الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سيف فارس» يرصد تحول «نادر شاه» من راعي إبل إلى حاكم

«سيف فارس» يرصد تحول «نادر شاه» من راعي إبل إلى حاكم
7 سبتمبر 2010 22:30
نادر شاه هو واحد من الحكام الفرس الذين تركوا بصمات قوية في التاريخ الإيراني خلال القرن الثامن عشر، غير أنه شأنه وشأن كثير من القادة عبر التاريخ عانى من تجاهل المؤرخين وكتاب التاريخ نتيجة لظروف وأسباب متعددة وإن كان أغلبها راجعاً إلى الظروف المحيطة والضاغطة على المؤرخين التي تدفعهم إلى تمجيد هذا القائد أو الحط من قيمة ذاك، بحسب الأحوال السياسية التي يكتب فيها التاريخ. يعتبر كتاب “سيف فارس: نادر شاه، من محارب قبلي إلى فاتح مستبد”، والذي وضعه مايكل آكسورثي واحدا من الكتب القليلة التي أعادت لهذا القائد الفارسي مكانه وبين إسهاماته في التاريخ الفارسي. ويكشف الكتاب حقائق مدهشة عن نادر شاه الذي أصبح خلال فترة حكمه الممتدة من 1736 إلى 1747 نموذجاً للطموح الذي لا يعرف الرحمة، والذكاء العسكري منقطع النظير علاوة على الوحشية والريبة، فحفل عصره بصنوف سفك الدماء والخيانات، متنقلاً في حياته من طفل يافع راعٍ، إلى محارب حرر البلاد وأصبح شاهاً على بلاد فارس. حدائق شاليمار يذكر آكسورثي أن نادر شاه قاد الجيش الفارسي إلى دلهي في 20 مارس 1739، فاصطف جنود الفرس على جانبي مسار نادر من حدائق شاليمار خارج المدينة إلى قلعة شاه جاهان المبنية على الحجر الرملي الأحمر، لكن المواطنين قد التزموا منازلهم، وكان في صحبة نادر عشرون ألف فارس، وتقدم الموكب مائة فيل تحمل العديد من الجنود المسلحين المخضرمين. عندما وصل نادر إلى القصر، ترجل من فوق فرسه الرمادي ودخل سيراً على الأقدام.. وأطلقت المدافع الضخمة المنتشرة حول القلعة نيرانها تحية لنادر، وأحدثت دوياً رهيباً حتى أن المدينة “بدت على وشك أن تنهار”. وقبل ذلك بعشر سنوات في ربيع 1729، كانت فارس تعاني حالة من الانقسام والارتباك والذل، وكان الغزاة الأفغان قد احتلوا العاصمة أصفهان قبل ذلك بست سنوات، وكذلك استولى الأتراك والروس على أغلب المقاطعات الشمالية والغربية. غير أن المؤلف يبين أنه وخلال عشر سنوات، وفي واحدة من أهم تغيرات المقادير في العصر الحديث، هزم نادر كل أعدائه وجعل من فارس القوة المسيطرة من جبال قوقاز وحتى نهر يامونا. ومنذ بداية تحرك القوات من أصفهان قبل عامين وأربعة أشهر، قطع نادر ورجاله أكثر من 1750 ميلاً وفتحوا في طريقهم أغلب ما يعرف الآن باسم أفغانستان. ثم يجري المؤلف مقارنة بين نادر وتيمور لانك، موضحاً أن منجزات نادر ربما قد فاقته، وهو الذي قد غزا دلهي قبل ثلاثمائة وأربعين سنة. ورغم أن الكثير من ابتكارات نادر تشير إلى المستقبل ولا ترجع إلى الماضي، فإن أفكاره كانت كثيراً ما تحمله على الاحتذاء بتيمور. فقد قرر مثل تيمور أن ينهب ثروات دلهي بدلاً من أن يحاول ضم امبراطورية الهند. وكانت دلهي في ذلك الوقت واحدة من أعظم عواصم العالم، وكانت تتلألأ فيها آثار تعود إلى مختلف عصور التاريخ، وكانت تعرف باسم شاه جاهان آباد، وكان تعدادها حوالي 400 ألف نسمة، ومن بين أعظم الإمبراطوريات المسلمة في العالم آنذاك: العثمانية، والفارسية، والمغولية، كان المغول هم الأعظم والأكثر ثراءً ودلهي فخر هذه الإمبراطورية. راعي الإبل يعود المؤلف إلى ولادة ذلك الرجل الذي سيغزو الهند في منطقة برية خطيرة في شمال شرق فارس، ولم يستقر المؤرخون والمهتمون على تاريخ محدد لميلاد نادر شاه، غير أن يوم السادس من أغسطس هو التاريخ المرجّح لذلك. وكان والد نادر يتمتع بمكانة اجتماعية متواضعة، لكنه حظي بتقدير واحترام بوصفه راعياً للإبل والأغنام في قبيلة الأفشار، ويقال أيضاً إنه كان حاذقاً في صناعة الملابس من فرو الخراف، وكان اسمه الأصلي الإمام قول، أما الأفشار القريقلو الذين ينحدر منهم والد نادر، فهم قبيلة تركمانية شبه بدوية استقرت في خراسان شمال شرق فارس. ويوضح الكاتب أن نادر نفسه ولد في قرية داستجرد الحصينة التي تقوم على الجانب الشمالي من جبال الله أكبر الواقعة في منطقة “داراجاز” شمال غرب مدينة مشهد عاصمة خراسان، وأسماه أهله عند مولده نادر قولي، ومعناه “عبدالبديع” وهو ما يعكس رغبة تقية من أهله في هبة الوليد لخدمة ربه. وبعد عدة سنوات، حينما عيّن ابن الإمام قولي نفسه شاهاً، قام بتغيير اسمه إلى نادر وربما كان “نادر” مجرد اسم تدليل لذلك الطفل الذي تبدلت على جسمه قدرات غير عادية خلال مراحل نموه. إلى أن ترعرع نادر في وسط محيط متسم بالتناقض الظاهري، كمواطن فارس يتحدث اللغة التركمانية، وعلى دراية بثقافة الحضر في فارس التي كان يفهمها ويجهلها الجميع من اسطنبول إلى سمرقند ودلهي. خيط العنكبوت حياة نادر لم تسر على وتيرة يمكن التنبؤ بها، فإحدى الروايات تقول إن نادر وأمه قد وقعا في الرق على يد الغزاة التركمانيين. وكان نادر لا يزال يعد يافعاً، بينما تروي أخرى أن التركمان استرقوا نادراً وعدداً من رفاقه، لكنه صلى لله كي يفك أسره فسقطت عنه الأغلال مثل خيط العنكبوت، فحرر أصدقاءه وأخذ غنائم آسريه. وفسرت هذه النسخة كرواية أسطورية لقصة استطاع فيا نادر إقناع خاطفيه بأن يطلقوا سراحه مقابل وعد بأن يتعاون معهم في المستقبل، في بادرة تظهر قوته على تسخير الظروف غير المواتية لمنفعته وصالحه. وينتقل الكتاب إلى مرحلة محورية في حياة نادر حين استطاع أن يثبت ذاته ويبرز من بين جنود حاكم مدينة أبيورد الواقعة في خراسان، حيث أصبحت مهمته الأساسية ملاحقة الغزاة واستعادة الغنائم التي أخذوها. وحقق انتصارات بلغ صداها أصفهان عاصمة الفرس آنذاك. أعقب ذلك زواجه من ابنة بابا علي التي ولَدَت كثيرا من الحقد تجاه نادر شاه من قبل قبيلة الأفشار، كما تعمقت كراهية نادر لدى بعض العناصر في شمال خراسان بسبب نزاعاته مع الأكراد. وفي الوقت الذي وفر له النجاح أتباعاً وموالين، صار غريباً وعدواً لمجموعة من أفراد قبيلته، وهو ما بذر بذور خيانة كبرى حدثت له لاحقاً. تالياً، ومع تتابع الأحداث ووفاة بابا علي تولى نادر شاه منصب نائب حاكم ايبورد المعين من قبل السلطان في أصفهان، حسن علي خان. وبمرور الوقت أصبح نادر الشريك المهيمن على الحكم، وبعد ذلك حدث ضعف وتراخ في أصفهان عاصمة الحكم الفارسي، وانتشرت الاضطرابات في أنحاء الدولة كان من نتيجتها أن أصبح نادر شاه حاكماً على ايبورد، وأعقب ذلك سقوط أصغر خان في يد الأفغان وكان هذا إيذاناً بانتهاء نحو قرنين من الحكم الصفوي في بلاد فارس. حيلة ودهاء دبت الفوضى في معظم بلاد فارس، فيما لجأ نادر شاه إلى إحدى هضاب مدينة مشهد وكانت تسمى القلعة، ثم اشتهرت بعده باسم “قلعة نادر”، وامتازت الهضبة بكونها موقعاً مناسباً للأوضاع الدفاعية وكانت نقطة سيطرة على الأرض على امتداد أميال. فاتخذها نادر معقلاً له لفترة من الزمن في عام 1720 تقريباً. وكانت القلعة إحدى حصون تيمور التي استولى عليها بعد حصار طويل عام 1382. وأمّنت القلعة لنادر ميزة حصرية على المنافسين الداخليين في السلطة، وحتى مالك محمود - حاكم أصفهان الجديد - لم يكن في مقدوره أن يفرض هيمنته على الإقليم بفاعلية كاملة. وكان لظهور مالك محمود على الساحة قد مثل فرصة سنحة لخروج بعض رؤساء القبائل عن قبضة نادر، الذي سبق وأن قبلوا على مضض سيادته على أبيورد، فتوسلوا إلى مالك كي يتخلص منه. ويبين الكاتب أن كلاً من مالك ونادر مثلا فرسي رهان تساويا في الحيلة والدهاء، وفي حذر كل منهما من صاحبه، غير أن نادر كان شكلياً يخضع لسلطة مالك محمود، خاصة أن الأخير لم يتعمد مواجهته، وحين عين حاكماً جديداً لأبيورد جعل من نادر نائباً له، حينها استغل نادر منصبه في تصفية حساباته القديمة وتعزيز سلطاته فأعداء محمود صاروا أعداءه. وصار لزوماً على خصومه قبول سلطته أو القبول بالتصفية الجسدية. جرائم وخيانات بحلول عام 1724 شعر نادر بأنه صار قوياً بما يكفي لمعارضة مالك محمود. وكان مالك محمود ادعى أنه من نسل ملوك الكايان الأسطوريين في فارس وأحسن استغلال هذا النسب في الدعاية لنفسه. فكان ذلك بمثابة الشرارة التي أججت نيران الصراع بين نادر ومالك محمود. لم يكن نادر ليقبل بهذا الأمر - فمتى نجح منافسه في أن يحصل على الاعتراف بنفسه ملكاً، فسيستغنى بذلك عن التحالف مع نادر، ويُروى أن نادراً فجّر الصراع بقتل الرجل الذي عيّنه مالك محمود حاكماً لأبيورد. وطبقاً للرواية الأخيرة، يقول المؤلف: قضى مالك محمود ونادر ذلك الحاكم يوماً في الصيد والتدخين في الريف خارج مشهد. وبحلول المساء قفل مالك محمود عائداً إلى المدينة، بينما بقي نادر يحادث الحاكم، حتى إذا جاء الغسق، واستعد هذا الأخير للذهاب. امتطى نادر جواده بينما كان الحاكم ممسكاً بعنق حصانه استعداداً لامتطائه ومع بلوغ قدم الحاكم ركاب الجواد، استل نادر سيفه فجأة وهوى به على رقبة الحاكم. وكان ذلك إيذاناً لرجال نادر بمهاجمة أتباع الحاكم فقتلوا بعضهم وتفرق الباقون منهم. ثم ارتكب نادر كثيراً من الجرائم والخيانات في طريقه للصعود بعضها أخفاه التاريخ في طياته. وقد حفرت فعاله أخاديد العداوة بينه وبين بعض الأكراد والأفشار الذي نشأ بينهم. بعدما أمن نادر أبيورد، شن غارة على مشهد، فواجه قوات مالك محمود، وتغلب عليها ودمر المنطقة حول المدينة. وحين وضع مالك محمود الجيك الملكي وأمر بصك عملات معدنية تحمل اسمه، لم يذهب إليه نادر في مشهد ليقدم له فروض الطاعة علي حين قدمها كثيرون غيره ومنهم زعماء قبائل الأكراد المحاربة مثل “تشاميشجازاك”، وهم جيران نادر المقربون في خابشان. وكان لدى نادر في حينها قوة كبيرة مؤهلة جيداً. اتهام بالخيانة تحالف نادر شاه مع أحد أفراد الأسرة الصفوية وهو طهماسب ضد مالك محمود، وكان طهماسب هو الشاه الصفوي المستقبلي الذي أعد العدة لمهاجمة أصفهان مرة أخرى لاستعادة أمجاد الصفويين. وكان هذا اللقاء بينهما لحظة فارقة في تاريخ نادر، فقد تحول من قائد إقليمي إلى شخصية ذات أهمية قومية، ومع وجود نادر مع مستشاري طهماسب تحرك الجيش بسرعة من خابوشان، في الوقت الذي شهد فيه تدفق المتطوعين . ومع مرور الوقت ازداد نادر قرباً من طهماسب إلى أن أمر الأخير بتعيينه في منصب “كورشي - باشي” (يعادل القائد الأعلى)، ونجح في احتلال مشهد التي كانت تحت سيطرة مالك محمود. مع نهاية عام 1726 وفي غضون أسابيع معدودة تحول نادر من مجرد أمير حرب إقليمي مغمور إلى باعث الأمل في إحياء القضية الصفوية في فارس، وكان نادر يدرك تماماً أهمية إظهار الولاء للشاه طهماسب، فظن الشاه الصغير ووزراؤه أن السيطرة على نادر يسيرة، غير أن نادر خدعهم وأخفى عنهم رغبته في السيطرة، وفيما بعد تلقى طهماسب وحاشيته درساً في حقائق السلطة. وبعد سقوط مشهد في نهاية 1726 تفاقمت الخلافات بين نادر والشاه طهماسب، واتهم نادر بالخيانة، غير أن رد فعله جاء سريعاً فصادر جميع ممتلكات طهماسب ووزرائه في مشهد، ووضعها في يد أخيه إبراهيم خان، وصار هو الحاكم الفعلي لمشهد وأسس بالتعاون مع طهماسب (الذي أجرى معه تسوية) قاعدة للسلطة في مشهد يخططان من خلالها للهجوم على أصفهان واستعادتها. بيد أن نادر، وفقاً للمؤلف اهتم بتأمين خراسان قبل الشروع في أي حملة سابقة لأوانها لاستعادة العاصمة الصفوية، لكن ذلك أيضاً أظهر تبايناً في توجهاته. فأصول نادر التركية التي تعود إلى خراسان جعلته يمل للتطلع شرقاً نحو بخارى، في حين أن كونه من سلالة جنكيز خان جعله يهتم بحكم سمرقند عاصمة تيمور القديمة، فيما بقيت مشهد وخراسان إقليمين مركزيين في عالمه. الجلد ..تسلية الشاه كان الشاه يسافر في صحبة حريم قصره والخصيان في راحلة تشبه الفقاعة تمتد على مسافة ميلين أو أكثر، وكان الضرب المبرح أو الموت عقاب من يسير في الطريق في أثناء مرور القرق (موكب الشاه). وكانت العادة أن يُنادى على أهل المدن التي سيمر بها الموكب قبل وصوله مطالباً إياهم بإخلاء جميع المنازل المطلة على الطريق الذي يمر به الشاه وإغلاق بقية المنازل. وكان الخصيان يسيرون على مسافة ميل واحد أو أكثر أمام موكب الشاه وعلى مسافة ميل تقريباً خلفه شاهرين سيوفهم لفرض نظام القرق. وكان الشاه يُسرّي عن نفسه طوال الرحلة بجلد البغال التي تُقِلُّ النساء وبضربها، بحيث تثور البغال وتركل وتُسقط ركابها على الأرض. القرون الأربعة يروي مؤرخ نادر الرسمي أن نادراً رأى في منامه في ليلة عودة طهماسب، طائراً مائياً كبيراً، فأطلق عليه النار ببندقيته، فأصابه وأسره. ثم رأى بركة فيها نافورة، ورأى في البركة سمكة كبيرة بيضاء تبرز من رأسها أربعة قرون. فأمر خدمه بالإمساك بها لكنهم لم يتمكنوا. فمد يده بنفسه في الماء، وتمكن من الإمساك بها. وعندما أخبر أصدقاءه في اليوم التالي بما رآه في الحلم قالوا له إن الإمساك بالطيور والأسماك في الحلم تعني أنه سيصير حاكماً على امبراطورية. وفسّروا له القرون الأربعة الموجودة على رأس السمكة بأنها بلاد فارس والهند وتركستان وخوارزم.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©