الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الحرب الأهلية في العراق الخطاب الطائفي والتداعيات السياسية

26 ابريل 2006

رسول محمَّد رسول:
بين الإنكار والاعتراف، ما زالت تتأرجح إجابات العراقيين عن سؤال مفاده: هل هناك حرب أهلية في العراق الراهن؟ ولكي نكون أكثر واقعية، لا بد من التأكيد على أن واقع الحال يشي بحرب أهلية بينية في المجتمع العراقي· ورغم التأني في الاعتراف بها عراقيا، إلا أن صورها الميدانية أخذت بالظهور· فما هي طبيعة هذه الحرب؟ وما هي تداعياتها السياسية على المجتمع العراقي والمحيط الإقليمي؟
في تاريخه، خلال القرن العشرين، لم يشهد المجتمع العراقي حروبا أهلية بالمعنى الشامل والحقيقي لمفهوم الحرب الأهلية كما هو الحال في لبنان مثلا، كان ذلك قد جرى في مطلع القرن التاسع عشر بمدينة كربلاء على أساس مذهبي بين جماعات مما كان يُعرف بـ (النواصب)، وهم من أهل السنة، كانوا يسخرون علنا من تقاليد عاشوراء لدى الشيعة، وبين هؤلاء الاخيرين· وربما تكرر الأمر عندما اصطف بعض الأحناف العراقيين الذين تحنبلوا مع غزوات الوهابيين لتدمير مراقد الأئمة من آل البيت النبوي في عام ·1803
أما في القرن العشرين فلم تصل كل الصراعات البينية التي طفحت إلى السطح إلى مستوى الحرب الأهلية سوى على أسس اقتصادية أو مالية أو اجتماعية أوعشائرية·
الدولة ·· والحرب
و بُعيد الإعلان عن تأسيس الدولة العراقية عام 1921 بدأ مفهوم (الدولة) يظهر إلى العلن لتنضوي تحته كل القيم الجهوية التي من شأن تسعيرها سلبيا ستؤدي إلى الحرب الأهلية·، وصار مفهوم الدولة يتقدَّم على مفهوم الحرب الأهلية لأن الدولة للجميع بدستورها وشرائعها وخدماتها· وعلى هذا قال الكاتب العراقي 'فالح عبد الجبار': كانت الدولة العراقية تقوم على الأنموذج البرلماني الدستوري البريطاني، كنظام للحكم، بينما كانت النخبة الحاكمة تنزع إلى الأيديولوجية القومية الألمانية، ذات النزعة الصهرية الفوقية، وبينما بقيت هذه المفارقة في العهد الملكي مستترة بين عامي 1921 ـ ،1958 فإنها انفجرت بكامل مداها في عهود لاحقة، أي عهود الجمهوريات العسكرية التي حكمت العراق بين عام 1958 ـ ·2003 في حين يعتقد الكاتب السياسي العراقي 'حسن علوي' أن موجهات الحرب الأهلية كانت ممكنة قبل الغزو البريطاني للعراق، فالطائفية، وهي أحد محركات الحرب الأهلية، كانت مستقرة بالعراق قبل أن يستقر فيه المندوب السامي البريطاني، وقد يكون صحيحا أن المسلمين استعانوا بالاستعمار لتحقيق أهدافهم الطائفية، كما استعان الاستعمار بالطائفيين لتحقيق أهدافه، وقال علوي: قد يكون عبد الرحمن النقيب ورجال السلطة العراقية، هم المثال الصارخ على استعانتهم بالإنكليز واستعانة الإنكليز بهم في تحقيق مشروعهم الاستعماري بالعراق الحديث· وهنا اعتقدُ أن النقيب وجماعته يمثلون النخب الحاكمة التي توسلت النزعة الصهرية الفوقية كخيار لإفراغ الدولة العراقية من محتواها الخالص·
وهذا يعني أن الأنظمة الجمهورية اللاحقة على العهد الملكي العراقي، استندت إلى ذاك الموروث الطائفي الذي كرسته النخب السياسية الملكية، وهي الجمهوريات التي كرست البُعد الجهوي في المجتمع العراقي، وأفرغت مفهوم الدولة من محتواه الحقيقي أو الخالص لتحمله جملة من الانحرافات باتجاه خلق حراك التباينات الطبقية والمحسوبيات العرقية والمذهبية، والأنويات العليا النقية التي ظلت تحفر وجودها في الوعي الجمعي العراقي بانتظار أن تنفجر في يوم ما·
البعث ·· و'الصهرية الألمانية'
ظل الصراع في العراق الجمهوري قائما بين المجتمع والدولة، وكانت الحرب أهلية مغيبة إلاّ على أساس سياسي وأيديولوجي، ففي عام 1959 مثلا دخل الشيوعيون في صراع عنفي ودموي مع الإسلاميين العراقيين على أساس ديني / سياسي، في وقت كان فيه عبد الكريم قاسم يناصر الشيوعيين ضد الإسلاميين، والأمر استمر أكثر عندما اصطدمت الجمهورية العارفية مع الشيوعيين والإسلاميين في صراع حاد، حتى وصل الأمر مع الدولة البعثية لتؤسِّس للطائفية خطابها الميداني الجديد على أساس ديني / سياسي هذه المرة، فالبعث هو أيديولوجية علمانية تستند إلى الفلسفة الألمانية الصهرية، وكانت جملة من المفهومات السياسية كالقومية، والوطنية، والإسلام الحضاري، والإسلام العروبي ليست سوى مفهومات مُضمرة بالباعث الطائفي، فضلاً عن السياسيات العملية التي كرستها الدولة منذ عام ،1968 فقد شرعت بتصفية حركات العمل الإسلامي بالعراق، السنية والشيعية، التقليدية والأصولية، التثقيفية والجهادية، وبالتالي تهجير شرائح كبيرة من المجتمع الشيعي العراقي إلى إيران وسوريا بدعوى أنها تابعة بالجنسية إلى إيران، وتصفية القوميين والشيوعيين والبعثيين الشيعة على أساس طائفي مذهبي، ومن ثم دفع أعداد هائلة من أبناء الطائفة الشيعية إلى سواتر الحرب الأمامية بشكل مجحف من أجل إبادتهم في حرب ضروس مع إيران، وبالتالي تحريك الديمغرافية السنية باتجاه المدن والأحياء الشيعية في عملية تسوير ديمغرافية مهولة شهدتها مرحلة الثمانينيات الماضية، وبالتالي إبادة الآلاف من الشيعة في الجنوب الثائرين على سلطة صدام عام ·1991
لقد تركت السلطة البعثية تراثا هائلا من التمييز الطائفي، ولكن من دون اندلاع حرب أهلية في المجتمع، وكان الصراع قائما بين السلطة وأبناء المذهب الشيعي والسني المستقل على نحو دموي متبادل فخلق صدام بيئة للتصادم الطائفي في المجتمع العراقي، بيئة تصادم عمودي جرت بين سلطته وأبناء المذاهب على أساس مذهبي / سياسي وليس بين المذاهب نفسها·
حوار الكيانات العراقية
وبعد احتلال العراق أميركيا، أزال المشروع الأميركي الدولة العراقية، وقضى نسبيا على هرمية الصدام بين السلطة الصدامية والشعب العراقي على أساس مذهبي/ سياسي، وطرح بديلا مؤسساتيا هو (مجلس الحكم الانتقالي)، وبذلك، وكما يقول توماس فريدمان: عكست واشنطن دورة الخطاب السابق بأن جعلته خطابا أفقيا ينبع من القاعدة الشعبية ليخاطب قمة الهرم السياسي، وهذا هو ما نراه الآن من حوار أفقي جار بين الأكراد والشيعة والسنة باعتبارها جماعات وكيانات لم تحظ يوما بإبرام عقدها السياسي· لقد تعرض (الحوار الأفقي) إلى تحديات عدة، شاركت في تسعيرها أطراف محلية وأخرى نزيلة على العراق، وهي أطراف نجحت، حتى اللحظة، في إشعال فتيل أزمة صِدام طائفي يمكن أن يؤسس للحرب الأهلية القادمة؛ فقد أعاد البعثيون آليات وخطاب صدام حسين في تثوير الطائفية بالعراق الجديد عندما رفضوا المشروع الأمريكي، ولجأوا إلى العنف المسلح لتدمير البنية التحتية للبلاد، وشكلوا جماعات مسلحة تذبح العراقيين على الهوية طائفيا، وبالتالي تنفيذهم سلسلة اغتيالات مبرمجة لرموز المشهد الشيعي·
ومن جانبه نجح تنظيم (القاعدة) بالعراق في اختراق شرائح من المجتمع السني العراقي واستدراجها إلى خطابه الطائفي التكفيري ضد الشيعة بوصفهم روافض، وخونة، ومرتدين، وعملاء، وضد المحتفين بالتغيير الجذري في البلاد أيضا، وبذلك خلقت (القاعدة) بيئة طائفية على أساس مذهبي/ سياسي· ومن جانبها كانت الأصابع الإيرانية قد لعبت دورا كبيرا في إذكاء العداء بين العرب السنة والشيعة العرب، وهو الدور نفسه الذي لعبته سوريا في هذا الصعيد، فضلا عن أدوار إقليمية أخرى مجاورة للعراق·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©