الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إبراهيم محمد: سأرتدي جناحين سحريين وأعود إلى طفولتي

إبراهيم محمد: سأرتدي جناحين سحريين وأعود إلى طفولتي
5 سبتمبر 2010 00:30
“أذكر من رمضان “الفرني”، عندما كنت طفلا في قرابة السادسة، إنها من الأكلات الشعبية التي تشبه “المهلبية”، حيث يُطبخ الأرز المطحون مضافا إليه السكّر، ثم يجري تفريغه بعد ذلك في صحون توضع في الثلاجة، وتؤكل بعد الإفطار. وما كان جميلا في الأمر ليس حلاوة السكر التي ما زلت أتذكّر طعمها، بل أيضا أتذكّر إننا لم نكن ننتظر لنأكله باردا، إنما نتهافت على القدر التي أُفرغت للتوّ، فنأخذ مما تبقّى في قاعها بأصابعنا ثم نلعقها، بمتعة لا توصف”. بهذه الحكاية، بدأ الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم حديثه لـ”الاتحاد” ضمن حلقات ننشرها خلال أيام رمضان يتحدث فيها مبدعو الإمارات عن ذاكرتهم مع هذا الشهر الفضيل. ويضيف “أما وجبة الغداء، فكانت أمهاتنا يطعمننا “الشيرة”، وهي عبارة عن السكر مغلي في الماء حتى يصير قطرا ثم يُسكب من الإناء على خبز نسميه “الرقاق” ثم يوضع عليه القليل من السمن البلدي، ولم تكن بطبخة على جاري عادة أمهاتنا في إعداد مائدة الغداء قبل أو بعد رمضان، لكننا كنّا نقبل على التهامها بشكل لا يوصف”. ويزيد إبراهيم محمد إبراهيم، الذي صدر له عشرة دواوين حتى الآن وثمة أربعة أخرى قيد الصدور عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث – مشروع قلم في دفعة واحدة: كنا أيضا نتسلل خلسة إلى الثلاجات فنضع بعضا من الفاكهة في جيوبنا وفي أيادينا ثم نتسلل بالطريقة ذاتها إلى خارج البيت لنتوارى بعيدا عن أعين كبار السن من الأهل والجيران لنلتهمها في إحدى أزقة “فريج المرر” في برّ ديرة بدبي”. ويضيف “إن ما أردت قوله هنا هو أنّ هذا النوع من المأكولات الشعبية لم يكن يتوافر لنا إلا في رمضان، لذلك كنا ننتظره بشقاوة وشغف”. وعن ألعاب أطفال “الفريج” ليلا، يقول إبراهيم محمد إبراهيم “من بعد الإفطار وحتى مجيء موعد النوم، كنا نلعب ألعابا خطرة، فنشعل نارا ونتحلق حولها، ثم نقوم بإشعال ربطات الليف التي من سلك ناعم وتُستخدم في تنظيف أواني المطبخ، وإذ يلوّح بها أحدنا، يصدر عن حريقها شرر، يحرق ملابس البعض والشعر على رؤوس البعض الآخر”. ويضيف “لعبْنا في تلك الأماسي البعيدة “عظيم لوّاح” و”يوريد” و”الميت”، وهذه الأخيرة هي لعبة طريفة نتحلق خلالها نحن الأطفال في دائرة يكون في داخلها واحد منّا ثم يأتي آخر من خارجها فإذا تمكن من الدخول إلى الدائرة ومسّ اللاعب الذي فيها فإن عليه أنْ يسارع إلى الخروج منها، فإن تمكن من ذلك فقد فاز، وإن ألقى عليه القبض اللاعب الذي في الحلقة فإن الأخير يوسعه ضربا إلى أنْ يقول: “ميت” أي متُّ أو استسلمت”. ويختصر الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم، الحائز جائزة الدولة التقديرية في مجال الآداب والفنون عن حقل الشعر للعام 2009، العلاقات الإنسانية بين الناس في “الفريج” بالقول “كانت العلاقات الإنسانية أكثر دفئا بين الناس آنذاك، أواخر الستينيات ومطالع السبعينيات، حيث تجتمع النسوة في “حوش” بيت أو أمامه على الرمل، فيما نلعب نحن الأطفال من البنات والصبيان معا، حيث كانت الأمهات أمهات لجميع البنات والأولاد وكذلك الآباء فلا اعتراض من قبل والديك إن سعى أحدهم إلى تأديبك ضربا أو كلاما. كانت الناس كتلة واحدة تجمع بينهم مودّة وألفة صادقة والكل يداري على الكل”. ويتابع إبراهيم محمد إبراهيم “لم يعد رمضان هو ذلك الرمضان الذي عهدناه قبل ظهور البترول والطفرة الاقتصادية، لقد انحسرت بهجتنا وقلّ فرحنا سنة بعد أخرى ما إن بدأ الإسفلت يغزو السكيك ومنذ توغّلتْ الشوارع بين البيوت والتفت عليها كالثعابين السوداء. فانتقلنا من الحارات الرملية إلى شاطئ البحر الذي كان بعيدا، بعض الشيء، وكأننا كنّا نجري وراء أحلامنا التي يطاردها العمران ويقصيها الإسفلت بعيدا عن طفولتنا”. وإنْ نفى إبراهيم محمد إبراهيم توقعه آنذاك أن يصبح شاعرا يوما، إلا أنه أكد أنه كان يحفظ الشعر ويردده وكذلك الأمثال التي غالبا ما تقولها الأمهات شعرا، ما جعل ذاكرة الطفل قادرة على الاحتفاظ بزادٍ من الخبرة الإنسانية التي تركت أثرا ما على تجربته الشعرية بعد ذلك. أما عن مجالس الرجال، فيشير إلى أنه كان لصيقا بأبيه فيها سواء أثناء زيارة الأب لأحد المجالس أو زيارة أصدقاء الأب لبيت العائلة، فيصبّ لهم القهوة ويُعنى باحتياجاتهم فيما ينتظره أصدقاءه بباب البيت للذهاب إلى اللعب، ويقول “لقد استفدت كثيرا من تلك المجالس وتشربت الكثير من العادات والتقاليد وحفظت الشعر والأمثال وعرفت متى تُقال ولماذا وكيف ولمَنْ. لكنّ الأحاديث كانت متنوعة بحسب تجاربهم الخاصة وتتلون بتلون المهنة واختلاف التجربة الأمر الذي انعكس على تكوين قصيدتي بشكل أو بآخر، في ما بعد”. وفي صدد علاقته بالمدرسة ومدى تأثيرها في تكوينه الثقافي والإبداعي قال “كنت أشعر أن العالم أوسع من المدرسة، وأنها قيد، ويجعلني الجدار المحيط بها أشعر بأنني محصور في بقعة ضيّقة، لذلك كنت أنتظر بفارغ الصبر أن يقرع الجرس كي أخرج إلى العالم الأرحب مع أنني كنت من بين العشرة الأوائل في الفصل دائما”. ولدى سؤاله فيما لو توافرت له أجنحة سحرية فهل يعود إلى طفولته تلك؟ رد الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم حديثه بالقول “لن أتردد في الطيران أبدا، بل سأعود لممارسة جنوني الأول ذاته وبالتفاصيل ذاتها التي كثيرا ما داهمتني في المنام وما زلت أعشقها.. سأرتدي جناحين سحريين وأعود إلى طفولتي”.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©