الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

انتصار برودي هل هو بداية عصر جديد بإيطاليا؟

24 ابريل 2006
روما - منار محمد:
بعد معركة حامية وغير مسبوقة لاختيار رئيس وزراء المرحلة المقبلة بين تحالف يمين الوسط الإيطالي بزعامة سيلفيو بيرلوسكوني، وتحالف يسار الوسط بزعامة رومانو برودي، استخدم الطرفان فيها جميع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، فاز برودي بفارق بسيط للغاية، فيما وصفه المراقبون بانقسام إيطاليا، وهو ما جعل بيرلوسكوني يشكك في عملية إحصاء البطاقات الانتخابية أملاً في أن تسفر إعادة الفحص عن مفاجأة تبقيه في الحكم أو على الأقل تجبر برودي على القبول باقتسام السلطة معه، وعلى الرغم من أن بيزانو وزير داخلية بيرلوسكوني نفسه قد أعلن أن عملية إعادة الفحص لن تغير شيئاً، وأن المحكمة العليا قد أعلنت فوز برودي نهائياً إلا أن بيرلوسكوني ما زال يرفض الاعتراف بالهزيمة، فعمن يعول السيد بيرلوسكوني في موقفه هذا؟ وهل ما تزال أمامه فرص حقيقية للبقاء في السلطة أو المشاركة فيها؟ ولماذا خرجت غالبية وسائل الإعلام الإيطالية تتحدث عن انقسام إيطاليا صبيحة إعلان النتائج الأولية؟ وهل هناك انقسام فعلي في الشارع الإيطالي أم أنه مجرد سباق بين شخصين متقاربين من حيث القوة والنفوذ؟ وكيف ستكون صورة إيطاليا في المرحلة المقبلة؟ ··نتابع الإيجابات في التحقيق التالي :
تقول باولا جالليني وهي من أنصار الحزب الشيوعي الإيطالي: بدأ مسلسل التغيير السياسي في إيطاليا منذ سقوط رموز تاريخية وأسماء كبيرة من الوسط واليسار بعد اكتشاف تورطهم في علاقات فساد مع عصابات المافيا، وقد تزامن ذلك مع سقوط الاتحاد السوفييتي، وهزيمة المعسكر الاشتراكي أمام الفكر الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة، هذا الوضع أصاب الإيطاليين بنوع من الصدمة، وخلق حالة من الفراغ السياسي، وهو الوضع الذي أتاح لبيرلوسكوني وأصدقائه فرصة الهجوم على السلطة واقتناصها، فإيطاليا بلد عريق، وبه ديمقراطية قديمة، ولا يمكن أن يسمح في الظروف الطبيعية بأن يقوم رجل أعمال مهما كان ذكياً أو غنياً بتكوين حزب والوصول إلى السلطة خلال أشهر متجاوزاً كل الأحزاب ذات التاريخ الطويل من العمل السياسي، إن ما حدث آنذاك كان نوعاً من الانتهازية في ظل أوضاع خاصة، وبيرلوسكوني ورفاقه تعاملوا مع البلد وكأنها شركة تمر بأزمة مما يعطي الفرصة للآخرين بالهجوم عليها واستغلالها، بل وشراؤها إن أمكن بأرخص الأسعار·
ويقول 'أومبرتو جاننيني' من اتحاد الخضر: استغل بيرلوسكوني هذه الفترة الطويلة نسبياً باستصدار قوانين تكرس سيطرة اليمين، وتضعف من فرص اليسار في المنافسة، لكن هذا التركيز على الدفاع عن البقاء كان على حساب إنقاذ الوضع الاقتصادي الذي يفترض أنه الأكثر إلحاحاً بالنسبة للمواطنين، مما ساهم في خسارة بيرلوسكوني للثقة والتأييد الشعبي الذي كان يحظى به غداة وصوله إلى الحكم، واستمرار رفضه الاعتراف بالهزيمة ليس أكثر من محاولة لكسب الوقت أملاً في حدوث مفاجأة ما، وهو في رأيي أمر مستبعد، وبمجرد انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال الشهر القادم سيصبح خروج بيرلوسكوني من السلطة وتسلم برودي أمراً حتمياً·
تاريخياً لا يوجد في إيطاليا حزب أغلبية، وربما يعود السبب في ذلك إلى كون البلاد بالأساس مجموعة من الإمارات والممالك لذا فهي أبعد ما تكون عن المركزية وأقرب للتعددية على مستوى المراكز الحضرية والتنوع الحزبي والسياسي، فخريطتها السياسية تحتوي على أكثر من إثني عشر حزباً قوياً عوضاً عن الأحزاب الأخرى الصغيرة، وانتظام هذه الأحزاب في تحالفين لم يحدث إلا بعد ظهور بيرلوسكوني على الساحة، وهو ما بدأ يلقي بظلاله على المشهد السياسي الإيطالي، فيقول رانييري دي ماريا الأستاذ بجامعة روما: إن انتظام تحالف بيرلوسكوني خمس سنوات متتالية قد قسم الأحزاب إلى ما يشبه الحزبين، فتحالف بيرلوسكوني قد تعلم الاتفاق، وتحاشي تصعيد الاختلافات إلى حد الخلاف حفاظاً على السلطة، وفي المقابل علم تحالف برودي نفسه التفاهم حول النقاط محل الخلاف كي يستطيع إسقاط بيرلوسكوني، وإذا حكم برودي وبقي في السلطة فترة طويلة كما وعد رفاقه، فإن التحالفين سيتحولان إلى ما يشبه الحزبين، مما يعني تغير التعددية الإيطالية إلى ما يشبه النموذج الألماني، أو حتى الأمريكي·
ويقول الكاتب أليساندرو أليساندريللي: في الواقع لم يكن بوسع برودي القبول، فالأطراف المتحالفة قد وقعت على ميثاق الاتحاد، وهو ما يجعل حرية الحركة محدودة أمام برودي في حال تسلمه السلطة، فمثلاً لا يستطيع التراجع عن تعهده بالانسحاب من العراق، لأن ذلك سيعد خروجاً على وثيقة التحالف أو الاتحاد مما يهدد بقاءه، وأي محاولة للحوار بين اليمين واليسار ستكون لصالح اليمين، لأنها ستهدد وحدة تحالف برودي، وذلك لأن معسكر اليسار قائم على الأفكار والمبادىء، لذا فهو لا يستطيع التنازل عن توجهاته المبدئية، أما اليمين فهو قائم على رجال أعمال ورجال مال ومحافظين تقليديين، وهؤلاء أقدر على المناورة وتغيير مواقفهم مرحلياً حسب ظروف السوق، وآليات العرض والطلب، وهو الأمر الذي يدركه كل من بيرلوسكوني وبرودي، لذا جاء الاقتراح من جانب بيرلوسكوني، وجاء الرفض الفوري من جانب برودي·
من ناحية أخرى ما زالت عصابات المافيا تسيطر على ما يعادل خمسة عشر بالمئة من الناتج القومي الإجمالي، والهجرة غير الشرعية ما تزال قوية في ظل نمو ظاهرة الإرهاب الدولي، وما يزال التزوير الجريمة الأكثر انتشاراً في إيطاليا خاصة فيما يتعلق بالعلامات التجارية، حيث تحتل إيطاليا المرتبة الخامسة بين أكثر دول العالم إنتاجاً للسلع ذات العلامات التجارية المزورة، ومع الارتفاع المضطرد لأسعار النفط، تفاقم الإحساس بالضائقة الاقتصادية، وتراجعت الصادرات إلى أقل مستوى منذ خمسين عاماً في ظل نمو الصادرات الصينية والآسيوية التي أصبحت تنافس المنتج الإيطالي في عقر داره، مما ساهم في تزايد حدة الكساد والبطالة والركود، وأصبح الحل الاقتصادي عسيراً إلى حد تعبير الباحث ماركو جوزيببي بأنه متأزم ولا يمكن إنقاذه بغير معجزة علمية أو طفرة تكنولوجية تعوض فارق الأجور وأسعار مدخلات الصناعة بين النمور الآسيوية وأوروبا·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©