الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإدريسي رائد الجغرافيا ومكتشف منابع النيل

الإدريسي رائد الجغرافيا ومكتشف منابع النيل
7 سبتمبر 2010 22:29
العلامة الإدريسي واحد من عمالقة علم دراسة الأقاليم والأرض والجغرافيا الذي ابتكر الموسوعات الجغرافية، وتوصل لنظريات مهمة حول الكروية والجاذبية وكان أول من اكتشف منابع النيل. ويقول الدكتور كارم غنيم الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ولد أبو عبدالله محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس الحموي الحسني في سبتة بالمغرب سنة 494هـ /1100م وعُرف بـ «الشريف الإدريسي» لأنه من نسل الأدارسة العلويين الذين أسسوا دولة الأدارسة بالمغرب ولقب بـ «الصقلي» لاستقراره بصقلية ردحا من الزمن ويُعرف كذلك بـ «القرطبي» لقضائه معظم مراحله الدراسية بقرطبة. ودرس الإدريسي في سبتة ثم انتقل إلى قرطبة قبلة العلم والحضارة آنذاك ومكث بها عدة سنوات أتقن خلالها الجغرافيا والفلك والرياضيات والطب والصيدلة والنبات ثم خرج إلى المشرق فطاف ببلاد الإسلام ثم عاد بعد ذلك إلى المغرب ماراً بصقلية وقيل إن عمره حين زار آسيا لم يتجاوز السادسة عشرة. وعُرف عنه أنه رحل إلى الأندلس وجنوبي إيطاليا والبرتغال والشاطئ الفرنسي وجنوب إنجلترا وأقام طويلا بصقلية، حيث بدأ عمله العلمي بها مستهلا إياه بالجغرافيا. نزهة المشتاق كان الشريف محمد الإدريسي يتمتع بشخصية جذابة موهوبة وعقلية علمية تواقة إلى المعرفة وعشق السفر والترحال، وكان زملاؤه في بلاد الملك روجر الثاني النورماندي في صقلية يتهمون الملك باعتناقه الإسلام لما رأوه من شديد الإعجاب بالإدريسي والثقافة والعلوم الإسلامية وخاصة الجغرافيا. وقد أغدق الملك روجر على الإدريسي المال، وطلب منه أن يضع كتابا شاملاً في الجغرافيا لوصف طبيعة البلدان، وثقافاتها وجبالها وأنهارها وسهولها وأوديتها فوضع كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق». واعتمد في هذا الكتاب على مشاهداته في الرحلات التي قام بها إلى البلدان والدول المختلفة، وعلى التقارير التي وصلته من الذين أرسلهم إلى المناطق الأخرى، وهي تقارير تتضمن معلومات جغرافية ثم على المراجع الجغرافية التي اطمأن إليها ووثق بمعلوماتها، كمؤلفات بطليموس، وابن حوقل، والمسعودي. واستغرق في وضع كتابه هذا خمسة عشر عاماً تقريباً وأتمـه في عام 548هـ /1123م، وكان يُنسب أحياناً إلى الملك روجر، فيسمى «كتاب رجار» أو «الكتاب الرجاوي». وبهذا الكتاب العظيم يعتبر الإدريسي أول جغرافي يقوم بمشروع علمي امتد ليشمل جميع أقطار المعمورة، بعد أن كانت أعمال الجغرافيين العرب تهتم بالعالم الإسلامي فقط. وفى أعقاب وفاة الملك روجر في عام 1154م، خلفه غليوم الأول، الذي كلف الإدريسي بوضع كتاب آخر، فأجابه بوضع كتاب «روضة الأنس ونزهة النفس» الذي اشتهر فيما بعد تحت عنوان «كتاب المسالك والممالك»، وإضافة إلى هذا أجرى الإدريسي أبحاثاً عديدة في كثير من مجالات العلوم والمعارف، كعلوم الأرض، وخصوصاً موضوعات الكروية والجاذبية. علوم النبات اهتم الإدريسي بعلوم النبات والأعشاب، ووضع فيها مؤلفات تفصح عن علمه الواسع بقوى الأدوية المفردة ومنافعها ومنابتها وأعيانها. ومن كتبه في هذا المجال مصنفه الرائد «الأدوية المفردة « و»الصيدلة»، و»الجامع لصفات أشتات النبات». وكان يكتب أسماء النبات بالعربية والفارسية واليونانية واللاتينية والسريانية والعبرانية والهندية والكردية والتركية والإسبانية والبربرية والقبطية. وكتاب «الجامع لصفات أشتات النبات» مرتب على حروف المُعجم واشتمل الجزء الأول فيه على 260 نباتا وعقاراتها واشتمل الجزء الثاني على 200 نبات وعقاراتها. إضافة إلى أن الإدريسي كان بارعاً في مجالات علمية أخرى، فكان مثلا ذا موهبة أدبية، في نظم الشعر، ولكن تفوقه الكبير في علوم الجغرافيا جعل عدداً كبيراً من مؤرخي العلوم يركزون على هذا المجال دون غيره من المجالات الأخرى التي ترك الإدريسي فيها أيضاً تراثاً مرموقاً. ويعد كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» أحد أهم الكتب غير المسبوقة في مجاله، فلقد احتوى أوصاف البلاد والأقطار والمواقع والتضاريس والبحار والأنهار والأودية والسهول وكذلك غلات البلاد وتجاراتها سواء الصادرات أو الواردات والعجائب التي تُنسب إليها وأماكنها في الأقاليم السبعة ووصف أحوال أهلها وهيئاتهم ومذاهبهم وأزياءهم ولغاتهم وغيرها من المعارف الحضارية. ودعم الإدريسي كتابه هذا بسبعين خريطة للعالم المعروف في زمانه اشتملت على 356 مدينة أفريقية و740 مدينة أوروبية و959 مدينة آسيوية. فكان بحق أعظم موسوعة جغرافية وبشرية في زمانه. وطبع هذا الكتاب للمرة الأولى في فلورنسا بإيطاليا في عام 1592م، وهى أقدم طبعة بالحروف العربية، وبعد ذلك وُضعت له ترجمات ومختصرات بلغات أوروبية مختلفة. ومن أعمال الإدريسي الرائدة صنعه لـ «كرة من الفضة» زنتها 150 كيلو جراما تقريباً، وضع عليها مواقع البلدان والمدن والجبال والبحار والأنهار وعلى هذه الكرة صمم الإدريسي خريطة العالم المشهورة التي أثبت فيها جزرا في المحيط الأطلسي لم يثبتها أحد من قبله، مما يدل على علمه بها وبسواحل المحيط جنوبي مراكش. اكتشاف منابع النيل أثبت كبار المؤرخين في العلم، وكذلك المراجع والوثائق، أن الشريف محمد الإدريسي هو أول من اكتشف منابع النيل، وذلك قبل بيكر وبرتون، وسبيك بمئات السنين. وقد رسم خريطة لنهر النيل تصوره آتيا من بُحيرات في المنطقة الجغرافية، صحح بها آراء الجغرافيين في عصره، وقد حدد فيها منابع النيل الأصلية، وهو ما اكتشفه الأوروبيون في القرن التاسع عشر، أي بعد الإدريسي بستة قرون. وقال عنه «غوتيه»: «إن الشريف الإدريسي الجغرافي كان أستاذ الجغرافيا الذي علم أوروبا هذا العلم، ودام معلما لها مدة ثلاثة قرون، ولم يكن لأوروبا مصدر لجغرافية العالم إلا ما رسمه الإدريسي». وتوفي-رحمه الله- في صقلية 562 هـ/ 1165م.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©