الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا… أفق الحرية وخطر الطائفية

سوريا… أفق الحرية وخطر الطائفية
12 يونيو 2013 00:13
علياء مالك صحفية مهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان خلال الأسبوع الماضي وعندما كنا واقفين في منفذ حدودي لبناني، انتظاراً للانتهاء من فحص أوراقنا، حتى نتمكن من الدخول لسوريا، أشارت سيدة كانت تصحبنا في عربة أجرة مشتركة كنا نستقلها للسُحب التي تجمعت في السماء وقالت «سيكون الأرثوذكس سعداء». تلك السيدة أشارت للمباراة السنوية المعتادة بين المسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك في سوريا، والخاصة بالاحتفال بعيد القيامة الذي تحتفل به كل طائفة في موعد مختلف تماماً عن الأخرى. جاء سفرنا في اليوم السابق للجمعة الحزينة للأرثوذكس، وكانت السماء قد بدأت تمطر، والكاثوليك قد احتفلوا بالجمعة الحزينة قبل ذلك بشهر، عندما كان الجو مشمساً ومتوهجاً. وقامت تلك السيدة وهي تعتنق المذهب الكاثوليكي بتهنئة امرأة مسيحية أرثوذكسية- كانت مسافرة معنا- بعيد القيامة وسقوط المطر، ونحن ما قمنا به أيضاً، متبادلين ضحكات صافية. لم يشأ سائقنا وهو مسلم سُني- كما علمنا- إلا أن يشاركنا الفرحة، وعندما شرحنا له الأسباب التي دعت إلى وجود فوارق في توقيت الاحتفال بعيد القيامة نظر إلينا في المرآة الموجودة في مقدمة السيارة وقال: «الأمر يشبه ما بيننا نحن السُنة وبين الشيعة». بعد ذلك تركز الحديث على ما كاد يصبح شعيرة ثابتة بالنسبة لأي سوري، بعد اندلاع الأزمة في بلاده، واحتدامها، وهي أن يؤكد أن لديه أصدقاء أعزاء من كل طائفة من الطوائف، التي تعيش في سوريا، في محاولة لطمأنة الآخرين أنه على الرغم من كل ما يقول عنا، ويقال من حولنا فإن فضائنا السوري التعددي مازال قائماً، وأننا سنعمل على حراسته والحفاظ عليه. تذكرت كيف كان السوريون يشعرون أنهم محظوظون، لأن بلدهم لا يعرف صراعاً طائفياً مثل ذلك الموجود في لبنان. كان الافتراض التلقائي لدى كل سوري في ذلك الوقت أن ما يحدث في لبنان من تقاتل وصراع بين الطوائف المختلفة، لا يمكن أن يحدث مثله في سوريا. وحتى عندما اندلعت الانتفاضة فإن الغرض منها لم يكن هو التصارع الطائفي مع الآخرين، حيث لم يكن هذا هو ما فكر فيه من أشعلوا شرارتها، ولكن هذا للأسف الشديد ما تريده بعض القوى المحلية- وعلى رأسها نظام بشار الأسد-والقوى الإقليمية، والدولية، وتريد أن تقود الصراع إليه... وهكذا يمكن القول إنه في حين أصبحت الطائفية هي محرك الصراع الطائفي في سوريا، إلا أنها لم تكن أبداً الدافع إليه. من هنا فإن التمييز بين سبب الانتفاضة، وما الذي يحافظ على استمرارها، يعد أمراً غاية في الأهمية، بحيث لا تكون التدخلات، وتكون القرارات المتخذة لإيجاد حل للأزمة غير فعالة بدرجة مؤسفة، مثلما كانت عليه الحال حتى الآن.وعندما كانت سيارة الأجرة تسرع على الطريق في ذلك اليوم، وبعد أن أصبحنا أكثر اعتياداً على بعضنا بعضاً، بدأنا نعلق على التغييرات التي لاحظناها على الطريق. لم تكن اللوحات الإعلانية على الطريق تعلن عن شيء يذكر سوى صمود الأسد والعناية الإلهية التي تحفظه. لاحظنا أيضاً أن حركة السيارات المتجهة من داخل سوريا نحو الحدود اللبنانية قد زادت كثيراً عن ذي قبل، وأنها تفوق بما لا يقاس حركة القادمين لداخل سوريا. كانت هناك مشاهد للدمار لم تكن قائمة من قبل، وكانت هناك أيضاً زيادة في عدد نقاط التفتيش، وفي طول طوابير السيارات التي تنتظر الحصول على إذن بمواصلة الرحلة. عندما توقفنا عند إحدى تلك النقاط، بدأت أتأمل لحى الجنود ولحى الرجال الجالسين في السيارات الأخرى، وأسأل نفسي: هل تشبه هذه اللحية لحى أعضاء «حزب الله»؟ وهل هذه اللحية الأخرى تشبه لحى السلفيين؟ وهل تلك اللحية التي تبدو مختلفة عن الاثنتين السابقتين هي لحية للزينة. في النهاية وصلت إلى مقصدي وهو منزل عائلتي في وسط دمشق. كان مقرراً أن أبقى في سوريا أياماً قليلة من دون أن أدرى هل عندما أعود المرة القادمة سأجد من قابلتهم هذه المرة أحياء أم لا. يقع منزلنا في شارع ضيق بحيث يمكن لأي أحد يقف في شرفته أن يتحدث بسهوله مع جاره عبر الطريق. وعندما وقفت هناك في يوم من أيام الشهر الماضي وابتسمت لعائلة جيراننا عبر الطريق، هبت عاصفة هواء قوية، وسمعنا صوت ارتطام. نظرنا حولنا في فزع، ولكن أطفال الجيران أشاروا إلى شرفة تعلوا شرفة دارنا في المنزل المجاور، وقالوا إن قفص طيور قد سقط على قمة المحل الموجود بالأسفل. وأن ببغاء كان موجوداً بداخله كان يتقافز في حيرة بعد أن انفتح باب القفص. صعد عدد من الأطفال فوق سطح المحل وحاولوا إحضار الببغاء، ولكنهم أفزعوه مما دفعه للطيران إلى شرفتي، وقال لنا صاحبه الذي أطل من شرفة قريبة: لا تقلقوا فسيعود لقفصه من تلقاء ذاته. ولكن ما حدث هو أن الببغاء طار بعيداً بأجنحته الرائعة الألوان ضحك صاحبه وقال:«إن الببغاء هو الآخر أصبح يريد الحرية»، فرد عليه جار آخر« على الأقل لنفسه». نظرنا حولنا في خوف وتمنينا ألا يكون أحد من مخبري النظام قد سمع ما قلناه، ولكن امرأة في شرفة مجاوره صاحت بحسرة: ياله من ببغاء مسكين ستصيده هرة في النهاية ». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©