الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوديرنو: وداع قلق على مصير بغداد

أوديرنو: وداع قلق على مصير بغداد
5 سبتمبر 2010 22:59
إرنستو لوندونو بغداد عندما عاد الجنرال راي أوديرنو إلى العراق في نهاية عام 2006، لتولي مهام قيادة القوات البرية خلال أصعب مراحل الحرب، كلف فريقه المساعد بإعداد وثيقة عن المشاكل التي يواجهها العراق، أطلق عليها اسم "الرسم البياني للفجوة". وشمل هذا الرسم البياني رصداً تفصيلياً لتطلعات العراقيين واحتياجاتهم، ولعجز الحكومة عن توفير تلك الاحتياجات، إضافة إلى تفصيل نشاط وخطر المليشيات المسلحة التي تسعى لاستغلال الظروف وتوظيفها لصالحها. وفي تلك الأثناء كانت المليشيات تتفوق كثيراً من الناحية الميدانية على قدرات القوات الأمنية العراقية، بينما تشقق المجتمع العراقي إلى ولاءات طائفية متطاحنة فيما بينها. إزاء هذا الاضطراب الأمني والضعف الحكومي الواضح، رأى أوديرنو أن السبيل الوحيد لتفادي هزيمة بلاده في العراق، هو أن يسد الجيش الأميركي الفجوة الأمنية السياسية بأسرع ما يمكن وبما يلزم من حزم. وبعد ما يقارب الأربع سنوات من ذلك التاريخ، أعلن الرئيس أوباما عن نهاية المهام القتالية في العراق، وعن خفض القوات الأميركية المرابطة فيه إلى 50 ألف جندي فحسب بحلول نهاية شهر أغسطس المنصرم. وعليه تخلى الجنرال أوديرنو عن منصبه السابق، كونه قائداً عاماً للقوات الأميركية في العراق يوم الأربعاء الماضي. وبذلك تم الانتقال رسمياً من عملية "حرية العراق" إلى عملية "الفجر الجديد". وفي الخطاب الذي ألقاه بتلك المناسبة، أشاد أوديرنو بالإنجازات الكبيرة التي شهدها وشارك في صنعها، إلى جانب ثنائه على تضحيات وعزم الشعب العراقي الذي وصفه بأنه "وقف في وجه الطغيان والتطرف، وتصدى لتقرير مصيره واختياره للديمقراطية نهجاً لحياته". بيد أن الجنرال ومستشاريه غادروا بغداد الأسبوع الماضي، تاركين وراءهم الكثير من المهام الكبيرة التي لم تنجز بعد. ونرى أن من المناسب طرح تلك المهام في صيغة السؤالين التاليين: هل لا تزال الفجوة الفاصلة بين حاجات المجتمع العراقي وتطلعاته من جهة، وقدرة الحكومة الوطنية على تلبيتها من جهة أخرى، بذات السعة والخطر؟ ومن يسد هذه الفجوة عندما يغادر الجيش الأميركي العراق كلياً في العام المقبل؟ وقبل الإجابة عن هذين السؤالين يجب القول إن أوديرنو غادر العراق تاركاً وراءه حرباً لم يعقد لواشنطن لواء الفوز بها أو خسارتها في الوقت نفسه. وبذلك فهي حرب لم تنته بعد. وقبيل مغادرته بغداد الأسبوع الماضي، قال أوديرنو عبر لقاء صحفي أجري معه: سوف يستغرق الأمر نحو ثلاثة إلى خمسة أعوام قبل أن نتمكن من فهم وتحديد اتجاه سير العراق، وما إذا كنا قد نجحنا فعلياً في دفع مسيرته إلى الأمام. وفي اللقاء نفسه، وجه إليه صحفي سؤالاً: هل يمكن أن يسقط العراق؟ فأجاب عليه أن بلى. ومهما يكن -وهذه إجابة غير مباشرة عن السؤالين أعلاه- فقد تغير الوضع الأمني كثيراً في العراق عما كان عليه في عام 2006 عندما عاد الجنرال أوديرنو لتولي مهمة القيادة العامة للقوات الأميركية في بغداد. ذلك أن القدرات المهنية لقوات الأمن العراقية قد تحسنت كثيراً، بفضل التوسع في تجنيد المزيد من الأفراد، وبفضل حسن التدريب والتزويد بالعتاد اللازم للعمليات الأمنية، والمساعدات الكبيرة التي قدمتها القوات الأميركية لنظيرتها العراقية. بيد أن الطبقة السياسية الحاكمة -وتتألف في معظمها من اللاجئين العراقيين السابقين الذين عادوا بعد الغزو- لا تزال متناحرة ومتصارعة فيما بينها على السلطة، ولا تزال عاجزة عن تشكيل حكومة وحدة وطنية رغم مرور ستة شهور على إجراء الانتخابات التشريعية العامة. وعليه لا تزال الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون -الماء والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم وغيرها- ضعيفة، وقد تدهور بعضها في مناطق عديدة نحو الأسوأ قياساً بما كانت عليه قبل أربع سنوات فحسب. وبينما تواصل الجماعات المتمردة شن هجماتها بمعدل هجوم واحد كل يوم على أقل تقدير، تبدو المصالحة بين الكتل الطائفية والعرقية أقرب إلى السراب حتى الآن. ويذكر أن أوديرنو شارك في الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث كان يتولى قيادة فرقة المشاة الرابعة، التي تم نشرها لاحقاً في ثلاث من أكثر المحافظات العراقية دموية واضطراباً أمنياً. وكان بين القادة العسكريين الأميركيين الواثقين من أن تدريب قوات الأمن الوطني وتقديم المساعدات اللازمة لها سوف يسفران عن بسط الأمن والاستقرار في أنحاء العراق. لكنه اعترف لدى عودته إلى العراق مرة أخرى في عام 2006 بالقول: "لم نكن نتوقع مطلقاً أن الأمور سوف تسوء على هذا النحو". كما اعترف بعدم فهم القادة العسكريين الأميركيين حينها ثقافة العراقيين والانقسامات الطائفية الدينية العرقية بينهم، لذلك فقد كانت أحكامهم خاطئة عن العراقيين، بقدر ما كانت التوقعات وهمية وغير واقعية. لكن لما عمت الفوضى الأمنية وتحول العراق إلى ساحة مفتوحة للمواجهات الدموية، بدأ القادة العسكريون الأميركيون التفكير جدياً في ترك الشأن العراقي لأهله. غير أن الفريق الاستشاري للجنرال أوديرنو طوّر خطة جديدة لمواجهة الفوضى الأمنية، حظيت بدعم مباشر من البيت الأبيض في عهد الرئيس بوش، وتلخصت في نشر 30 ألف جندي إضافي في الخطوط الأمامية للمواجهات الدموية بين الشيعة والسنة، بموازاة التوسط لعقد مصالحات وتسويات سلمية بين الفرقاء المتقاتلين. والمعروف أن هذه الخطة تطورت فيما بعد إلى ما أصبح يعرف باسم استراتيجية زيادة عدد القوات. وفي وقت متأخر من عام 2008 -وبعد أن حققت الاستراتيجية نجاحاً ملحوظاً- اتفق الطرفان الأميركي والعراقي على معاهدة تضمنت بدء انسحاب القوات الأميركية المقاتلة بحلول نهاية أغسطس 2010، ليكتمل الانسحاب العسكري الأميركي في ديسمبر 2011. وفي خطاب مغادرته بغداد، يوم الأربعاء الماضي، وصف الجنرال العراق بأنه ديمقراطية ناشئة، وعملية لم تكتمل بعد، منوهاً إلى أن اكتمالها يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية وفاعلة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©