الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شوابنا بين الحنين والاغتراب

12 نوفمبر 2016 22:12
يقول الشاعر علي بن رحمة في مطلع إحدى قصائده: إذا مريت صوب الدار الأول اشوف الدار تذريها الدواري أخف السير في دربي وأحول واطالع من يميني ومن يساري واعيد الشوف واذكر عام الأول واشم الدار واتقفر الآثاري تقول الدار ماضيكم تحول ولا يبقى لكم في الدار طاري هذه الأبيات تمثلت لي بشكل واضح عندما كنت في رحلة تصوير لخور دبي للأحياء القديمة عند منطقتي الشندغة وبردبي في ساعات الصباح الأولى عندما شدني ذلك المنظر لمجموعة من الشواب الجالسين على أحد الكراسي العمومية المطلة على مياه الخور وكانوا يتحدثون مع بعضهم تارة وتارةً ينظرون لمياه الخور. كلنا يعلم أن هذه المناطق عادةً ما تكون صاخبة ومكتظة بالبشر والسياح والمحلات من مختلف الجنسيات الآسيوية وغيرها، وخاصة في الساعات المتأخرة من النهار، فقد أضحت هذه المناطق تمثل دبي القديمة، إذ إن معظم سكان هذه المنطقة، إن لم نقل كلهم، كانوا قد انتقلوا إلى الأحياء الجديدة في وسط المدينة، وكان منظر الرجال في هذا المكان يبدو غريباً بعض الشيء. وبعد البحث والتقصي عرفت أن هؤلاء الجالسين كانوا من عاشوا وترعرعوا وعملوا في هذه المناطق قبل أن ينتقلوا إلى وسط المدينة في السنوات الأخيرة تاركين خلفهم أحياءهم السكنية القديمة، والتي استبدلت بعمارات وأبنية ومحلات تجارية حديثة، وذكرياتهم الموزعة في أرجاء المكان. ويتكرر مشهد هؤلاء الرجال بشكل وبآخر ولكن في سياقات مختلفة وعندما نرى البعض يقف ضعيفاً أمام هذا التطور السريع ويغدو رهناً للذكريات والحنين للماضي، نجد الآخر يجد نفسه في حالة من حالات الاغتراب والضياع. وأتذكر قصة ذلك الرجل المسن الذي أخبرني أحدهم بأنه ركن سيارته القديمة في وسط الشوارع الحيوية مخلفاً خلفه صفاً طويلاً من السيارات والناس الحانقين مع أصوات الزمور ونزل من سيارته وهو حانق ومستاء، وقد اتضح فيما بعد أنه تائه وخائف، حيث إنه أحد سكان المناطق البعيدة ولم يقد سيارته في شوارع وسط المدينة منذ فترة، وبالتالي عندما أراد النزول إلى المدينة تبين له أن الشوارع التي عرفها يوماً قد تغيرت بشكل كلي والمواقف والقصص كثيرة في هذا السياق. مظاهر التطور الحضاري السريع، والذي تزامن مع ظهور النفط ووفود الأيدي العاملة الأجنبية ومن ثم العولمة وتبعاتها من ثورة في الاتصال والمواصلات بدت جليةً على مختلف مظاهر الحياة مما صب في منفعة الناس، ولكن هذه التغيرات حدثت بسرعة متوالية بحيث بدا من الصعب جداً تكيف أفراد المجتمع واستيعابهم وخاصة عندما نتحدث عن فئة الشواب، فالبعض من هؤلاء قد عاصر حياة ما قبل ظهور النفط وعاش في بيوت وأحياء لا يوجد لها مكان وعمل في مهن البعض منها اندثر. يقول علماء الاجتماع إن كبار السن قد يمرون بحالة تسمى اغتراب المسنين عن المجتمع، والتي تتمثل في ضعف مشاركتهم مع أبناء الجيل الشاب وقد تبدو هذه الحالة شائعة في كثير من دول العالم، ولكننا نتحدث عن مجتمع حدثت فيه تطورات وتغيرات كثيرة نتج منها اختلال واضح وحالة من الاغتراب بالنسبة للناس الذي ضاعوا في الزحام بحيث لا يرون إلا في أماكن معدودة، فما بال هذا الجيل القديم! حصة الياسي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©