الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كلمات

13 يونيو 2011 23:06
نمتلئ بالكلمات، منذ الولادة وحتى الممات، نمتلئ بالكلمات لأننا نمتلئ بالأحاسيس، ولأننا نمتلئ بالأفكار. ونحن نمتلئ بهذا وذاك لأن الله الذي خلق الإنسان خلق بداخله عقلاً يفكر وقلباً يحس. نفرغ من الكلمات فقط حين نفرغ من الأفكار والإحساس، وحين نفرغ منهما نفرغ من الحياة، لن يهم بعدها إن كان الجسد ما زال يلبط أو قد همد. الإشكالية مع الآخر تبتدئ حين ننطق هذه الكلمات. عندها يصير لكل أحد شأن بك. فكلمة تنفع، وكلمة تُسيء، وكلمة تُفرح، وكلمة تجرح، وكلمة تُضحك، وكلمة تُبكي، وكلمة تتحول لمركبة فضاء فترفعك للقمر أو تأخذك لما وراء الشمس. لا تحمل الكلمة بحد ذاتها ردة فعل محددة ومنتهية، بل أذن المتلقي أو عينه التي تقرأ هو ما يصبغ كل كلمة بالمعنى الذي يبدو له هو مفهوماً أكثر ووارداً أكثر. وأذن المتلقي وعينه رسل عقله وقلبه، فكما خرجت الكلمة من قائلها لتعبر عن فكره وشعوره كذلك ردة فعل المتلقي على هذه الكلمة تجيء تعبيراً عن فكره وشعوره هو. وهذه الأفكار والأحاسيس في نفس كل متلق ليست موجودة فقط بالفطرة، بل غالباً تكون نتيجة تراكمية طبيعية لما عاشه في بيئته الخاصة وما اختمر لديه من تجارب على مر حياته. فكيف لنفس الكلمة أن تُفرح شخصاً وتُبكي آخر. وكيف لنفس الكلمة أن تهدهد شخصاً حتى ينام وتجعل آخر يثور مثل حمم بركانية. فكل المعاني في الرأس. ليس بالضرورة أن ما فهمته من كلامي هو ما قصدته أنا، ربما فقط هو ما يدور برأسك أنت. تخرج الكلمات من روح صاحبها لتصل إليك، لو تترك رأسك جانباً حين تتلقى منه، سيصلك ما يريد قوله بشكل أكثر وضوحاً، وحين يصلك ما يريد قوله ستبدو ملامحه طبيعية، وليس ملامح كائن فضائي جاء ليغزو عالمك، عندها لن تختلف معه، وإذا اختلفت معه فلن تكرهه لذلك، وسيبقى شخصاً يمكن أن تتناول معه فنجان قهوة وتتبادل معه حياة الكلمات. ثم إن الكلمات ليست نهائية، حتى لو حررتها مما يدور في رأسك وتلقيتها كما أرسلها رأس صاحبها بكل حيادية موضوعية، ليس بالضرورة أن تؤمن أنها خواتيم أفكار قائلها، فالقائل إنسان، والإنسان يتغير، يسهم في ذلك توالي المشاهد على طول طريق حياته، وما يعترضه من مطبات وقوانين مرور جديدة وتقاطعات فرعية تُستحدث، وتلك الآمال التي تبهت وتتحول لآلام في الفقرات السفلى من العمود الفقري، فيجد في التمدد ضرورة بعد أن كان النشيد واقفا مهمة جليلة مثل زهرة عباّد شمس تحولت لعريشة ظليلة، وكلها نبتات جميلة. الحياة مليئة بالناس، والناس عبارة عن رؤوس، والرؤوس مليئة بالكلمات، والكلمات قابلة للتبدل وربما الثبات وفي الحالتين لا يجب أن تتحول أي كلمة لفأس يفتك برأس. Mariam_alsaedi@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©