الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيت العائلة يبوح بأسرار العودة إلى منابع الذكريات

بيت العائلة يبوح بأسرار العودة إلى منابع الذكريات
19 يناير 2014 22:44
يحتفظ كل منا بذكرياته في بيت العائلة، فهو المكان الذي ينشأ بين أحضانه الفرد وتحيط به أسرته وترعاه، وما من شك في أن الحنين إلى هذا البيت يزداد كلما ابتعد الإنسان عنه لظروف السفر أو الزواج، أو أي ظرف آخر يحول ما بين العودة إليه بشكل منتظم، وعلى الرغم من أن بيت العائلة دائماً يتسع لأصحابه لكونه الملاذ الذي يجمع كل الأسرة في مكان واحد فإن هجره في الغالب لا يكون إلا عن طواعية، ليبدأ أحد أفراده حياة جديدة مستقلة بحيث تتفرع من هذا البيت العائلات الصغيرة، والتي مهما كبرت يوماً بعد آخر وازداد عدد أفرادها بحكم الإنجاب إلا أن بيت العائلة يظل محتفظاً بمكانته في النفوس، ويظل الحنين إليه موصولاً. الكثير من الذين سافروا بحثاً عن الرزق في غير بلادهم، وتمنعهم ظروف عملهم من العودة إلى بيت العائلة مدة طويلة، يشعرون بأن ذكرياتهم مع بيت العائلة ملتصقة بجدران القلب، فهم هجروا هذا البيت، لكنه هاجر معهم في في البلاد البعيدة التي استقروا فيها، فضلاً على أن المرء حين يتزوج ويكون مضطراً إلى الاستقلالية ومن ثم تكوين أسرة صغيرة في بيت آخر يحس في داخله حنينا إلى حجرته الخاصة، ويشتاق إلى الجلسات الحميمية، التي كانت تجمعه بالأهل كل يوم على مائدة الطعام، وفي أوقات السمر الممتعة، وهو ما يجعل لبيت العائلة منزلة عليا، ويجعل المرء في رحلة مستمرة من أجل العودة إلى بحر الذكريات المنسية التي حين تعود إليها النفس في لحظات الخلوة تترك فيها ذلك الأثر الحلو الجذاب. قوة نفسية حول العوامل النفسية التي تجعل الذين اضطرتهم الظروف إلى الابتعاد عن بيت العائلة الكبير، تقول المستشارة الأسرية ومدير عام أحد مراكز التدريب والاستشارات في أبوظبي الدكتورة أمينة الماجد “يتميز بيت العائلة باحتوائه في آن لكل أفراد العائلة، حيث سنوات الطفولة الأولى التي يشب فيها المرء بين أحضان أبويه وإخوته وربما في وجود الجد والجدة، وهو ما يمنح هذا المرحلة ثراء اجتماعياً وقوة نفسية، ويشكل ملامح الشخصية الإنسانية بمواقفها المعقدة والبسيطة، بالإضافة إلى أن هذا البيت يحتضن سنوات الصبا وفورات الشباب وجموحه، فتظل جدرانه وهيئته منطبعة في النفس ساكنة في الأعماق حتى وإن ارتحل المرء عنها وحين يسافر الفرد بعيداً عن هذا المكان الذي يأخذ أبعاداً فلسفية عميقة يشعر بأن جزءاً من حياته ابتعد عنه فتشتعل منطقة الذكريات، ولا شعورياً يصبح الفرد في حالة مستمرة من التذكر في اللحظات التي يخلو فيها مع نفسه أو حين يشعر بأنه في حاجة إلى أن يحدث بعض أصدقائه عن حنينه إلى بيت العائلة. وتتابع الماجد: “يشكل الشعور بالحنين إلى بيت العائلة، حيث مواطن الذكريات عوامل إيجابية تمنح الفرد الشعور بالسعادة على عكس تذكر الأشياء، التي تترك غصة في النفس فتعكس آلاماً وحزناً لذا فإن العودة إلى ذكريات الماضي، التي ارتبطت ببيت العائلة من الأهمية بمكان إذ إنها تحرك دوافع إيجابية جداً تمنح الفرد شعوراً بالبهجة فتخلع عنه الهموم وتدفع عنه الضيق”، مشيرا إلى أن الحنين إلى الأمكنة لا يقل أهمية عن حنين الناس إلى بعضهم بعضاً، وهناك كتابات كثيرة ترجمت إلى روايات وقصص قصيرة وقصائد شعرية جسدت هذا النوع من الحنين بعبارات بليغة وكتابات رائجة، كما إن علم النفس والاجتماع والفلسفة نظروا ووضعوا تفاسير كثيرة للحنين إلى الأمكنة ومدى ارتباط الإنسان بها، وهو ما يؤكد أهمية الارتباط بالأماكن التي شكلت جزءاً مهماً من شخصية الفرد. سنوات العمر من بين الذين يكتوون بالحنين إلى بيت العائلة فريد القادري الذي جاء إلي الإمارات منذ عامين، ويعمل مهندساً ويورد أنه منذ أن تسلم عمله في إمارة أبوظبي، وهو يحاول أن يجد فرصة للعودة إلى بيت العائلة على الأخص لكونه يرتبط معه بذكريات عذبة لها وقع خاص في النفس، ويضيف: “عشت سنوات عمري كله في هذا البيت وتزوجت فيه ولم أخرج منه إلا طلباً للرزق في بلد شقيق وكم من مرة أجد أضبط نفسي متلبساً بالحديث عنه لزوجته وحينئذ تحثني على قضاء الإجازة الصيفية بين جدرانه ولا يخفي القادري أن يخطط في هذه الأيام من أجل أن يعود في بداية فصل الصيف إلى أحضان بيت العائلة ليروي غلة نفسه ويستجمع أيامه الماضيات في رحابه”. ولا تخفي أسماء الكعبي مدى تشوقها إلى بيت العائلة إذ إنها في الأساس من سكان إمارة الفجيرة، لكن الظروف اضطرتها إلى السكنى في إمارة أبوظبي، حيث تزوجت وتسلمت عملها في إحدى الهيئات الحكومية. وتبين الكعبي أنها كل ثلاثة أشهر تقريباً تذهب إلى بيت العائلة إذ إنها ترتبط به بشكل كبير، ولم تزل تشعر بأنها في حاجة ملحة إلى الجلوس في أحضان الحديقة الواسعة التي تحيط بالمنزل، والتي كانت تؤثر أن تتلقى طعام الفطور فيها. وتلفت إلى أنها بعد شهرين من الزواج أحسست بحنين جارف إلي أهلها والبيت الكبير الذي تسكن فيه جدتها لأبيها وكذلك أخوتها، حيث كانت تجمعها بالأهل ذكريات لا تنسي. وتشير إلى أن كل ركن في بيت العائلة له قصة لا تزال محفورة في القلب. أثاث جديد يستعيد حمد العامري ذكرياته الخاصة ببيت العائلة في عُمان، حيث إن جذور أسرته من هناك والعائلة تتوزع ما بين دبي وعُمان. ويؤكد أنه في كل عام تقريباً يسافر عبر الحدود البرية إلى هناك من أجل أن يعيش بين أحضان بيت العائلة الدافئ، حيث حجرته التي ارتبط بها بشكل كبير، والتي رفض تغيير أثاثها حين أصرت العائلة على تغيير أثاث البيت بالكامل وساعتها، وقف يتأمل سريره والمحتويات الأخرى في أسى، وعلى الرغم من أن مكونات حجرته الجديدة وصلت مع باقي الأثاث، فإنه وقف أمام حجرته وطلب من والده أن يتم تجديدها من دون تغيير أي شيء فيها، وعلى الرغم من أنه شعر باستغراب شديد من قبل جميع أفراد العائلة إزاء موقفه هذا فإنهم التمسوا له العذر، ووافقوه فيما طلب. مكتب وقلم أسود يقول أسامة الراجحي، الذي جرب في صباه ألواناً مختلفة من الكتابة الأدبية “حرصت على شراء مكتب وأنا في عمر الـ 14 عاماً حيث شعرت بأن لدى مواهب في كتابة الشعر والقصة القصيرة والمقال بوجه عام؛ فاقتنيت مكتباً مميزاً وجعلته مقابلاً لسرير نومي بحيث حين تهاجمني الكتابة أنهض سريعاً فأمسك بالقلم الأسود إذ إن هذا اللون هو الذي كان ولا يزال محبباً لي، ومن ثم أخط على الورق الأبيض ما يجول بخاطري”. ويلفت الراجحي إلى أنه بعد أن تزوج وكون أسرته الصغيرة وكبر أبناءه شيئاً فشيئاً يذهب بين الحين والآخر إلى بيت العائلة الكبير، الذي لم يزل يحتفظ فيه بحجرته القديمة على هيئتها فيمارس مواهبه القديمة، التي تشاكلت عيلها الأيام فقلصتها بدرجة ما. ويؤكد أن الأسرة لم تغير شيئاً في حجرته وتركتها على هيئتها بناء على رغبة الراجحي. ويلفت إلى أن الأماكن لها سحر لا يحد وحنين لا ينقطع.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©