الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوعد معزوفة مختلفة على شريط السينما المصرية

الوعد معزوفة مختلفة على شريط السينما المصرية
12 فبراير 2009 02:47
بعيدا عن لغة الخطابة يغزل السيناريست وحيد حامد حكاية مشوقة ومثيرة ومليئة بالتفاصيل الجميلة من خلال عادل الغمري (آسر ياسين) الذي يشعر بالضياع في عالم مليء بالصراعات وتسيطر عليه قوى كبرى تتمثل في رجل الأعمال ''السحراوي'' (غسان مسعود) صاحب الشركة الخاصة التي يعمل بها الشاب موظفا صغيرا وتختاره الشركة ليقدم مكافأة نهاية الخدمة لرئيسه يوسف سالم (الفنان القدير محمود ياسين) الذي سقط مريضا بالسرطان ونقل للعناية المركزة·· صراع لا ينتهي ونتعرف على ''يوسف'' وهو يأسف لحالته بعد حياة حافلة مارس فيها كل أنواع الجرائم ومنها قتل زوجته وعشيقها انتقاما لشرفة وندرك ان عمله بالشركة ما هو إلا واجهة لأعمال إجرامية حيث كان دوره الاساسي ''قموسيونجي'' مهمته تسليم النقود لبعض رجال التنظيم في ثلاث محافظات من صعيد مصر ويتحول هذا الرجل الى انسان مريض ينتظر الموت ويقطع الوقت بالتلصص على بعض الفتيات عبر شرفة منزله مستعينا بالمنظار المكبر، ليتابع بتلذذ لهوهن في حجرة نوم احداهن·· ويفاجأ بعادل الغمري يحمل له مكافأة نهاية الخدمة بمبلغ يفوق توقعاته ويدرك ان ''السحراوي'' أرسل له هذه المكافأة الضخمة لانه قرر التخلص منه·· وتنشأ علاقة بين ''عادل'' و''يوسف'' ويحصل ''يوسف'' على الوعد من ''عادل'' بأن يحقق له آخر أمنياته وهي ان يدفنه في ربوة عالية مطلة على البحر· ويخلص ''عادل'' في البحث عن مكان جهنمي ساحر ليحقق آخر أمنيات الرجل المشرف على الموت والذي تعاطف معه بشكل كبير، حتى انه ادعى لبواب العمارة ان هذا الرجل هو ''عمه''· وفي الوقت نفسه يلتقي ''عادل'' بفتاة تثير إعجابه هي ''فرح'' (روبي) التي تعمل بمحل كوافير وتصحبه الى فيلا نائية تدعي انها تسكنها بعد ان تركها لها أحد زبائنها لتكون مقرا للقاءاتهما الغرامية· وينجذب ''عادل'' الى ''فرح'' ويثق بها حتى انه لم يعد له من يذهب اليه عندما يشعر بالضيق غيرها، ويصارحها بمعاناته وعذابه من ذكرى والدته التي ماتت في مصحة نفسية وكيف ان حياته انهارت بعد وفاتها واضطر للتخلي عن حلمه في ان يصبح مهندسا وترك دراسته الجامعية وهو في السنة الثالثة بسبب ما أصاب والدته من أزمة نفسية·· وفي إطار حرصه على الوفاء ''بالوعد'' الذي قطعه على نفسه لصديقه ''يوسف'' يبدأ الاعداد لمراسم نقل الجثمان ويكتشف فجأة اثناء حواره معه انه ''قبطي''·· واسمه يوسف توفيق سالم غبريال، وكان ''عادل'' يطلب منه الصلاة والتسبيح والدعاء لله، وبجمل حوارية مميزة يرد عليه بأنه يشعر بالخجل من الله وكان يأمل التوبة قبل ان يصبح في تلك الحالة، ويأمل في رحمة الله، ثم يؤكد له أنه لا داعي لأن يسخر من نفسه لان القبطي يصلي ويسبح ويدعو الله مثل المسلم· وعندها يدرك ''عادل الغمري'' ان ترتيباته لدفن ''يوسف'' ستختلف حيث يجب ان يدفن بالصندوق لانه قبطي· ويشرع في البحث عن حانوتي مسيحي ويجد ضالته في ''جرجس'' (الفنان احمد عزمي) الذي يفاجأ بأن ''عادل'' شاب مسلم جاء ليعد مراسم دفن ''قبطي''· وبعد تنافر تلقائي يتقارب الشابان المسلم والمسيحي بشكل عفوي ويقرران تنفيذ ''الوعد'' بعد ان أسرع ''السحراوي'' بتنفيذ حكم الإعدام عن طريق ''عرنوس'' (باسم سمرة) في رجله المريض ''يوسف''· ويخوض ''جرجس'' و''عادل'' مغامرة لا تخلو من إشارات ذكية عن توجسات الاقباط غير الصحيحة وعدم ثقتهم باحترام رجال الأمن لموتاهم، حيث يعترض سيارة نقل الموتى ضابط شرطة ويصر على فتح الصندوق الخشبي للتأكد من وجود الجثمان وانه ليس وسيلة لتهريب مخدرات أو متفجرات· ويستنكر ''جرجس'' إصرار الضابط ويسأله هل لو كان الميت مسلما كنت تصر على ذلك؟ ويرد الضابط بأنه مسيحي الديانة· ويخبو الوهج الذي كان يضفي سحرا خاصا على الشريط السينمائي بغياب ''يوسف''·· وتتابع الاحداث في إطار من الاكشن والمطاردات عندما يطلب ''السحراوي'' غسان مسعود من ''عادل'' ان يبدأ القيام بمهام تشبه دور ''يوسف'' فقد استحق ثقته لأنه لم يطمع بالاستيلاء على الثروة الضخمة التي قدمها ليوسف قبل موته، ولكن ''عادل'' قرر الانتقام ليوسف ولكل المستضعفين· وعندما يتسلم مبلغ ثلاثة ملايين جنيه يقرر الهرب بها ويصارح صديقته ''فرح'' بذلك لكنها تفاجئه باستحالة الهرب وان ''السحراوي'' ورجاله لهم أياد عبر الحدود فقد كانت أحدى أدواتهم ليبقى ''عادل'' تحت أعينهم·· ويصر ''عادل'' على مغامرته وينجح في الهرب لفترة بعد أن أودع الملايين في احدى الشركات لتضارب له بها في البورصة ثم تبدأ المطاردات التي نفذها المخرج محمد ياسين بعبقرية واستغل فيها طبيعة مدينة ''طنجة'' المغربية الخلابة· ويعود ''عادل'' الى القاهرة بعد ان شعر بأنه مطارد ولم يعد امامه الا مواجهة عدوه والتخلص منه، ويخطط لذلك مع صديقه ''جرجس'' الشخص الوحيد الذي يثق به· ورغم القبض على ''السحراوي'' فإن وحيد حامد يؤكد في النهاية ان الصراع مازال مستمرا بين رموز الفساد وأصحاب النفوذ والشباب الطامح الى حياة هانئة حيث يفاجأ ''عادل'' و''جرجس'' و''فرح'' وهم يحتفلون بالنجاح في احد الكافيهات بدخول احد رجال ''السحراوي'' وكالعادة يحمل في يد زهورا وفى الأخرى علبة مغلقة على مسدس ليؤكد ان هذه الفئة لا تقبل الهزيمة فإما ان تكون معهم أو لا يكون لك وجود· قوة الأداء برع المخرج محمد ياسين في ترجمة السيناريو الى صور سينمائية تنطق بكل المشاعر وبأقل الكلمات ونجح في اختيار ممثليه بعيدا عن الاسماء المتداولة، وعبر شاعر الكاميرا محسن أحمد مدير التصوير بالظل والضوء عن تناقضات البشر وكشف الكثير من التفاصيل، في كل كادر وبلغة لا تفتقد السحر والغموض وتتكامل المعزوفة السينمائية بتأثيرات المونتير معتز الكاتب ليصبح المونتاج لاعبا اساسيا من خلال تتابع المشاهد واللقطات والقطع الذي لا يفقد الشريط أي حركة ذات مغزى ودلالة وجاءت التنويعات الموسيقية لتامر كروان مواكبة للحالة السينمائية· اداء آسر ياسين يكشف عن ممثل يحترم موهبته ويجتهد في تطويرها وقدم شخصية ''عادل الغمري'' بلياقة فنية وبدنية تجعله يستحق البطولة السينمائية· واستطاعت روبي ان تكون مفاجأة الفيلم كما اشار تيتر المقدمة وجاء أداؤها السلس ليؤكد وصولها الى مرحلة النضج في ثالث أفلامها بعد ''سكوت هنصور'' مع يوسف شاهين و''7 ورقات كوتشينة'' مع شريف صبري· وكانت طلة محمود ياسين احد اسباب تميز الفيلم وعندما غاب عن الاحداث فقد الشريط السينمائي جزءا كبيرا من الوهج فقد أضاف بأدائه العبقري الى رصيده الفني رغم مساحة دوره الصغيرة نسبيا· ونجح أحمد عزمي من خلال دور ''جرجس'' حانوتي الاقباط في ان يؤكد قدراته كممثل يجيد الذوبان في الشخصية التي يجسدها· ويذكرنا أداء النجم السوري غسان مسعود بالراحل مارلون براندو في ''الاب الروحي'' حيث قدم الشر بأسلوبه الخاص كإنسان له لحظات ضعفه وقوته دون الاعتماد على الشكل التقليدي والنمطي لأداء تلك الشخصيات· ويبقى الفنان باسم سمرة هو ضيف الشرف الحقيقي في الفيلم الذي لم يسحب منه أو يضيف له ويبدو أنه اراد التواجد مع هذه الفريق الفني ومن خلال فيلم يحمل الكثير من الومضات الابداعية ويخرج عن الموجات السائدة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©