الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرفة النقدية ونفي الذات

الحرفة النقدية ونفي الذات
12 فبراير 2009 02:42
لقد كان موقف النقد الحديث من النقد قبل الإسلام يعتمد في الأساس على مسألة الحرفة النقدية، وهذا يعني أن النقد قبل الإسلام لا يمكن قبوله لأنه لم يصدر عن محترف متخصص في القراءة النقدية، وكل المحاولات النقدية كانت ترد إلى الشعراء، ولذلك فعدم توفر شرط الاحتراف جعلهم يرون كل ما هو جاهلي يتصل بالذاتية· ويمكن أن يكون موقفهم أيضا مستندا على أساس عقائدي ولو بصورة ضمنية، فكيف يمكن الاحتفاء بالذات قبل الإسلام ومتابعتها والإنصات لها، وهي ذات وثنية؛ وإذا كان العربي قبل الإسلام يتلقى النصوص دون أن يفصل ذاته عنه، ألا يقتضي ذلك أن تتسرب العقائد الوثنية في تشكيل بنية العقل العربي بعد الإسلام إذا ما تم الاعتراف بوجود نقد قبل الإسلام! وظلت مثل هذه الاستراتيجية فاعلة وسائدة عند كثير من النقاد العرب المعاصرين، فمازلنا إلى اليوم نستفيد من الآخر غير المسلم، ونبرر ذلك بأن المعرفة إنسانية والحكمة ضالة المسلم، لكننا في الوقت نفسه لا يمكن أن نتقبله ذاتيا، أو أن نعزز من قيمة الذات في استقبال الآخر، وكأن هناك حدود مادية تفصل المعرفي عن الذاتي، ولكن كيف يمكن أن نضيف على الخطاب إذا ما عزلنا ذواتنا عنه؟ وكيف يمكن أن نفهم وجودنا بدون الذات، وكيف يمكن أن نعزز خصوصيتنا إذا ما قمعنا وجودنا الذاتي، وتحولنا إلى عقل صرف في استقبالنا الآخر؟ ويمكن أن يلاحظ القارئ أن الخطاب العربي في العصر الحديث اعتمد في مجمل تحولاته النقدية المهمة على إبعاد الذات في اللحظة التي هو في أشد الحاجة إليها، والغريب أن يشكك العربي بأهمية الذات ووجوده بأكمله مرهون بها، خاصة وأن وجود الآخر الثقافي والاستعماري أصبح أكثر بروزا من أي وقت مضى· ففي حين كانت الذات حاضرة على المستوى الجماهيري لمقاومة القوى الاستعمارية، والكفاح من أجل الاستقلال السياسي وظهور القومية العربية وبزوغ الهويات الوطنية والإقليمية كان النقد في المقابل في الثلاثينيات حتى اللحظة الراهنة يلح على أهمية الموضوعية والعقلانية واستئصال الوجود الشخصي والذاتي· وقد تجلى هذا المنحى في مجمل الأطروحات النقدية الرومانسية والأكاديمية قبل ثورة 1952 ثم بعد الثورة في أطروحات الماركسية والنقد الجديد، ثم في الثمانينيات وظهور النقد البنيوي، ثم في التسعينيات وظهور النقد التفكيكي والنسوي ثم النقد الثقافي، وشكلت هذه الاتجاهات ما أطلق عليه هنا البلاغة الأكاديمية العقلانية والموضوعية· وما يدهشني حقا تلك القدرة الهائلة الموجودة في الخطاب النقدي العربي القادرة على استقبال بعض الاتجاهات النقدية الغربية التي تقوم على الذاتية مثل النقد النسوي والتفكيك والنقد الثقافي، وفهمها فهما عقلانيا وموضوعيا مفرّغا من كل ما هو شخصي وذاتي· ويمكن أن ترد هذه الظاهرة إلى انتشار القمع والدكتاتورية في الوطن العربي، وهذا يؤدي بالنقاد إلى منزلق خطير، ويقود إلى الشعور بالخسّة والوضاعة، وهي مسؤولة عن كراهية الذات، وتشويهها تاريخيا· a.tamim@kalima.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©