الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تدمير «نفط داعش».. المهمة الصعبة

تدمير «نفط داعش».. المهمة الصعبة
12 نوفمبر 2016 02:18
ترجمة: عدنان عضيمة قبل عام، كان تنظيم «داعش» الإرهابي يحقق عوائد مالية كبيرة من بيع النفط الخام بالعملات الصعبة. وكان يزيد من حجم إنتاجه حتى يتمكن من استعادة قواه بسرعة بعد الضربات الجوية التي تلقاها من طائرات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة والتي كانت تهدف إلى «تعطيل»، وليس تدمير، بنياته التحتية لإنتاج النفط. ووفقاً لبيانات صادرة عن التنظيم، فقد كان ينتج أكثر من 50 ألف برميل يومياً بعد الموجة الأولى من الضربات الجوية. وبلغت مداخيله من النفط ما بين 40 و50 مليون دولار شهرياً خلال الأشهر الأولى من العام 2015. هذا الواقع تغير الآن، واقتربت صناعة إنتاج النفط للتنظيم من نهايتها. وأدت الضربات الجوية المركزة والمتواصلة لمدة عام كامل ضد أهدافه وخسارته المناطق التي يحتلها في العراق وسوريا، إلى انخفاض موارده المالية بشكل كبير. وفي شهر يونيو الماضي، تمكنت الولايات المتحدة من تسوية المقر الرئيس لشركة النفط «الداعشية» في الموصل بالأرض. وفي شهر أغسطس، أعلنت القوات الكردية أنها تمكنت من قتل سامي الجبوري الذي يوصف بأنه «وزير النفط في تنظيم داعش»! خلال هجوم بري مشترك مع القوات الأميركية على الحدود العراقية - السورية. «موجة المد الثانية» ولازالت «شركة النفط الداعشية» قيد العمل، لكن حجم إنتاجها وعوائدها انخفض بشكل كبير، ولكننا نجهل المدى الذي آل إليه هذا الانخفاض. ونحن نعلم بالفعل أن أسعاره قد ارتفعت بشكل كبير في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم خلال العام الماضي، وبما يدل على نقص التموين وتراجع مستوى الإمداد. ونعلم أيضاً أن «داعش» تبنى سياسة تقشفية هذا العام بسبب تراجع عوائده من النفط. ويعتقد بعض الخبراء في استخراج النفط من الآبار التي يسيطر عليها التنظيم، وهم من ذوي الرواتب المرتفعة الذين يعملون لمصلحته، أن الإنتاج توقف بالفعل. وتأتي كل هذه النكسات التي حلّت بالتنظيم نتيجة عملية «موجة المدّ الثانية» التي تهدف إلى شن هجمات دقيقة على منشآته النفطية وبدأت يوم 21 أكتوبر 2015. وهذه العملية التي حظيت بموافقة الحكومة الأميركية بعد جدل طويل حول مدى فعالية العام الأول من الضربات الجوية ضد منشآته لإنتاج النفط، استندت إلى وثائق سرية للتنظيم كانت مخبأة بعناية وتم الاستيلاء عليها من طرف فرقة كوماندوس أميركية تمكنت من التسلل العام الماضي إلى أهم حقل للنفط يستثمره «داعش». وخلال صيف العام 2015، قامت وكالات استخباراتية أميركية بترجمة تلك الوثائق بحثاً عن بعض الأدلة المفيدة حول النشاطات النفطية للتنظيم الإرهابي، وعثروا ضمنها على القرائن الكافية لدفع التحالف إلى إعادة النظر في الخطط المرسومة. ولم يعد هناك شك في اتساع حجم تجارة التنظيم بالنفط. وتمكنت أجهزة الاستخبارات من الكشف عن نشاط فرق متخصصة في إصلاح منشآت الإنتاج وإعادة تأهيلها بعد أيام قليلة من الضربة الجوية الأميركية. ودحضت الوثائق المكتشفة هناك الافتراضات السابقة المتعلقة بالاقتصاد النفطي الذي يعتمد عليه «داعش»، والتي دفعت الولايات المتحدة إلى اتخاذ جانب الحذر بالتعامل مع الموضوع. وكان المسؤولون الأميركيون قد افترضوا سابقاً أن المنشآت النفطية كانت تُدار من طرف سكان محليين بائسين وليس من تنظيم «داعش»، لكن وثائق «أبو سياف» أظهرت أن تلك المنشآت كانت تحت إدارة جيش صغير من المهندسين ومديري التسيير ذوي الخبرة العالية والملتزمين التعاليم العقائدية المزعومة للتنظيم. وكل العاملين في هذا القطاع، محليين كانوا أم أجانب، أعلنوا ولاءهم المطلق لـ«أبو بكر البغدادي». «هوشستاين» وكشف المستور وسرعان ما اكتشف «آموس هوشستاين» أن مخابرات أبو سياف لعبت دورها في تغيير اللعبة. وكمبعوث ومنسق لشؤون الطاقة الدولية في وزارة الخارجية الأميركية، أصبح «هوشستاين» المحور الأساسي للجهود الأميركية الهادفة إلى تفكيك الأسس والقواعد التي تقوم عليها التجارة النفطية لتنظيم «داعش». وقال لي خلال لقاء جمعني به الشهر الماضي: «لقد أجابت تلك الوثائق عن السؤال المتعلق بطريقة توظيف التنظيم للعمال والخبراء الذين يعملون في الحقول. وقدمت لنا أيضاً فهماً أكثر وضوحاً عن الأماكن التي يحصلون فيها على الأموال وأساليب الحصول عليها». وفي أواخر صيف 2015، اتضح لواشنطن أن «الضربات الجراحية» على المقرات الإدارية وبقية البنى التحتية للمنشآت النفطية للتنظيم حققت نتائج ضعيفة أو معدومة. وكان معظم «المدنيين» العاملين في الحقول النفطية «مقاتلين»، وبقيت معظم منشآت إنتاج النفط سليمة تماماً. محاذير بيئية وبالعودة إلى العام 2014، حذر مسؤولون أميركيون من أن الحملة الهجومية على حقول النفط الداعشية ستكون محفوفة بالمخاطر لأنها ستؤدي إلى ضرر بيئي خطير. لكن هوشستاين قال في معرض تعليقه على هذا الاستنتاج: «إذا لم تعطلوا البنية التحتية النفطية، فسيحصل مقاتلو التنظيم على المزيد من الأموال العام المقبل وبأكثر مما حصلوا عليه العام الجاري. ومن هنا يأتي تمويل الآلة الإرهابية لداعش». وهكذا، تم إطلاق عملية «موجة المدّ الثانية» وهي معززة بفهم أفضل للشبكة. وبدأت الطائرات القاذفة الأميركية وبشكل يومي باستهداف مواقع الإنتاج منذ بداية شهر أكتوبر 2015، وتمكنت من تدمير أبراج ومضخات استخراج وضخ النفط والرافعات والصهاريج وبقية الآلات الثقيلة. وأظهرت التقارير الصادرة عن وزارة الدفاع الأميركية والمتعلقة بنتائج الغارات الجوية تغيراً كبيراً في نوعية الأهداف وكثافة عمليات القصف ذاتها منذ انطلاق العملية. وخلال 12 شهراً تبدأ من سبتمبر 2014، ركزت الولايات المتحدة على مصافي النفط ومواقع تخزين المشتقات النفطية التابعة للتنظيم. ولم يتم استهداف المناطق التي يطفو فيها النفط الخام فوق سطح الأرض بسبب الاعتبارات البيئية. وخلال كل هذه المدة، كانت الضربات الجوية تستهدف بشكل أساسي المحطات المتخصصة بفصل النفط عن الغاز الطبيعي الذائب فيه، وبما أدى إلى تعقيد عمليات تقطيره واستخراج مشتقاته (المازوت والبنزين والكيروسين). استهداف الوسطاء وأظهرت دراسة الوثائق التي كان يحتفظ بها أبو سياف أنه كان يسيطر على 253 بئراً نفطية في العراق وسوريا قبل موته بقليل. وتبيّنت من إحصائياتي الخاصة أن التحالف الغربي تمكن من تدمير 224 بئراً خلال العام الماضي، وعلى الرغم من أن التنظيم الإرهابي تمكن من إعادة تجهيز بعضها فإنها استُهدفت من جديد فيما بعد. وبناء على تقرير البنتاجون حول نتائج عملية «موجة المدّ الثانية»، فإن عدد آبار النفط التي استهدفت هو 4 فقط خلال العام الأول من الغارات الجوية. وإلى جانب مواقع الإنتاج، بدأت الولايات المتحدة أيضاً باستهداف الوسطاء الذين مكنوا التنظيم من المتاجرة بالنفط. والوسطاء هم جماعات وفصائل مختلفة تشتري النفط الخام من «داعش» وتبيعه لتنظيمات أخرى بما فيها تلك التي تمتلك مصاف بسيطة، ومنها بعض فصائل الثوّار السوريين، وحتى بعض الزبائن خارج الحدود السورية والعراقية. وبتاريخ 16 نوفمبر 2015، وبعد ثلاثة أيام من الجريمة الإرهابية التي نفذها التنظيم في باريس وذهب ضحيتها 130 شخصاً، نفّذ طيران التحالف الغربي للمرة الأولى سلسلة من الغارات الجوية على صهاريج نقل النفط التي كانت تنتظر دورها لتحميل نفط «داعش». ونظراً لأن سائقي هذه الصهاريج مدنيون، فلقد تم تحذيرهم من مواصلة هذا العمل قبل توجيه الضربة الجوية بوساطة منشورات ورقية نثرتها الطائرات فوق المكان ،إضافة لتوجيه رسائل نصية معممة على أجهزة الهواتف المحمولة أو عن طريق البث الإذاعي. لكن التحالف منحهم فترة زمنية قصيرة جداً لا تتعدى الدقائق القليلة للابتعاد عن صهاريجهم. وكانت القوات الجوية الأميركية تراقب حركة هروبهم ركضاً. وكانت النتيجة، تدمير 116 صهريجاً لنقل النفط في ذلك اليوم وحده. وأما الآن، فقد بلغ مجموع ما تم تدميره من تلك الصهاريج أكثر من 1100 صهريج. وقال هوشستاين في تعليقه على هذا التطور: «لقد تضاعف الخطر الذي يتعرض له سائقو الصهاريج بشكل كبير. وأما الشيء الذي تغير بعد هذه الضربة، فهو أنه ما من سائق صهريج يقبل بعد الآن وجود أكثر من ثلاثة صهاريج أخرى تنتظر التحميل معه». حدود الضربات الجوية وهذا يعني أن تنظيم «داعش» كان مجبراً على اتخاذ جوانب الحيطة والحذر في كل عملية تحميل. وكان عليه أيضاً أن يخفّض سعر نفطه حتى يتمكن من تشجيع الوسطاء على المخاطرة التي يقتضيها شراء النفط منه. وحتى ضمن هذه الظروف الصعبة، كان السائقون يحرصون على الإبقاء على مسافات متباعدة عن بعضهم البعض أثناء اقترابهم من مواقع التحميل. وقال هوشستاين: إن ذلك يعني أن الضربات الجوية لم تفعل شيئاً أكثر من إبطاء عملية شحن النفط الداعشي. وهذه الأيام، يعمل التنظيم في اتجاه التكيّف مع الأوضاع بأكثر من التركيز على محاولة إعادة بناء قطاعه النفطي. وهو يحاول أيضاً توسيع رقعة انتشار شبكته وإخفائها. ولم يعد سائقو الصهاريج يصطفون متلاصقين بصهاريجهم مثلما كانوا يفعلون من قبل، كما أن التنظيم يحرص على دفن أنابيب نقل النفط الخام وخزاناته تحت الأرض، أملاً في تقليص احتمال اكتشافها من جانب طيران قوات التحالف الغربي. نفط لتمويل الإرهاب وحتى العام الماضي، كان أبو سياف يشغّل شركة نفطية تدرّ سيلاً متدفقاً من الأموال على تنظيمه الإرهابي، وهذا العام، أصبح خلفُه يدير وحدة صناعية في محاولة منه لتعويض الخسائر الكبيرة الناتجة عن تراجع تجارته النفطية وبحيث يركز اهتمامه على الأصول الإنتاجية ذات المردود السريع. وهو يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والاستفادة من كل ما يمكن الاستفادة منه بما في ذلك استخراج النفط القديم من الأنبوب المتوقف الذي كان يربط بين العراق وتركيا، والذي كان يستخدم لنقل النفط من كركوك إلى البحر الأبيض المتوسط قبل إغلاقه منذ ما يقارب العامين. مستنقعات سطحية وربما كان من حسن حظ التنظيم الإرهابي أنه لا يزال يحتفظ ببعض زبائنه داخل وخارج الحدود العراقية والسورية. وهم يقتصرون على بعض الوسطاء المغامرين الذين لا زالوا يملؤون صهاريجهم بالنفط الذي ينتجه التنظيم. ويراهن كثيرون على أن نظام بشار الأسد لا يزال يشتري النفط الداعشي مثلما كان يفعل من قبل. وعلى الرغم من الدمار الناتج عن ضربات التحالف لآبار النفط التابعة للتنظيم، فإن ضغط الغاز الطبيعي الذي يتجمع عادة فوق بحيرات النفط المنتشرة تحت الأرض، كان كافياً لدفعه إلى السطح. ويقوم عناصر التنظيم بجمعه بطريقة «الشفط» من فوق الأرض. والآن، تقوم الطائرات الأميركية باستهداف هذه المستنقعات النفطية السطحية، لكن هذه المهمة تتميز بالصعوبة والأضرار البيئة الكبيرة التي يمكن أن تنتج عنها. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©