الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الدخول في اللعبة» يستعرض دور النساء الغربيات في الجزيرة العربية

«الدخول في اللعبة» يستعرض دور النساء الغربيات في الجزيرة العربية
6 سبتمبر 2010 23:03
يتناول كتاب “الدخول في اللعبة: قصة النساء الغربيات في الجزيرة العربية” للمؤرخة بينيلوب توسن بالبحث حياة بعض النسوة اللواتي عاصرن منطقة الخليج العربي، وما مرت به من تطورات وتغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية من وجهات نظر متباينة، فبعضهن كن زوجات موظفين بريطانيين تم تعيينهم في هذه المنطقة. كانت النساء الغربيات منسجمات مع المشروع الإمبريالي، وبعضهن اتخذ من انقيادهن للمشروع الإمبريالي وسيلة لتحقيق مآربهن بالسفر والترحال وولوج مناطق عدت قصية بل ومحرمة أمام الأجانب، وبعضهن كن جامحات، فلم يكن يلبي رغباتهن بالسفر والترحال سوى خرق التعليمات والأنظمة والكتاب بصفة عامة يتحدث عن نساء غربيات عِشن، وعملن، وسافرن في شبه الجزيرة العربية، ومنطقة الخليج العربي في الفترة الواقعة بين تسعينيات القرن التاسع عشر، وثلاثينيات القرن العشرين، ويستعرض بشكل خاص دور هؤلاء النسوة المتغير والمعقد في شؤون الإمبراطورية البريطانية في فترة أوجها نهاية القرن التاسع عشر، وحتى زوالها قبيل بدايات الحرب العالمية الثانية. تراتبية الثقافة والسلطة سواء بدت هؤلاء النسوة استثنائيات وغير تقليديات، أو محافظات مسايرات، فإنهن على غرار حكاياتهن ما كن مجهولات تماماً باستثناء جهود مجموعة من الرجال المشهورات مثل جيرترود بيل وفرياستارك، ولعل ما يجمع بين هؤلاء النسوة رغبتهن في أن يصبحن بطريقة أو بأخرى جزءاً لا يتجزأ من الحياة الإمبريالية البريطانية في حين أن بعضهن كان على أتم استعداد للتوافق مع الآخر ولعب الدور، في حين رفض بعضهن الآخر ذلك بشكل قاطع. وما يقوم به الكتاب بالإضافة إلى تتبع سير حياة هؤلاء النسوة، هو استعراض السبل التي سعين من خلالها إلى تداول السلطة والمكانة أو الاقتراب منها داخل إطار المشروع الإمبريالي، وكيف أن هذه السلطة وذاك التدخل قد تغير وجهاهما مع مرور الوقت؟ كما يدرس الكتاب الطرق التي تغيرت من خلالها أدوار المرأة العربية التقليدية وفقاً لآراء الرجل، ووفقاً لتراتبية الثقافة والسلطة الإمبرياليتين، ويناقش مدى اشتراك النساء الفاعل في صياغة هذه الأدوار، والتواطؤ السلبي معها في بعض الأحيان، أو جعلها أدواراً قائمة على بث الفتنة في أحيان أخرى. منطقة منفتحة تقول المؤلفة بينليوب توسون إنه في تلك الحقبة وحتى السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، كان عدد النساء الغربيات في المنطقة قليلاً جداً، فقد وصلت أول مبشرة أميركية تدعى آمن ويكليز زويمر، إلى المنطقة وتحديداً إلى البصرة في عام 1896. ولم تكن زوجات الوكلاء السياسيين البريطانيين المتمركزين في بوشهر، والبحرين، والكويت ومسقط ينصحن بالمكوث الدائم مع أزواجهن، وكن يفضلن الرجوع إلى الهند خلال صيف الخليج الحار الخانق، لكن مع ازدياد المصالح الاستراتيجية والاقتصادية البريطانية في المنطقة تدريجياً، أخذ المزيد من الموظفين العسكريين والسياسيين والإداريين، ورجال الأعمال وأصحاب المهن والنساء بالتوافد إلى المنطقة بهدف إنشاء مجتمعات غربية صغيرة في إمارات الخليج الساحلية، كما أخذت المنطقة، مع تطور صناعة النفط، والطرق الجوية الخليجية العربية في ثلاثينيات القرن الماضي، تشد أنظار الغربيين، وبدأوا ينظرون إليها على أنها منطقة منفتحة على الرغم من حقيقة قلة المجتمعات الغربية فيها حتى عام 1939، مقارنة مع تلك المجتمعات في الهند المجاورة. رسائل إيميلي بداية، تتحدث توسون عن إيميلي أوفرند لوريمير زوجة الوكيل السياسي في البحرين 1911 - 1912، مستعينة بالرسائل التي كانت تتبادلها إيميلي مع أسرتها في ذلك الوقت. وتشير توسون إلى أن إيميلي استهلت وزوجها عملهما في البحرين في مارس عام 1911، ومكثا هناك ما يقارب السنتين، حتى شهر أكتوبر من عام 1912، ومنذ وصولها البحرين راسلت والدتها وعائلتها بانتظام وبغزارة، وتضمنت مراسلاتها المطولة والغزيرة، والمحفوظة في المكتبة البريطانية، وجهة نظر نسائية منفصلة وفريدة حول الحياة في إمارات الخليج في بدايات القرن العشرين، غير أن المجموعة بأكملها إلى جانب الأوراق الأدبية، تؤرخ لفترة زمنية أطول تمتد من عام 1908 وحتى عام 1949، وتصف قصة مطولة لمشاركة المرأة في الامبراطورية، وتتضمن أيضاً وصفها الشخصي لنمو مهاراتها وشخصيتها الاجتماعية والثقافية والسياسية منذ العهد الإدواردي، الذي امتاز بالثقة الإمبريالية. وكانت إيميلي في الأصل امرأة مثقفة تحب مخالطة رجال السياسة، وهو ما لم يكن مألوفاً، لدى نساء تلك الفترة، وقادها حبها للسياسة والثقافة إلى تعلم بعض اللغات ومنها السنسكريتية، وكان ذلك خلال فترة تعليمها في أكسفورد قبل زواجها الذي لم تتوان عن دعمه ودعم بلدها، وكذلك إعداد نفسها للمهام المستقبلية التي كانت ستؤديها برفقته حال قيامه بخدمة الامبراطورية البريطانية في مستعمراتها الخارجية ونجحت إيميلي في التحول بسرعة وفاعلية من أنموذج لنساء أكسفورد اللواتي كن يجلسن في مجالس الفكر ويبدين اهتماماً بالأدب إلى زوجة موظف بريطاني نشطة. حالات نادرة في أول إشارة لنظرة العرب للنساء التي اكتشفتها إيميلي وزوجها عقب استقرارهما في المنزل المخصص للوكيل البريطاني في البحرين، قالت في الرسالة التي أرسلتها لأختها بعد وصولها البحرين بأسبوعين "كان العرب ينظرون إلى النساء" أنه من "الأوقر للنساء ألا يكن موجودات في الغرفة نفسها التي يتم استقبال المحليين فيها، إلا في حالات نادرة يتم فيها التعامل معهن بأعلى درجات الرسمية". ولذا أرسل زوجها "لوك" إلى رؤسائه بضرورة إضافة غرفة أخرى إلى منزل الوكالة ذي غرفة المعيشة الواحدة والتي كان يتم استقبال المحليين فيها في الوقت ذاته، وهذا الوضع لم يكن مريحاً ولا مرغوباً من وجهة نظر المحليين والأوروبيين على حد سواء، وظن لوك أن حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة يفضل عدم وجود نساء في الغرفة ذاتها التي نزل فيها، عندما قام بزيارة الوكيل البريطاني، ولهذا فإن غرفة إضافية "لا يشعر فيها الأوروبيون أو المحليون بالإهانة بسبب وجود آخرين غير مرغوب فيهم، قد تكون ذات فائدة عظيمة". بروتوكول الامبراطورية يلفت الكتاب إلى أن شعور إيميلي ببروتوكول الإمبراطورية بدأ يتعزز شيئاً فشيئاً مع بدأ زوجها عمله في البحرين وأخذت تدرك المكانة الرفيعة للوكيل السياسي البريطاني وزوجته، وكانت إيميلي ممثلة رائعة على مسرح الإمبراطورية، وبدأ ولعها بالملابس والتزين لإظهار فخامة الإمبراطورية، وتقمص دور زوجة الوكيل السياسي البريطاني موافقاً إلى حد كبير لطبعها. وأظهرت إيميلي أيضاً إعجاباً بالحياة الاجتماعية في مجتمع البحرين التي منحتها الفرصة للقيام بدور أبرز اجتماعياً وسياسياً، فضلاً عن كونه نتيجة طبيعية، ذلك أن مجتمع البحرين كان أكثر تعلماً وجاذبية، وتقول عنه في إحدى رسائلها "هذا المجتمع يتحلى بكل ما تحمله كلمة مجتمع من معنى، فهو مجتمع ممتع بما فيه من أناس مثقفين ومتأدبين حولنا، فضلاً عن ذلك استطيع الاطلاع هنا على أعمال لوك، بيد أن جزءاً كبيراً من العمل سيبقى سرياً ولن أكتب حوله في رسائل للوطن - ولقد تلقيت تدريباً كافياً لتحقيق ذلك - فلن يكون هناك كثير من المعلومات لا أعرفها. وربما مع مرور الزمن قد أتمكن من المساعدة في طباعة ملفات أو رسائل مستعجلة سرية، لا يمكن إيكالها إلى موظفين، وعادة ما يقوم بها لوك نفسه". دور إداري تذكر المؤرخة أنه بحلول مايو من عام 1911 حددت إيميلي لنفسها دوراً إدارياً صغيراً، وكتبت إلى والديها لتخبرهما أن تجربتها في كتابة رسائل لوك السرية المتعلقة بالعمل وحفظ الملفات قد سارت وفق توقعاتها، ثم تبين المؤرخة أن إيميلي ذكرت في إحدى رسائلها أن المجتمع الغربي الصغير في البحرين عام 1911، كان يتألف من أربعة عشر أوروبياً معظمهم من التجار، بالإضافة إلى المستعمرة التبشيرية الأميركية التي قابلت عائلة لورمير أفرادها في أول يوم أحد ذهبوا فيه إلى الكنيسة، حيث بدا رئيس الإرسالية التبشيرية صموئيل زويمر، رجلا مكفرا زاهدا من الدرجة الأولى، وتواردت الأخبار عن كونه عالماً باللغة العربية من الدرجة الأولى، وعن امتلاكه واحدة من أفضل المكتبات في هذا الجزء من العالم". أما السيدة زويمر وينظر إليها "خلاصة التجانس الأميركي الهولندي"، فقد كانت على النقيض من زوجها، طيبة القلب حنونة، موفورة الصحة"، وإلى جانب هؤلاء كانت الإرسالية التبشيرية تضم طبيبة هولندية (الآنسة ايفرسون)، وسيدة سويسرية تتكلم الألمانية (الآنسة سبات)، وطالبة جامعية أميركية، أما طبيب المستشفى التبشيرية فهو إنجليزي، ولكن برفقة زوجته الأميركية (الدكتور والسيدة ميلري)، وكان هناك طبيب هولندي وزوجته، وفضلاً عن هؤلاء، كان هناك بعض التجار الإنجليز والألمان الذين ستتم مقابلتهم لاحقاً. المجتمع التبشيري شكل المجتمع التبشيري الأميركي في البحرين نقيضاً فكرياً مثالياً، ليقينيات إيميلي الحضارية والضيقة، ولقد أظهرت عائلة لوريمير على الرغم من رحابة صدرها التي جعلتها متيقنة، أن التبشيريين، رجالاً ونساء سيشكلون رفقة ممتعة، فإنها أظهرت مزيجاً من الحقد والاحترام والشك والفوقية وحتى الاستهجان، الذي كان الضباط البريطانيون يتبنونه تجاه الأميركيين حتى بداية الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فقد أمدت المبشرات إيميلي ببعض الرفقة الفكرية، ومن ذلك أنها قرأت القرآن مع إحداهن وتدعى السيدة ميلري. وتكشف المؤرخة أن الأميركيين مثلوا الهم الوحيد للبريطانيين خوفاً من تجاوز سلطاتهم، ومحاولتهم إقامة علاقات مباشرة مع الحكام المحليين، غير أن هذا التخوف كان موجوداً دائماً، ولم يكن تحذيراً عابراً فالقادمون الجدد الذين قد يفتقدون الخبرة، قد يتمكنون من إحداث تغييرات دبلوماسية غير وعي منهم، ولا إدراك لما يفعلونه. كان الاعتقاد السائد بين البريطانيين، أنهم أفضل من يستطيع مع العرب كما أوضحت إيميلي نفسها عبر أكثر من رسالة لها. وفضلاً عن ذلك، كان لدى البريطانيين شكوى حيال جدوى محاولة تنصير المسلمين في الخليج. وفي يوليو من عام 1912، تنامى إلى مسامع إيميلي أن إحدىَ صديقاتها السابقات، قد قررت الالتحاق بالعمل التبشيري في أفريقيا، فأخبرت إيميلي أمها بأسباب معارضتها القوية للعمل التبشيري ومن أهمها أن جذور الإسلام صلبة في الخليج ومن الأولى توجيه هذه الجهود إلى الدول الأفريقية، حيث يمكن أن تؤتي الجهود التبشيرية ثمارها، كما أن إيميلي أيضاً امتلكت بعض التعاطف الشحيح مع الإسلام ورأت أنه من الواجب احترام وجهات نظر المسلمين حيال ديانتهم. علاقة خاصة قرارات إيميلي العديدة عن المنطقة العربية والإسلام خلقت علاقة فكرية خاصة مع المنطقة، غير أن ذلك لم يتعارض مع معتقداتها الشخصية بضرورة تطبيق قواعد الحكم الإمبريالي على المنطقة، بحيث كان هناك تناقض بين عزم إيميلي لوريمير على الانخراط في المظاهر الثقافية للحياة العربية عبر دراسة اللغة والآداب والسياسة (حيث بدأت في محاولات لتعلم اللغة العربية)، وبين إخفاقها الذريع في الانغماس في المظهر الثقافية للحياة العربية على أي مستوى، حتى أن وصفها لاحتفالات عيد الأضحى الذي خطته إلى والديها في نهاية فترة إقامتها في البحرين، لا يحمل أي مدلول على فهمها الحقيقي للإسلام أو على أوجه تخص حياة المسلمين وممارساتهم الدينية. وتوضح المؤرخة أيضاً أن رسائل إيميلي أظهرت التصوير السلبي لحكام العرب، ووجهائهم ومجتمعاتهم المكونة من تجار هنود، وخدم مدنيين، التي أعطت البريطانيين مبرراً كافياً بل ومقنعاً للاعتقاد البريطاني بأن الإمارات المحلية بحاجة إلى الحماية والتعليم الإمبرياليين. زيارة قطر في سبتمبر من عام 1911، كتبت إيميلي إلى والدها تخبره أن لوك قد قام بزيارة إلى دولة قطر المجاورة، وزار حاكمها الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني، ونظراً لاستثنائها من النفوذ البريطاني على الأقل حتى عام 1916، عندما تم توقيع أول معاهدة قطرية إنجليزية كان الوكلاء البريطانيون في البحرين يعدون القيمين عليها أقل مسؤولية، وفي سياق سردها لرحلة لوك، وصفت إيميلي عائلة آل ثاني بالأذكياء المثيرين للاهتمام غير أنهم في الوقت نفسه يتعاملون بفطرتهم أما عن رؤية إيميلي لنساء الجزيرة العربية آنذاك، برغم أن النساء المحليات وطبيعة حياتهن اليومية، خارج نطاق تجربتها، لهذا لم يثرن أي اهتمام لديها. وبعيداً عن “اختراقها الحريم”، كانت إيميلي لوريمير راضية لانطباعاتها السطحية التي تعدّ معرفة خاصة في واحدة من إشاراتها الشحيحة إلى النساء، ووصفاً نمطياً غريباً لثنائية الجميل والقبيح من وجهة نظر استشراقية. كانت النساء يرتدين أحجاماً، وأشكالاً مختلفة من الحجاب، فبعضهن وضع الأغطية الموصلية السوداء السميكة. وبعضهن ارتدى أقنعة قاسية تشبه ما نلبسه عادة في حفلة تنكرية. وجميعهن وضعن عباءات عندما رأين موكبنا، بعضهن كُنَّ هرمات فقدن كل مظاهر الحياة حتى إن واحدة منهن رأت أنه لم يكن هناك من داعٍ لإجراءات الحيطة برفع العباءة. غير أن بعضهن الآخر كُنَّ جميلات جداً، ورغبن في أن يدعننا، نلقي نظرة خاطفة عليهن قبل أن يغطين أنفسهن بحركة سريعة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©