الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التظاهرات التركية... ومصير الانتفاضة الروسية

التظاهرات التركية... ومصير الانتفاضة الروسية
10 يونيو 2013 22:51
ليونيد بيرشيدسكي محلل سياسي مقيم في موسكو بوسع كل من شاهد كيف خبت «ثورة الثلج» الروسية لعامي 2011 و2012 أن يتنبأ بكل ثقة بفشل احتجاجات ساحة تقسيم في إسطنبول. ففي السنوات الأخيرة، لم تنجح الاحتجاجات التي اندلعت في بعض الدول الاستبدادية إلا في البلدان التي لم يكن فيها لدى المتظاهرين ما يخسرونه، ولذلك فإنهم كانوا مستعدين للقيام بأعمال عنف خطيرة. غير أن ذلك لم يكن هو واقع الحال في موسكو، وليس أيضاً واقع الحال اليوم في إسطنبول، حيث أغلبية المحتجين ينتمون إلى الطبقة الوسطى وينعمون بقدر من الرخاء. وعلى رغم مأساوية حصيلة القتلى في ثورات «الربيع العربي»، إلا أنها تمثل مؤشراً على الغضب الذي يغذيه الفقر وتقويه الأصولية الدينية، وهما عنصران مهمان يميزان هذه الأحداث عن غيرها. ففي ليبيا، مات أكثر من 30 ألف شخص في صراع انتهى في الأخير بتعذيب الديكتاتور معمر القذافي وقتله أمام الملأ. وفي مصر، قضى 846 شخصاً في الاحتجاجات؛ بينما مات في كل من تونس واليمن أكثر من 200 شخص. هذا في حين شهدت سوريا، التي ما زالت النتيجة النهائية فيها غير واضحة، مقتل عشرات الآلاف من الناس. وفي المقابل، فإن الصدام الوحيد الذي شهدته روسيا وقع في السادس من مايو 2012، عشية تنصيب بوتين. فقد شكلت شرطة مكافحة الشغب ممراً ضيقاً للمحتجين الذين حاولوا دخول ساحة تقع في وسط موسكو حيث كان ينظم تجمع معارض لبوتين. ثم تلت ذلك بعض الاشتباكات، التي ألقى خلالها أشد المحتجين تشدداً الحجارة والقنينات على الشرطة أو قاموا بنزع الخوذ عن بعض أفرادها. وهذا الأسبوع، بدأت محاكمة صورية كبيرة 12 محتجاً متهمين بارتكاب أعمال عنف ضد قوات الأمن. غير أن الإصابات التي تعرض لها أفراد الشرطة أولئك كانت طفيفة، كما أنه من غير الواضح ما إن كان أي منهم قد أدخل المستشفى لتلقي العلاج بسببها. وفي المقابل، أصيب بعض المحتجين بكسور في الأطراف وارتجاجات. وبشكل عام، فإن كل المظاهرات الأخرى المعارضة لبوتين في موسكو تقريباً كانت سلمية ولم تسجل فيها أية أعمال عنف. وحتى الآن، تبدو التجربة التركية شبيهة بالتجربة الروسية. صحيح أن بعض المتظاهرين ماتوا للأسف، ولكن الوفيات تبدو عرضية، وليست نتيجة مباشرة للاشتباكات. أما السيارات المقلوبة والنوافذ المحطمة، فلا تعتبر مؤشراً على حرب أهلية. ومثلما وقع في روسيا، فإن المتظاهرين يحتجون على التضييق على الحريات السياسية وانتشار ما يعبرونه ظلامية دينية، وليس على الفقر أو غيره من المشاكل الاقتصادية. كما أن المتعصبين الدينيين يقفون في صف النظام الحاكم. واليساريون و«الكماليون» الأتراك مستاؤون من الاتجاه السياسي الذي يقود إليه رئيس الوزراء أردوغان بلدهم الديمقراطي والعلماني. غير أنهم لا يستطيعون إنكار التقدم الاقتصادي الذي حققته تركيا تحت حكمه، والذي استفاد منه الكثير منهم. فقد باتوا يشعرون بما يكفي من القوة والأهمية للمطالبة بأن تصغي الحكومة إليهم عندما يطلبون منها وقف البناء في حديقة عامة. وفي موسكو، خرجت الطبقة الوسطى المحتجة أيضاً إلى الشوارع للمطالبة بعدم الإقصاء. وقد كانت انتخابات برلمانية مزورة في عام 2011 وشعور عام بتجاهل أصواتهم وراء استيائهم من حكومة مصممة على إعادة القيم الروسية التقليدية، ومن ذلك هيمنة الكنيسة الأرثودكسية، في بلد خطى خطوات كبيرة نحو الغرب في التسعينيات. والواقع أن الأشخاص المتعلمين الذين يقدِّرون الحريات السياسية، والحياد الديني، وشكلاً أكثر استيعاباً من الحكم ليسوا مستعدين للموت من أجل هذه القيم، لأن غيابها ليس مهدِّداً للحياة في الواقع. والأكيد أن هذا أمر سار بالنسبة لأمثال بوتين وأردوغان، لأنهما يستطيعان إخضاع أكثر العناصر تشدداً في الاحتجاجات بالقوة، ليعود بعد ذلك المحتجون المستاؤون إلى وظائفهم ومقاهيهم. وهذا معطى لم يكن متوافراً للقذافي ومبارك. ثم إنه في كل واحد من البلدان العربية التي سقطت فيها أنظمة ديكتاتورية، كان عناصر جماعات الإسلام السياسي منخرطين في الاحتجاجات بشكل قوي. وبعض هذه الجماعات يركز على الأنشطة الخيرية بين الفقراء، الذين كان كثير منهم مستعداً، نتيجة لذلك، للمجازفة بحياته من أجل القضية. وقد انضم إليهم الليبراليون، الذين تمكنوا من الوصول إلى الحكومة في أعقاب الثورات في بعض البلدان، ولاسيما في تونس، ولكن بدون لعب دور مهم. واليوم، يمكن القول إن تحرك الشارع في البلدان التي تعتبر فيها الأنظمة أكثر تشدداً من المحتجين بات محكوماً عليه بالفشل. فقد ولت أيام الانتفاضات السلمية مثل الثورة الوردية السلمية لعام 2003 في جورجيا والثورة البرتقالية لـ2004-2005 في أوكرانيا؛ وتعلم بعض الزعماء المستبدون الدروس. ولذلك، فإنهم يبدون اليوم أقل خوفاً لإظهار حقيقتهم وواثقون من أنهم يستطيعون تقديم المحتجين المطالبين بالديمقراطية باعتبارهم عناصر هامشية، للأغلبية التي جلبتهم إلى السلطة في المقام الأول. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©