلك ''سفور المرأة وكانت أمي واخواتي محجبات لا يرين الناس ولا يراهن الناس إلا من وراء حجاب، وهكذا من أمور الانقلاب الخطير''· الدراسة تعلم أحمد أمين في الكتاب ثم ألحقه والده بمدرسة أم عباس، وكانت قد اسستها الوالدة باشا أم الخديو عباس حلمي ليتعلم أبناء الفقراء مجاناً، وكانت مدرسة حديثة، ما زالت قائمة إلى اليوم، وظل بها ثلاث سنوات ثم قرر والده أن يخرجه منها ليلحقه بالأزهر ولم يستمع إلى رأيه في أن يظل بالمدرسة ونصحه المدرسون بذلك· لكن الوالد استمع إلى اصدقائه من المشايخ وعموماً أحمد لم يحب الأزهر ولم يكمل الدراسة به، لذا تقدم إلى مسابقة أقامتها وزارة الأوقاف ليعمل مدرساً للغة العربية، ونجح وتم تعيينه عام 1904 في الإسكندرية وسعى والده حتى نقله عام 1906 ليكون مدرساً في مدرسة أم عباس وفي العام التالي افتتحت مدرسة القضاء الشرعي، فالتحق بها وكانت مدرسة عليا حديثة، كانت النواة لإقامة كلية الحقوق وفتح بذلك الطريق أمامه إلى العلم والبحث·· فخلع العمامة والزي الأزهري ليرتدي البدلة الحديثة والطربوش، ثم اختير استاذاً بكلية الآداب وأسس مع عدد من زملائه ''لجنة التأليف والترجمة والنشر'' التي كانت تنشر كتباً مؤلفة ومترجمة وأسس إلى جوارها مجلة ''الثقافة'' التي ظلت تصدر حتى عام 1953م·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©