الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس... الفساد ما زال تحدياً كبيراً

11 يونيو 2012
خلال العـام الذي تلا الثـورات العربيـة، انصب الاهتمام على موضوع واحد دون غيره: مكانة الممارسة الدينية في الحياة العامة. ففي تونس التي بدأت فيها هذه الثورات، بات النقاب، الذي يغطي الوجه كاملاً مع القفازات، منتشراً في الشوارع على نحو متزايد -وهو مشهد غريب بالنسبة للسكان المحليين والسياح على حد سواء. وفي هذه الأثناء باتت المعارضة العلمانية تجهر على نحو متزايد برأيها الذي يرى أن الحكومة الإسلامية تقود البلاد على الطريقة الإيرانية. غير أن الدين ليس هو العامل الذي فجر ثورة الياسمين، بل كان السبب هو الشعور القوي بانعدام العدالة الاجتماعية الاقتصادية، وتفشي الفساد الذي ساعد على إنتاجها. ولذلك، يمكن القول إن مصير تونس، وجيرانها، ربما يعتمد على ما إن كانت هذه المشكلة ستعالج من الأساس. ويستطيع المرء عادة أن يعرف البنايات التي كان أقارب الديكتاتور السابق بن علي يمتلكون نصيباً فيها في هذا البلد الجميل، من شكلها الحالي: فقد باتت قبيحة المظهر. وخلال الشهر الماضي، تجمعت مجموعة صغيرة من المحتجين أمام واحدة من هذه البنايات، وهي عبارة عن مجمع فندقي كبير أصفر اللون يقع على الشاطئ في مدينة قليبية. وقليبية، التي تحتضن مواقع أثرية رومانية وقرطاجنية كثيرة، تفخر أيضاً بشواطئ ذات رمال ناعمة يتراوح لونها بين الرمادي والأبيض. وواجهتها البحرية هي بالضبط من نوع الموارد التي كانت عائلة بن علي تحب مصادرتها والسيطرة عليها لتحقيق مكاسب شخصية. فقد كانت تمتلك أسهماً في عدد من الفنادق الكبيرة هنا، مثل الفندق الأصفر الذي أنشئ بشراكة مع مستثمر إيطالي. وفي مثال يعكس حال قطاع السياحة التونسي، كان الفندق يشتغل وما زال كنظام مغلق: حيث لا يُسمح للتونسيين بدخول الشاطئ، كما أن الفندق لا يوظف أي تونسيين باستثناء بعض الحراس، ولا يشتري أي إمدادات أو مواد غذائية تونسية -ولا حتى زيت الزيتون المحلي ذي الجودة العالية- فكل شيء يتم جلبه من إيطاليا. واليوم، يقوم الفندق بإلقاء رمال صفراء خشنة في النصف الأعلى من الشاطئ لحماية أرجل السياح من التشكلات الصخرية القاسية. وقد يبدو ذلك مخالفة تافهة، ولكنه يمثل نموذجاً لمصادرة الموارد العامة والفرص المالية من أجل الاغتناء الشخصي لأفراد النظام، وهي الأسباب نفسها التي كانت وراء تفجر انتفاضة العام الماضي. وتحت حكم بن علي الديكتاتوري، كان النظام يرتكب قمعه بواسطة منظومة تقوم على فساد الدولة. وقد دفعت هذه الخاصية النشطاء التونسيين إلى رسم طرق جديدة في عقيدة حقوق الإنسان، حيث يسعون إلى توسيع تعريف "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" حتى يشمل الجرائم الاقتصادية للنظام، ويريدون إخضاع مرتكبي هذه الجرائم للمحاسبة في إطار عملية عدالة انتقالية، على غرار تلك التي عرفتها جنوب أفريقيا أو رواندا، التي ركزت على الانتهاكات الجسدية. وفي هذا الإطار، تتضمن الحكومة التونسية الجديدة وزيراً لـ"الحكامة ومحاربة الفساد". وهذا شيء جديد بدون شك، غير أن النشطاء يخشون أن يكون هذا التعيين إنما اهتم بالشكل أكثر منه بالجوهر. كما انكبت لجنة أنشئت خلال الأسابيع التي أعقبت إسقاط بن علي، وتشمل محاسبين عامين ومتخصصين في تعقيدات القانون الإداري أو القانون العقاري، على دراسة نحو 5 آلاف شكوى. وقد كشف التقرير الذي أصدرته في نوفمبر الماضي عن نظام واسع من الفساد البنيوي الذي كان يستغله أصهار بن علي والمقربون منه لصالحهم: أسهم في أكثر الشركات ربحية، الإعفاء من الرسوم الجمركية، الأراضي العامة ذات الجودة العالية... كما تحولت مؤسسات حكومية مثل مصلحة الضرائب والقضاء، وحتى البنوك الخاصة، إلى وسائل إكراه، حيث يعاقب المديرون التنفيذيون المتمردون بتدقيق مالي أو يحرمون من القروض، أو تلغى تراخيصهم. وقد وجدت اللجنة أدلة بخصوص 400 حالة قامت بإحالتها على المحاكم. غير أنه وفق عضو اللجنة أمين غالي، فإن مجموعة صغيرة فقط من الحالات يحقق فيها القضاء الذي مازال يشتغل فيه موظفون من عهد بن علي. ويقول غالي: "إننا لا نمثل أولوية بالنسبة لأي أحد"، مشيراً إلى أمثلة على إهمال الحكومة الحالية، ثم أضاف يقول: "إننا لا نتوافر على لوازم مكتبية أو مركبات، ولا سلطة لاستدعاء شهود أو توفير الحماية لهم. كما أنه لم يتم إعفاء أعضاء اللجنة الذين هم موظفون حكوميون من مهامهم العادية، ذلك أنهم مطالَبون بالقيام بهذا العمل فوق عملهم اليومي، وهو ما يجعل المرء يشعر بأن الحكومة لا تكترث لنجاحنا". والراهن أن الفساد موضوع لا يظهر في الصورة بقوة مثل النساء المنقبات. غير أنه عندما يكون متفشياً إلى درجة ترقى إلى الاستيلاء على المال العام من قبل شبكة مهيكلة، مثلما حدث سابقاً في تونس ومصر، فإن الغضب العام يصبح عارماً وقابلاً للانفجار. ويرى كثيرون هنا أنه إذا لم تستغل تونس جيداً هذه اللحظة المفصلية خلال مرحلة ما بعد الثورة من أجل فرض المحاسبة، فإن إحباط الشعب يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التطرف، بحيث يتم اللجوء إلى تأويلات متطرفة للدين لتوفير ملجأ لم توفره الديمقراطية في مرحلة ما بعد الثورة. ومثلمـا يبيـن مثـال الفندق الأصفـر، فـإن مـا يقوم به الغربيون -عن وعي أو غير وعي- مهم للغاية. ولذلك، فإن دعمنا للدول العربية التي تعيش مرحلة انتقالية، وسلوكنا كمستثمرين وزوار، ينبغي أن يقطع مع عادات قديمة مثل تلك المساهمة في الفساد. سارة تشايس زميلة بمؤسسة «كارنيجي» للسلام الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©