الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... ثمن مرحلة الباب المسدود

الأزمة السورية... ثمن مرحلة الباب المسدود
10 يونيو 2012
ما زالت آثار الهجوم بادية على قرية القبير، حيث جدران المنازل ملطخة بالدماء وثقوب الرصاص منتشرة في كل مكان، وفوارغ قذائف المدفعية متناثرة على الأرض، ورائحة الموت تخنق الأنفاس، كل ذلك يشكل مفردات المشهد في هذه البلدة التي شهدت آخر فصول الصراع ضمن مخاضات الأزمة السورية الدامية. فبعد فترة زمنية مُنع فيها فريق المراقبين الأممي من دخول البلدة المنكوبة تمكن أفراده أخيراً يوم الجمعة الماضي من دخولها والوقوف على هول المأساة بعدما تجولوا بين البيوت المهجورة التي قُتل أهلها. ويتهم الناشطون القوات التابعة للحكومة باقتراف المجزرة التي سقط فيها العشرات من المدنيين بعد قصف عنيف أعقبه دخول القرية والانخراط في إعدامات عشوائية طالت النساء والأطفال. وفي شريط فيديو لأحد أهالي القبير وزعته الأمم المتحدة يظهر رجل مكلوم وهو يصرخ "الأطفال والرضع والأمهات كلهم تعرضوا للقتل، سأريكم الدماء والمنازل المحروقة". وتبقى المشكلة الأساسية تراجع حظوظ الخطة الأممية التي يشتغل عليها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، بعد أن علق عليها المراقبون بعض الأمل في الخروج من الأزمة ليبقى الوضع السوري هكذا متردياً ولتصل الأمور إلى طريق مسدود. وفي غياب خطوات حقيقية نحو استعادة الاستقرار بدأ الصراع يتطور إلى نزاع طائفي مقيت يهدد باجتياح سوريا والمنطقة برمتها. فمن جانبه يجد الأسد صعوبة في التقيد بمتطلبات خطة الأمين العام السابق لأن سحب القوات من المناطق المأهولة سيسمح للسكان بالخروج في مظاهرات حاشدة وانهيار سيطرته على مناطق واسعة من البلاد، ولكنه مع ذلك قدم بعض التنازلات إلى المجتمع الدولي من خلال قبوله بالخطة وإن لم يتوقف عن استخدام القوة ضد المعارضة في تصعيد لافت للعنف خلال الآونة الأخيرة. وفي المقابل لا تبدي المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة والعديد من الدول العربية أي نية في التحاور مع الأسد، بل إن بعض عناصر المعارضة المسلحة المنقسمة على نفسها أعلن أن خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية المشترك قد ماتت بالفعل وتحول سؤال "أين عنان؟" إلى لازمة تتردد على ألسنة المعارضة في أشرطة الفيديو التي تظهر فيها بعد تنامي الهجمات على القرى والبلدات الواقعة تحت سيطرتها. وفي إطار الدعم الدولي الموزع على طرفي الصراع في سوريا تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها على ضرورة رحيل الأسد عن السلطة، وهو ما أوضحته وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، من ستوكهولم قائلة "إن رحيل الأسد وإن لم يكن شرطاً مسبقاً للمباحثات، إلا أنه يجب أن يكون النتيجة المنطقية التي سيفضي إليها الحوار". ولكن روسيا التي خسرت أحد حلفائها في ليبيا بعد الحملة الغربية ضد نظام القذافي والإطاحة به، ترفض ما تعتبره محاولات غربية لفرض تغيير النظام بالقوة على سوريا، ولاسيما أن هذه الأخيرة حليف قديم لروسيا وأحد شركائها التجاريين. وفيما فشلت حتى الآن مساعي التأثير على الموقف الروسي وتغييره لا تبدي الإدارة الأميركية ولا حلفاؤها أية رغبة في التدخل العسكري بسوريا. وقد اعترف عنان خلال الأسبوع الجاري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بما بات معلوماً لدى الجميع: أن خطته المكونة من ست نقاط لا تسير في الاتجاه الصحيح، وقد صرح متسائلاً: "هل المشكلة في الخطة، أم في التنفيذ؟ إذا كانت في التنفيذ، كيف نغير ذلك؟ وإذا كانت في الخطة، ما هي البدائل المطروحة؟"، والحقيقة أنه حتى الآن لا توجد خطط بديلة للخروج من الأزمة، فالحكومة السورية والمعارضة معاً انتهكتا شروط الخطة، كما أنهما معاً تتبادلان الاتهامات بارتكاب المجازر. ويبدو أن غياب بدائل حقيقية دفع كلاً من الطرفين إلى تصعيد العنف ضد الآخر أملاً في تحسين موقعه الاستراتيجي، فالنظام السوري بدأ يفقد السيطرة بعد أكثر من عام على انطلاق المظاهرات مع استمرار الانشقاقات عن الجيش والقوات الأمنية، كما يجد النظام نفسه معتمداً أكثر فأكثر على القوى التي تدين له بالولاء والمعروفة باسم "الشبيحة" المشتغلة خارج نطاق القانون، ويرجع العديد من الشهود المجازر الأخيرة بما فيها تلك التي وقعت في القبير إلى عناصر "الشبيحة" الذين يجندون من الأقلية العلوية. وهكذا تتهم المعارضة النظام بتحريض الميليشيات العلوية المحيطة ببعض البلدات السنية على ارتكاب المجازر، مشيرة إلى بلدتي الحولة ومزرعة الكبير اللتين يقال إن القتلة جاءوا إليهما من المناطق العلوية القريبة، ولاسيما أن القتلى في كلتا البلدتين كلهم من المسلمين السنة. وفي هذا السياق يقول "جوشوا لانديس"، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما: "نرى سيطرة متزايدة للشبيحة على الجيش، حيث يسعى النظام إلى إدماج عناصر موثوق في ولائها، وهو ما يعني قدوم مقاتلين كُثر من الطائفة العلوية". ومع أن مجندي الجيش السوري البالغ قوامه حوالي 300 ألف رجل ينحدرون في أغلبهم من السنة، إلا أن الخلافات الطائفية المكبوتة لفترة طويلة تحت حكم نظام عائلة الأسد جعلت النظام يلجأ إلى أبناء طائفته لتعزيز سلطته وتنفيذ أوامره، وبعد مجزرة الحولة توالت التنديدات الدولية على النظام في دمشق، وإن كان المراقبون يتخوفون من أن المجزرة ليست سوى مشهد لما ستؤول إليه الأمور في سوريا، وهو ما يشير إليه الباحث "لانديس" قائلاً "الأمر كله سينتهي إلى حرب أهلية". ولا تقتصر التجاوزات على "الشبيحة" الذين يقال إنهم ينتمون إلى الطائفة العلوية، بل تمتد أيضاً إلى الثوار السنة الذين اتهموا بارتكاب تجاوزات ضد العلويين، خاصة في محافظة حمص، ففي إحدى الحالات أُوقفت حافلة يركبها علويون وقيل إنهم أعدموا على قارعة الطريق، وفي ظل غياب البديل لخطة عنان يستمر الدبلوماسيون والحكومة السورية في إعلان تمسكهم بها، حتى لو كان ذلك بالنسبة للنظام مجرد مجاملة يسديها لروسيا التي تؤيد الخطة وتدافع عنها. ولحلحلة المأزق الحالي الذي وصلته الخطة اقترح عنان مؤخراً تشكيل مجموعة اتصال دولية حول سوريا تضم إيران، وهي الفكرة التي دعمتها روسيا ولكن عارضتها الولايات المتحدة المتشككة في النوايا الإيرانية. باتريك ماكدونيل بيروت ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©