الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منجم سان خوسيه...مهمة الإنقاذ الصعبة

6 سبتمبر 2010 23:30
فوق سطح الأرض، المشهد كئيب وسوريالي: الأقارب القلقون يمسكون صلبان باركها البابا بينيديكت السادس عشر؛ أربعة علماء من وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" يحذرون من أن الحرمان من الضوء هو أكبر مخاوفهم؛ أفراد فرقة "نورتينو" الموسيقية المكسيكية ببذلهم السوداء وقبعات رعاة البقر يهدون الرجال قرصا يحوي أغانيهم. وإلى هذا المشهد، انضم الآن الناجون من حادث تحطم طائرة في جبال الأنديز عام 1972 والذي حكى قصته فيلم (Alive)، والذين جاؤوا ليقدموا نصائح حول كيفية الحفاظ على المعنويات مرتفعة. وتحت سطح الأرض، على عمق 2300 قدم (700 متر)، أي ما يعادل تقريبا برجي "إمباير ستايت"متلاقيين، يوجد الرجال. هم لا يستطيعون رؤية الأضواء المسلطة على المراسلين الصحافيين القادمين من بلدان بعيدة كفرنسا واليابان وهم يجرون مقابلات مع أفراد عائلاتهم. والضوء الوحيد الذي يخرق ظلمتهم هي الأضواء الخافتة للكشافات التي يحملونها على رؤوسهم والتوهج الأخضر الغريب لأنابيب بلاستيكية صغيرة يصدر منها بصيص كيماوي عندما تُكسر إلى نصفين. منذ حوالي الشهر وعمال منجم النحاس الشيليون الثلاثة والثلاثون عالقون معا في "ملجئهم" الذي تبلغ مساحته 600 قدم مربع (55 مترا مربعا)، بعد أن نجوا بأعجوبة من انهيار المنجم سان خوسيه هنا في شمال شيلي. وبينما تتابع البلاد، وبقية العالم، باهتمام كبير قصتهم، يتقاطر الخبراء على الموقع لتقديم النصح حول كيفية المقاومة والصمود. ولكن "لوس 33" (الثلاثة والثلاثون)، كما يطلقون على أنفسهم، يعرفون حقا معنى العيش في ظلمة وعزلة رهيبتين. ففي غرفتهم، التي تناهز مساحتها مساحة شقة من غرفة وصالة، يتحمل الرجال درجات حرارة تبلغ 32 درجة، ورطوبة خانقة، والشعور المرعب لأن يدفن المرء حيا – ومعرفة أنهم يمكن أن يظلوا عالقين هناك لفترة شهرين آخرين على الأقل في وقت يحفر فيه رجال الإنقاذ الصخر الصلب للوصول إليهم. وفي شريطي فيديو أفرجت عنهما الحكومة، ظهر الرجال يتصببون عرقا وقد أصابهم الهزال، ولكنهم كانوا مبتسمين، يحملون علما شيلياً ويحيون الكاميرا. أندري سوجاري، كبير المهندسين الحكوميين في عملية الإنقاذ، قال يوم الجمعة إن ثلاث حفر متنافسة سيتم حفرها على بعد 182 مترا من كل واحدة في محاولة لفتح مخرج عمال المنجم في أسرع وقت ممكن. واحدة يتواصل العمل فيها على قدم وساق وقد بلغ عمقها حتى الآن 130 قدما (40 مترا)، والثانية بدأت يوم الأحد، أما الثالثة، فستبدأ في الثامن عشر من سبتمبر - عيد استقلال الشيلي. وقد أخبر المهندسون عمال المنجم بأن تاريخ الإنقاذ المستهدف في النصف الثاني من نوفمبر. ولكن الحفاظ على عمال المنجم في صحة جيدة، بدنياً، والأهم من ذلك ربما، ذهنياً، هو المهمة الصعبة التي تواجهها الحكومة الشيلية اليوم. وفي مؤتمر صحفي عقد يوم الجمعة، اعترف مسؤولون شيليون ومن "ناسا" أنهم يبحثون إمكانية أن ينهار أحد العمال العالقين ويؤذي الآخرين. وفي هذا الإطار، تخشى أليسيا كامبوس كثيرا على الصحة العاطفية لابنها البالغ من العمر 27 سنة، دانييل، وهو أحد الرجال العالقين تحت الأرض. وتقول كامبوس، التي قطعت أكثر من 500 ميل (800 كيلومتر) من مدينتها مارشيجي لكي تكون قريبة منه: "أنا قلقة وأخشى أن تترك التجربة كلها آثارا على صحته العقلية"، مضيفة "من الطبيعي الاعتقاد بأن ذلك يصيبه بالجنون". وقد خضع كل واحد من عمال المنجم لتقييم نفسي بسيط خلال استشارة طبية دامت ساعة واحدة مع فريق من خمسة أطباء، كما قاموا بتعبئة استبيان طويل. وفي هذا الإطار، قال ألبيرتو إيتورا، طبيب نفسي عضو في الفريق الذي يراقب عمال المنجم العالقين، إنه يعتقد أن العمال، بشكل عام، في "صحة جيدة"، معتبرا أن الأجوبة المكتوبة أكثر تعبيرا من الظهور القصير للعمال في شريطي الفيديو. وأضاف إيتورا قائلا: "إن قوة الكتابة بخط اليد، التنظيم العقلي الذي تُظهره، يعطينا الكثير لنعمل عليه". ولكن أدريانا إسبينوزا، أستاذة علم النفس بجامعة شيلي، تعبّر عن قلقها بشأن حالاتهم العاطفية قائلة: "إن التخوفات النفسية كثيرة لأنه عندما وجدوا عمال المنجم الثلاثة والثلاثين لأول مرة، وجدوا أن ثمة خمسة منهم تظهر عليهم أعراض الاكتئاب، وكانوا يخشون أن يكون لذلك تأثير على بقية الرجال وأفراد عائلاتهم"، مضيفة "ويمكن أن يكون ذلك مضراً نظرا لأنهم سيبقون هناك لوقت طويل، طويل". وتلبية لطلب الحكومة الشيلية، أرسلت "ناسا" الأسبوع الماضي فريقا من "مركز جونسون الفضائي" لاقتسام تجاربهم وخبراتهم وتقديم نصائح بفضل تجربة طويلة في إرسال الرواد إلى الفضاء. وقال مايكل دونكان، زعيم فريق "ناسا"، إن تحديات الإنقاذ "غير مسبوقة"، مضيفا أن "الشيليين بصدد تأسيس سابقة حول كيفية إنقاذ مثل هذا العدد من الأشخاص، العالقين في مثل هذا العمق، بعد مثل هذه الفترة الطويلة تحت سطح الأرض". وفي المؤتمر الصحافي الذي عقد مساء الجمعة، تحدث دونكان بتفصيل عن النصائح التي قدمتها وكالة الفضاء الأميركية للشيليين، مشيرا إلى أن أوجه التشابه بين وضع عمال المنجم و"العزلة لوقت طويل" التي يعيشها رواد الفضاء. كما شدد على ضرورة تعويض العمال عن الحرمان من ضوء النهار، بفيتامين "دي" الذي يفتقرون إليه. وقال دونكان، وهو طبيب: "لقد ذهلنا بالتخطيط، وجودة الرعاية الصحية، والتضامن والدعم المقدم لعمال المنجم وعائلاتهم"، مضيفا "إن العالم كله يأمل أن يكلل هذا الأمر بالنجاح". كريس كول – منجم سان خوسيه شيلي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©