السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

استراتيجية البطون الخاوية وحال الفلسطينيين اليوم

26 ابريل 2006
محمد صفر:
الطائرات والمدفعية الاسرائيلية تكاد لا تتوقف عن قصف مواقع في غزة لمنع الناشطين الفلسطينيين من إطلاق صواريخ على اسرائيل، لكن ما يؤلم سكان غزة أكثر من القصف هو جيوبهم الخاوية·· فسيارات الأجرة تجوب الشوارع خالية من الركاب، ونشاط المتاجر والمطاعم يتقلص بصورة حادة·· وفي السوق الرئيسية بالمدينة يغفو بعض باعة الخضروات بينما يعلن آخرون عن أسعار بضائعهم بصوت خافت متردد، بعد أن بدأ قطع المساعدات الأجنبية يحدث آثارا عميقة في الشارع·
وبعد مضي نحو أربعة أسابيع فقط على مباشرتها لمسؤولياتها، تصارع 'حماس' من أجل البقاء على رأس الحكومة، وتسعى لتشكيل ائتلاف مع فصائل أخرى لاكتساب دعم أكبر، وتحذر من أن انهيار الحكومة قد يفضي إلى نشوب أعمال عنف، ويتوقع بعض المسؤولين والمحللين الفلسطينيين انهيار الحكومة خلال أشهر، إذا استمرت الضغوط المالية وتواصلت جهود عزلها سياسيا على الساحة الدولية·
ومن المرجح أن تتصاعد هذه الضغوط، في وقت لا تبدو فيه مؤشرات على وجود خطة لمواجهة الوضع، الذي ينبيء باتساع نطاق الفوضى والعنف، في حين يؤكد رئيس الوزراء اسماعيل هنية أن الحكومة لن تسقط بالرغم من تحذيراته المتكررة من أن تقويضها سيكون له عواقب خطيرة·
مواجهة البركان
و'حماس' في مواجهة بركان من التحديات على جميع الجبهات ·· فقد ورثت ديونا تبلغ 1,3 مليار دولار، بينما جمدت اسرائيل تحويل 55 مليون دولار شهريا حصيلة إيرادات الضرائب، مثلما جمدت من قبل عملية التفاوض القائمة على خطة 'خريطة الطريق'، وقطعت الولايات المتحدة ودول أخرى المعونة عن الحكومة الفلسطينية حتى تعترف باسرائيل وتلقي السلاح، وتصاعدت الاحتجاجات نتيجة عدم سداد أجور موظفي الحكومة، وترفض البنوك التعامل مع السلطة الفلسطينية خشية رفع دعاوى قانونية ضدها من جانب الولايات المتحدة التي حظرت أي تعاملات تجارية مع حكومة 'حماس'·
وفي أوضاع بمثل هذا التردي، وتحت ضغوط استراتيجية الجيوب الفارغة والبطون الخاوية في ظل انتظار مساعدات مالية طارئة من بعض البلدان العربية والإسلامية، قد لا يكون أمام 'حماس' سوى خيارين للحيلولة دون حدوث أزمة مجاعة مروعة : الاعتراف بإسرائيل ·· أو التنحي وإتاحة الفرصة أمام الرئيس محمود عباس لتشكيل حكومة جديدة·
و'حماس' لن تعترف رسميا بالفشل الذي كتب عليها، لكنها تدرك صعوبة الانفراد بالسلطة في هذه الظروف العصيبة، وتناشد آخرين المشاركة في تحمل المسؤولية لتفادي أي غضب شعبي، ولذلك عقدت محادثات مع عدد من الفصائل الأخرى في محاولة لإقناعها بالانضمام إلى الحكومة·· ورفضت جميع الفصائل المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الانضمام إلى 'حماس' بسبب خلافات حول البرامج السياسية أساسا·
إشكالية الممثل الوحيد
ومن شروط الفصائل الأخرى مقابل تشكيل ائتلاف حكومي مع 'حماس' أن تعترف الحركة بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأن تقبل بوجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية لحل الصراع، غير أن الحركة تصر على عدم الرضوخ للضغوط، ومع ذلك تلتزم إلى حد كبير باتفاق للتهدئة أبرم قبل أكثر من عام، وتتعرض لانتقادات من جانب جماعات تقول إن الحكومة تقيد هجماتها ضد إسرائيل، بالرغم من تعاطفها مع تلك الهجمات·
واستمرار الوضع الراهن يقود لموجات متتالية من التنازع السياسي على الاختصاصات، لاسيما بين 'حماس' و'فتح' أو بالأحرى بين مؤسستي الحكومة والرئاسة، وهذا الصراع الداخلي يعبر عن نفسه في شكل دورات من الصدام المسلح والاقتتال في الشوارع، كما حدث قبل بضعة أيام·
ومن الصعب تصور بقاء الوضع على حاله لأكثر من ثلاثة أشهر، وباعتراف وزير المالية الفلسطيني 'عمرعبد الرازق' فإن الانهيار الاقتصادي متوقع في غضون شهور قليلة ما لم تتدفق المعونة مرة أخرى على الخزانة الخاوية· ومن المتوقع أيضا أن يمتنع الموظفون عن الذهاب للعمل، وتنهار المؤسسات وتتوقف الخدمات نتيجة عدم سداد أجور 140 ألف موظف حكومي يعولون نحو مليون فلسطيني أو ربع السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد يتمرد المواطنون ويخرجون غاضبين إلى الشوارع، وقد يتحول الأمر الى عصيان مدني وتتفجر أعمال عنف واسعة النطاق· وتحدي 'حماس' للضغوط يفاقم الواقع الاقتصادي المأساوي لسكان غزة البالغ عددهم 1,4 مليون نسمة حيث يتراوح معدل البطالة حول 50 في المئة ويعيش الفلسطينيون على دخل يبلغ في المتوسط دولارين للفرد يوميا·
والفلسطينيون منقسمون حتى على كيفية الخروج من العزلة، وتحطيم أسوار الحصار المالي والاقتصادي، وضرب استراتيجية البطون الخاوية التي فرضتها اسرائيل بمساعدة الغرب·
اختراق العزلة
ومن أكثر الحلول المقترحة تداولا اقتراح يدعو إلى العودة لتشكيل الحكومة الفلسطينية من قبل رئيس السلطة، وهي صيغة كانت قائمة منذ تأسيس السلطة حتى 29 أبريل ،2003 عندما تم تعديل القانون الأساسي للسلطة - الذي كان ينص على أن يشكل رئيسها الحكومة الفلسطينية - بضغوط من اسرائيل والولايات المتحدة أرغمت الرئيس الراحل ياسر عرفات المحاصر حينذاك على تعيين رئيس للوزراء، لكن حكومة هنية رفضت هذا الاقتراح مؤكدة قدرتها على الاستمرار واختراق طوق العزلة·
وبالرغم من المعاناة اليومية لم تتراجع شعبية 'حماس' في الشارع الفلسطيني· وذكر استطلاع للرأي نشرته جامعة بيرزيت الأسبوع الماضي أنه رغم مرور ثلاثة أشهر على فوزها الساحق في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 25 يناير الماضي وإلحاقها هزيمة غير متوقعة بحركة 'فتح' لا تزال شعبية 'حماس' 50 بالمئة في مقابل 35 بالمئة ل'فتح'· ويبدو أن 'حماس' نجحت حتى الآن في توجيه غضب الشعب الفلسطيني وإحباطه تجاه 'فتح' التي قالت عنها إنها أضاعت مئات الملايين من الدولارات من مبالغ المساعدات الأميركية والأوروبية هباء ·· وكذلك تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وإسرائيل التي تعاقب الشعب الفلسطيني - وليس الحكومة الفلسطينية - على اختياره الديمقراطي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©