الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسن الظن (2)

10 يونيو 2012
نكمل اليوم موضوع حسن الظن، فقد رأينا في المقالة السابقة كيف تؤثر الخبرات السلبية على حكم الإنسان وقراراته، فقد يحدث له موقف معين يبقى أثره مسيطراً على كل ما يقابله وما يتعامل معه. فالأم إذا رأت من ابنتها تصرفاً سيئاً قد تسيء الظن بها في كل تصرفاتها، والأمر نفسه مع الأب بابنه، والأخ بأخته والابن بأمه، وقس على ذلك الحال مع الأصدقاء، والأقارب، والجيران، والزملاء، والتجار، والزبائن وغيرهم، فأحدهم يستمع إليك وأنت تحدثه وقد يوافقك الرأي، ثم تفاجأ بعد يوم أو أقل برسالة نصية على هاتفك المحمول يؤول فيها ما قلته له بطريقة سلبية، ثم يهاجمك بعبارات لا تليق. لقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى هذا السلوك ولفت نظرنا إلى أننا محاسبون ومسؤولون أمامه عما نقول ونفعل دون أن يكون لدينا علم واضح بين، حيث قال جل شأنه: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(الإسرء:36). يعتقد بعض الناس أن هذا الأمر (سوء ظن) يدل على الذكاء والفطنة، ففي نظرهم أنهم يعرفون الناس ويفهمونهم جيداً قبل أن يتفوهوا بكلمة، يظنون ذلك وهم لا يدرون أنهم بصنيعهم هذا إنما يبحثون عما يسوء الآخرين ويشينهم، وهذا الفعل لا يجوز ولا يقبله إنسان عاقل على نفسه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ..) (الحجرات:12). ويقدم لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكمة من ذهب تجعلنا نمعن النظر والفكر والحواس فيما نراه ونسمعه وما نتلقاه من معلومات قيلت عنا أو عن الآخرين، يقول فيها: «لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً». طالما الأحداث والمواقف والأقاويل قد تحمل الإيجاب والسلب، فلم يأخذ بعضنا الجانب السيئ ويترك ما فيه الخير له ولمن حوله؟ لعل من الأسباب التي قادت بعضنا وساقت تصرفاتهم وعقولهم لسوء الظن بمن حولهم أو ببعض الأشخاص هو ما تحمله النفوس والذاكرة من الفهم الخطأ للناس ولأفكارهم، وما يحملونه كذلك من إيلام نفسي وربما جسدي. لذا نحن بحاجة قدر المستطاع أن نصفي ونفضي المخزون النفسي والذهني من كل ما يعيق لدينا نمو «حسن الظن» لترتاح النفوس وتهدأ العقول وتعود العلاقات الإنسانية والاجتماعية والأسرية والزوجية والتجارية إلى طبيعتها الجميلة. كان هناك مشهد جميل بين الإمام الشافعي وأحد زواره، فقد أتاه بعض أصدقائه يعودونه في مرضه، فقال أحدهم للشافعي: قوى لله ضعفك، فقال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني، قال الرجل: والله ما أردت إلا الخير، فقال الشافعي: «أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير». لله درك يا شافعي، هكذا حسن الظن خاصة بمن هم منك قريب، فقد قال أحدهم: «تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا.. لعل له عذرًا وأنت تلوم». إن من أساء ظنه بالناس قضى حياته في تعب وهم ومعاناة وشك، وفقد من الناس الكثير حتى أقربهم إليه. فسوء الظن قد يقود الإنسان بإحسان الظن في نفسه على حساب غيره. dralazazi@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©