السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سامراء عاصمة الازدهار السريع والاندثار الأسرع

سامراء عاصمة الازدهار السريع والاندثار الأسرع
7 سبتمبر 2010 22:28
تعمر المدن لسنوات طوال تواصل خلالها النمو العمراني وتتمدد مساحتها بمرور السنوات إلا «سامراء» التي نشأت عملاقة في غضون أشهر قليلة وقبل أن تكمل عقدها السادس كانت أثراً بعد عين وخراباً منسياً بعدما كانت حاضرة لنصف المعمورة تقريباً. «سامراء» الحاضرة الثانية للخلافة العباسية والتي حاول مشيدها الخليفة «المعتصم بالله» أن يجعلها وريثة لبغداد بعدما ضاقت مدينة المنصور به وبجنوده الأتراك جراء عدوهم بخيولهم داخل طرقاتها دون مراعاة لطفل أو شيخ كبير وبعد مصادمات دامية مع الأهالي قرر المعتصم أن يشيد عاصمة جديدة لخلافته في عام 220 للهجرة “834م”. حسب روايات المؤرخين جال المعتصم بحثاً عن موقع يناسب مشروعه فوجد مراده في بيعة للنصارى وبعد أن طاب له المقام هناك لمدة ثلاثة أيام اشترى أرض الدير وأخذ في العام التالي في تخطيط المدينة وبعد إتمام البناء انتقل مع قواته وحرسه إليها ولم يمض إلا زمن قليل حتى قصدها الناس من كل حدب وصوب للإقامة على مقربة من الخليفة الذي كان موضع إعجاب الأمة منذ خروجه إلى موقعة عمورية استجابة لامرأة مسلمة ببلاد الروم استصرخته بقولها:”وا معتصماه” وإن كان من المؤكد أن موقع سامراء استوطن منذ ما قبل الإسلام وبالتحديد في أيام الساسانيين والمناذرة. حاضرة الخلافة على مدى 58 عاماً ظلت خلالها حاضرة للخلافة العباسية واصلت سامراء نموها غير المسبوق لتصبح عامرة بالمساجد والقصور الضخمة والطرقات والميادين الواسعة والحدائق الغناء وفي الوقت الذي بدا فيه الأمر وكأن الزمان أعطى ظهره لبغداد إذا بالخلفاء يهجرون سامراء عقب وفاة المعتمد على الله ويؤثرون العودة إلى بغداد في عام 279 للهجرة “892م” ليهجرها الناس تباعاً ويخبو بريقها ويتراجع عمرانها. سر من رأى وطبقاً لروايات بعض الجغرافيين فإن العاصمة العباسية الجديدة عرفت أولاً باسم “سر من رأى” فلما هجرت سميت “ساء من رأى” واختصر الاسم إلى “سامراء” وإن أشار عدد من العلماء إلى أنها عرفت بسامراء منذ تأسيسها وأن للاسم أصلاً فارسياً أو عراقياً قديماً. وحاول ناصر الدولة الحمداني إعادة الحياة إليها في عام 333 للهجرة فوسعها وأحاطها بسور ولكن الجيوش المغولية بقيادة هولاكو اجتاحت سامراء في عام 656 للهجرة “1258م” ودمرتها كلياً وما إن تعافت بعض الشيء حتى عاجلها الغزو الصفوي الإيراني وحولها إلى أنقاض. وسامراء اليوم مدينة حديثة تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محافظة صلاح الدين وهي تبعد نحو 125كم. إلى الشمال من بغداد ويحدها من الشمال تكريت ومن الغرب الرمادي ومن جهة الشرق بعقوبة. أما عدد سكانها وفق آخر إحصاء أجري في عام 2003 فقد كان 300 ألف نسمة أغلبهم من العرب السنة بينما يصل عدد سكان القرى التابعة لها إلى 700 ألف نسمة وتقطنها عشائر عربية من السوامرة والبوبدران و”البونمر والبوفهد والبو عيسى” والجبور والعزة والعبيد. ويبدو أن سامراء الحديثة تعيد سيرتها بشكل ما حيث أخذت في النمو بسرعة كبيرة منذ منتصف القرن الماضي بعد أن كان عدد سكانها في بداية الخمسينيات لا يتجاوز 15 ألف نسمة وتعتبر من أسرع المدن العراقية نمواً سكانياً حيث يتضاعف عدد سكانها مرة كل عدة سنوات ومن المتوقع أن يصل إلى مليونين في عام 2020. أول الجسور وتدين سامراء بالفضل في عودتها التدريجية إلى الحياة للأتراك العثمانيين عندما أقاموا أول جسر يربط بين شطري المدينة على ضفتي دجلة في عام 1878م. ثم تأسيس أول مدرسة ابتدائية بسامراء في عام 1881م. وتعتبر سامراء من المدن الواعدة على صعيد الأنشطة السياحية بفضل المعالم التاريخية التي تزخر بها داخل المدينة القديمة أو على مقربة منها. ويأتي المسجد الجامع الذي شيده الخليفة المتوكل على الله في طليعة هذه المعالم ذات الشهرة العالمية وتبدو بقاياه شاخصة للعيان شمال غربي المدينة الحديثة وكان المتوكل قد شرع في تشييد الجامع بعدما ضاق جامع المعتصم بالمصلين في عام 234 للهجرة واستمر العمل قائماً به ثلاث سنوات ويعد المسجد الجامع أكبر مسجد تاريخي في العالم الإسلامي إذ تتجاوز مساحته المخصصة للصلاة 41 ألف متر مربع وكان يتم الوصول إليه عبر ثلاثة شوارع فسيحة مزودة بالحوانيت. ويعتبر مسجد سامراء الجامع المهد الأصلي لفنون الزخرفة الإسلامية المعروفة “بالأرابيسك” حيث اضطر الفنانون تحت ضغط الوقت إلى استخدام القوالب لزخرفة الكسوات الجصية لجدران الجامع المشيدة بالطابوق فبدت الزخارف النباتية محورة عن الطبيعة ومتصلة ببعضها بعضاً تماماً كما تبدو اليوم في مشغولات الفنون الإسلامية حول العالم.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©