الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الدرايش» عيون تخبئ حكايا الناس في مقلها

«الدرايش» عيون تخبئ حكايا الناس في مقلها
7 سبتمبر 2010 22:23
الأمل والنور والحرية.. أول ما يشعر بهم المرء بمجرد رؤيته لنافذة ما، حتى لو جهل وجهة إطلالتها. لذا ليس غريباً أن كتب الأدب في العصر القديم والحديث على حد سواء مليئة بنصوص تناولت النوافذ في سطورها بمعانٍ ومضامين مختلفة. وأغان نشدت الشبابيك والستائر خلفها بأحوال وآمال.. ولوحات تشكيلية عبّرت بالنوافذ عن التحرر والتطلعات والنجاة، فيما بدت “درايش البيوت” في الشعر الشعبي عيون مفتوحة على المدى. روح البيت كان للبيت الشعبي القديم شكل المربع وفي وسطه ما يشبه شمسية صغيرة مكشوفة بشكل جزئي على الشمس وتسمى “الليوان” وأما الجزء المغطى فيسمى “الحوي” أي الحوش- فناء البيت التي تطل منه أبواب الغرف “الحير” وأحياناً يكون الباب الرئيسي ويسمى “الدروازة”. أما الغرف والمجالس فكان لمعظمها “درايش”- نوافذ خشبية أو معدنية لها شكل طولي مستطيل قد تكون مقنطرة في أعلاها أو معشقة بالزجاج، ونادراً ما تكون مربعة الشكل، يتسلل من خلالها الضوء والهواء، فكانت بذلك روح البيت. لم يعد اليوم لتلك “الدرايش” من وجود إلا في مخيلة الناس وذكرياتهم عن الماضي الجميل، وباتت تزول كلياً من العمران نتيجة التطور الحضاري والنهضة المعاصرة. لذا سعت أندية وجمعيات التراث في الدولة للحفاظ على التاريخ المعماري للمنطقة وإحياء تراث الأجداد، فاستقطبت خيرة صنّاع النجارة العرب لعمل مئات النوافذ القديمة وفتح درفاتها مشرّعة في القرى الشعبية ومقار الأندية التراثية ومرافقها. ضوء وهواء أدت النوافذ دوراً مهماً في المنزل الشعبي القديم سواء أطلت على المنزل أو على الشارع، يقول علي بن حسن الرميثي- كبير استشاريي التراث البيئي في”نادي تراث الإمارات” موضحاً أهمية ودور “الدريشة” في المنطقة قديماً: “كان آباؤنا يزودون الحجرات بفتحات في الطوف لها وظيفتين هما إدخال الضوء والتهوية في الصيف، وإدخال أشعة الشمس في الشتاء. وكانت آنذاك تصنع من أخشاب الأشجار المحلية على شكل مستطيل يمر به صف من قضبان الحديد الطولية المرتبة بشكل أفقي. وكانت بعض “الدرايش” تصنع بأشكال وأحجام مختلفة بحسب الحاجة، فمنها حجرية تحفر في الجدار نفسه (وهي نادرة) ومنها خشبية تعشق بالحديد وتكون على باحة البيت في الأدوار السفلية ولا تكون على الشارع إلا في الأدوار العلوية وتكون من درفتين، ومنها تزين البيوت من الخارج “الزرانيق” بمثابة التاج”. مراحل متعددة يوضح أبو محمد - نجار في السوق الشعبي في القرية التراثية بأبوظبي- طريقة صنع النافذة “الدريشة”، ويقول: “نصنع الدرايش القديمة من عدة أخشاب محلية أو مستوردة، وأهم تلك الأخشاب خشب شجر الأثل والقرم والجندل. ونشكلها -غالباً- من درفتين كل واحدة مكونة من ساقين ورأس عليا ورأس سفلى (تختلف السماكة بحسب نموذج الباب التراثي)، وغالباً تكون السماكة 5 سم وبينها حشوة بسماكة 3 سم على أن يكون عرض القوائم حوالي 8 سم وكذلك (الرأسين العليا والسفلى) وننجّر لها شراعة تستعمل لها سنادة من الخشب”. يسترسل مضيفاً: “نقوم أولاً بتفصيل الكشف الذي يتكون من عوارض طولية تسمى “الساقات” أما العوارض الأفقية فتسمى “الرؤوس” ويتم الوصل بين الساقات الرؤوس بتعشيق الألسن مع بعضها أو بواسطة النقر واللسان. وهذا الأخير عبارة عن قطعة خشب مبسطة تخرج من الرؤوس وتدخل في حفرة على مقاسها تماماً تسمى النقر. وبعد إنجاز نجارة “الدريشة” سواء كانت بدرفة أو درفتين نقوم بنقش سطحها وتشكيل الزخرفة المراد تطبيقها عليها، إلا إذا كانت معشقة بقضبان الحديد أو مزينة بالمعدن أو يدخل الزجاج في تركيبها. وبعد الانتهاء من تركيب “الدريشة” في جدار الغرفة أو المجلس نقوم بتركيب القبضات أو القفل وباقي الإكسسوارات في مكانها وفق التصميم التراثي الذي كان سائداً قديماً”. أدوات محددة من جهته يقول صالح البلوشي بائع أدوات تصنيع الأخشاب: “يستخدم النجارون في صناعتهم للأبواب والنوافذ (خاصة التراثية) مجموعة أدوات أهمها بالطبع “المنشرة” التي تستخدم لنشر الخشب بسماكات ووضعيات متعددة، ثم “الرابوب” لتشذيب الخشب بسماكات محددة. وهناك “الرندج” آلة التسميك لقشر الطبقات الرقيقة من الخشب وتنعيمه. وهناك أيضاً “المنقرة” لعمل النقور في الساقات، و”الفريزة” لعمل النقوش والزخارف على سطح “الدرايش”. فضلاً عن مجموعة من البسامير الكبيرة والمعادن التي قد تزين درفات النوافذ”. إلى ذلك، تعتبر مجموعة “الدرايش” المختلفة الأحجام والهيئات والألوان المصنوعة وفق الطراز التراثي القديم، والموجودة داخل البيوت الشعبية والمتاجر في “القرى التراثية” في إمارات الدولة نافذة كبيرة واسعة يطل من خلالها الأبناء على الماضي الجميل ليتعرفوا على تراث الآباء والأجداد، وما تمثله “الدريشة” من أهمية في زمنهم سواء في التهوية أو الإضاءة أو الإطلالة على البحر أو الناس، فضلاً عن كونها خير حافظ لما يدور داخل الحجرات والمجالس حيث كانت تسدل درفتيها كأنهما جفون العين على حكاياتهم وأسرارهم.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©