الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في باكستان... قرويون يتحدَّون الطوفان!

في باكستان... قرويون يتحدَّون الطوفان!
6 سبتمبر 2010 23:29
على فروع أشجار الأكاسيا الضخمة يجلس الفلاحون القرويون في أعشاش عشوائية أقيمت على عجل، تحسباً من غارات اللصوص، وانتظاراً لطلوع النهار الذي تنحسر فيه مياه نهر الـ"إنداس" التي ألحقت بهم أفدح الأضرار. وهؤلاء الفلاحون يفضلون، حتى بعد وصول قوارب الإنقاذ إلى قريتهم الغارقة، البقاء لحراسة ما تبقى من ممتلكاتهم، التي نجحوا في إنقاذها، وهي مجموعة من الجواميس، وبعض العنزات، وأكوام من القمح. ونظراً لأن بيوتهم دمرت بسبب الفيضان، فإنهم يجدون ملاذاً سوى في الأشجار، وأسطح المنازل، وبعض المساحات من البر المغمورة بالطين. ويقول "خودا بخش" وهو قروي يبدو عليه الهزال الشديد، انضم إلى قرويين آخرين في بناء بعض الجسور الترابية الكبيرة لتقف ماشيتهم عليها بحيث يكون مستواها فوق مستوى سطح الماء: "إن كل شيء أملكه موجود في هذه القرية... لقد رفضت الذهاب وفضلت البقاء لحماية ما لديَّ". وبسبب كارثة الفيضان هذا الصيف، تأثرت حياة ما لا يقل عن 20 مليون باكستاني، نزحت الغالبية العظمى منهم من القرى مشياً على الأقدام أو في شاحنات، أو قوارب إنقاذ، أو حتى طائرات هليكوبتر.. بيد أن كثيرين آخرين فضلوا البقاء على رغم كل شيء. إن اختيار البقاء كمشردين يحمل في طياته مخاطر لاشك فيها بالنسبة لهؤلاء القرويين، ولكن فقدان كل شيء يمتلكونه في هذه الدنيا كان أيضاً هاجساً يخافونه أكثر من كل ما عداه. من جانبه الجنرال "شهريار بت" الذي يقود كتيبة من قوارب الإنقاذ راسية في مواقع تقع بمحاذاة الطريق الرئيسي الموازي لنهر الـ"إنداس" المغمور بمياه داكنة، في هذه المنطقة الواقعة في مقاطعة السند الشمالية يقول: "في هذه الناحية يوجد ما لا يقل عن 20 ألف شخص فضلوا البقاء في قراهم لحماية ما تبقى لهم من اللصوص الذين تعج بهم هذه المنطقة... وطالما أن هناك قطعاً جافة من الأرض فإن معنى ذلك أنهم سيكونون قادرين على النجاة". وهنا في قرية "صادق كالهورو" يعيش 500 من السكان بدون كهرباء، وعلى مساحة من الأرض تشبعت بالمياه إلى درجة أن أقدامهم تغوص تحت الماء عندما يسيرون.. ولا سبيل أمامهم لري عطشهم سوى شرب المياه المعكرة بالطين، والملوثة بجثث الأبقار، والخراف النافقة. كما يقتاتون أساساً على التمر، والخبز، والبقوليات، والبطاطس، ويجتهدون في تنظيم كميات الطعام الضئيلة والمتناقصة المتوافرة لهم. أما القرية ذاتها فقد تحولت إلى أرخبيل من البرك شبه المالحة، وقطع الأراضي المغمورة بالطين. وبعض البيوت في القرية لا تزال قائمة، ولكن معظمها تحول إلى أكوام من الركام والقش الذي كان يستخدم في تسقيف تلك البيوت. وفي كل الأحوال فإن القدرة على التكيف باتت شرطاً ضروريّاً للبقاء في "صادق كالهورو". فالأوعية البلاستيكية الخالية، أصبحت تمثل أداة إنقاذ لحياة القرويين في تلك القرية الذين يستخدمونها كطوف عشوائي يعومون فوقه، خصوصاً في تلك المناطق المضطربة سريعة التيار من نهر "إنداس" الذي امتلأ عن آخره بمياه الأمطار. وكذلك، تحولت قوالب الطوب الموضوعة على مسافات متقاربة من بعضها بعضاً، إلى ممرات عشوائية، كما استخدمت الحنة الحمراء التي تستخدم عادة لتخضيب أيادي العرائس الباكستانيات بأشكال دقيقة في تخضيب أقدام القرويين، الذين يعتقدون أنها تحميهم من الطفح الجلدي وغيره من الأمراض الجلدية التي تنتقل أثناء الخوض في مياه الفيضان. أما فوق فروع الأشجار القوية، فقد بنى القرويون 50 عشاً عشوائيّاً كسكن مؤقت. ومن هؤلاء السكان "محمد أمين" الذي ربط كتلاً من الخشب والفروع السميكة بحبل متين لتجهيز طابق مثلث الشكل يمتد على ثلاثة أشجار. وبنيان هذا السكن العشوائي متين بما يكفي لحمل أسرّة، وملابس، وماكينات خياطة نجح في إنقاذها من منزله الغارق. وقد وضع "أمين" (25 عاماً) زوجته وأبناءه الستة على ظهر قارب إنقاذ عسكري نجح في إجلاء 250 شخصاً منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع، في حين فضل هو، وأمه، وأختاه الاثنتان، البقاء بيد أنهن أصبن فيما بعد بعدة أمراض في المعدة بسبب شرب الماء الملوث، كما يقول. و"أمين " مقتنع بأنه قام بالخطوة الصحيحة. فعلى رغم كون القرية محوطة بالماء من كل جانب إلا أن اللصوص يستطيعون التسلل بواسطة القوارب ليلا. ويقول "أمين" إنه بالإضافة إلى كارثة الفيضان وما ترتب عليها، فإن ما يشغل باله في الوقت الراهن هو فقدان الثقة في القرية؟ "فهناك الكثير من الأشياء التي يخشاها المرء ومنها أن الذي يسرقك قد لا يكون اللصوص بالضرورة وإنما جارك الذي يسكن بجانبك وتعرفه، ويعرفك". وهؤلاء الذين فضلوا البقاء يقولون إنهم قد سمعوا أن الحياة ليست أفضل في معسكرات الإغاثة. وفي الحقيقة أن كافة الدلائل تشير إلى أنهم على حق: فالمشاجرات تشتعل بين المقيمين في تلك المعسكرات على كيس قمح أو أرز أو لأية أسباب أخرى، علاوة على أن تلك المعسكرات يصعب فيها إلى حد كبير الحصول على العديد من الأدوية التي يحتاجها المقيمون فيها بشكل ماس لعلاج الملاريا وغيرها كأمراض الجهاز الهضمي التي تزداد معدلات الإصابة بها بوتيرة سريعة. ويعلق على ذلك "رياض محمد" (وهو مدرس) حيث يقول: "إن ما يقولونه عن معسكرات الإنقاذ والإمكانيات التي تتوفر فيها ليس سوى محض هراء.. فأي شخص غادر قريته سيعيش حياة بائسة سواء داخل تلك المعسكرات أو على جنبات الطريق، ولذلك فإننا نعتقد أن البقاء هنا أفضل من الرحيل". أليكس رودريجز قرية صادق كالهورو - باكستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©