الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطين... وجه المأساة

10 يونيو 2012
لست بحاجة لأحد يعلّمني عن النكبة الفلسطينية. إنها اللحظة التي حددت وجودي. أثناء حرب عام 1948، كنت وعائلتي قد هربنا من منزلنا في الطالبية في جنوب شرق القدس واختبأنا في أحد الأديرة. جمعنا بسرعة بعض الممتلكات البسيطة وتسلقنا نزولاً وصعوداً إلى بيت عنيا ومنها إلى أريحا. بعد ذلك استقرينا لاجئين في القدس الشرقية. وحيث أنني كنت أتخرج طبيباً من الجامعة الأميركية في بيروت أثناء حرب عام 1967، أصبحت لاجئاً للمرة الثانية، حيث لم أتمكن من العودة إلى القدس. بعد إنهاء فترة التخصص في الولايات المتحدة، عدت إلى القدس لممارسة الطب، ولكن المسؤولين الإسرائيليين لم يسمحوا لي بالبقاء. هكذا أصبحت جزءاً من الجيل الأول من أسرتي، الذي يبني حياة خارج القدس. أسرتي هي واحدة من ثلاث أسر درسها المؤرخ الإسرائيلي "درور زئيفي" في كتابه عن القدس في القرن السابع عشر. بعد سنوات عديدة عدت كمواطن أميركي لزيارة المدينة التي ولدت فيها. أستذكر ذلك ليس لأندب مصيري أو لأبحث في الماضي، فأربعة أجيال من الفلسطينيين الذين عاشوا وماتوا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هم الوجه الحقيقي للمأساة الفلسطينية. من العدل أن يكرّم المرء الحقائق التاريخية، وكذلك الاستفادة من الدروس التي تعلّمنا. الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء شعبان لهما تاريخ مليء بالصدمة. يجب علينا أن لا ننسى تاريخ كل منهما. ولكن يجب علينا ألا نقع رهائن للتاريخ كذلك. يجب علينا أن نعمل لبناء مستقبل يستطيع فيه كلا الشعبين الاستمتاع بحقوق ومسؤوليات وكرامة المواطنة وحتى تقرير المصير. هناك سبيل واحد فقط لأن نحقق ذلك فعلياً: إنهاء الاحتلال وإيجاد دولة فلسطينية تعيش إلى جانب إسرائيل. يجب أن يكون للفلسطينيين مكان على الأرض، هي المناطق التي جرى احتلالها عام 1967، حيث يستطيعون العيش بحرية كمواطنين من الدرجة الأولى في دولتهم المستقلة. ليس هناك من سبيل آخر لإنهاء دائرة سفك الدماء والألم والحقد التي طالت لمدة طويلة. وحتى يتسنى تحقيق ذلك، ليس نصف الإجراءات والاعتراف الجزئي أمراً مقبولاً. أفهم جيداً الغضب الذي تثيره ذكرى النكبة، خاصة بين الشباب، وأتذكر ما شعرْت به مساء حرب عام 1967. كنا متحمسين لفكرة تحرير فلسطين التي تسمح لهؤلاء منا الذين أصبحوا لاجئين عام 1948 أن يعودوا إلى بيوتهم. ولكن تلك الحرب جعلتني في الواقع لاجئاً للمرة الثانية. أثناء السنوات التي تلت، أصبحْت أدرك أن حربيّ عام 1948 و1967، مثلها مثل مساند لكتب عديدة على رف المكتبة، تشكّل هوامش لحل النزاع. لم يتمكن العرب من منع الشعب اليهودي من إنشاء دولة إسرائيل عام 1948. ولكن إسرائيل لا تستطيع ضم الأراضي الفلسطينية والشعب الذي احتلته عام 1967 دون أن تفقد طابعها اليهودي والديمقراطي. لهذا السبب، لا يمكن إلا لحلّ الدولتين، الذي يعترف بشرعية وحدود كل من المشروعين الوطنيين، أن يقدم حلاً ينهي النزاع. تاريخ وسرد كل منا ثمين ويجب ألا يستخدم كأوراق تفاوضية سياسية، أو موضوع تفاوضات. لن يعتنق الفلسطينيون والإسرائيليون سرد بعضهما بعضاً، ويجب عليهما ألا يستغنيا عن تاريخ كل منهما وسرد كل منهما. وهما لا يحتاجان بعضهما بعضاً للتأكيد على هويتهما. ما هم بحاجة إليه هو ترتيب يعمل بدقة ودون فجوات أو أخطاء يُنهي النزاع ويسمح لهما بالعيش جنباً إلى جنب بسلام. الأسلوب الوحيد لتكريم تاريخنا المأساوي هو إيجاد مستقبل لأطفالنا خالٍ من المآسي التي يصنعها الإنسان. ويعني ذلك صنع السلام بشكل كامل بين إسرائيل ودولة فلسطين. زياد عسلي رئيس ومؤسس فريق العمل من أجل فلسطين ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©