الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عزة أبوالسعود: الخط العربي أقوى أشكال التجريد

عزة أبوالسعود: الخط العربي أقوى أشكال التجريد
7 سبتمبر 2010 22:31
منذ عام 1975 وعقب تخرجها في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية بعام واحد، بدأت الفنانة التشكيلية عزة أبو السعود ترتبط بالتراث الفني الإسلامي كمصدر وإلهام في أعمالها الفنية ودعم بحثها العلمي لنيل درجة الماجستير عام 1982 توجهها نحو الحضارة الإسلامية، حيث كان يبحث في “الجذور الشرقية للطباعة الأوروبية “ لتؤكد شرقية الأصل، والدور الذي لعبه العرب في نقل جذور مفردات الطباعة من ورق وأحبار وقوالب طباعية وطرق الحفر عليها، حيث انتشرت طباعة القوالب الخشبية البارزة في مصر منذ العصر الفاطمي، وظهرت الكتب المطبوعة الأولى في هذا المجال في أوروبا فيما توقف إنتاجها في مصر التي عرفت طباعة الكتب بالقوالب الخشبية في وقت متقارب جداً مع طباعة أول كتاب صيني عام 968. وقالت إن الفن الإسلامي فن جامع، قائم على تحقيق فكرة الفنان الخاصة بالتعامل مع العلاقات المجردة وأن سماته لا تخطئها العين من حيث تمييز الزمن والمكان؛ لما به من وضوح وصدق كفن حضارة وليس مرحلة انتقالية أو أسلوب محدد. وأكدت أن الحضارة الإسلامية بفنونها المختلفة هي حضارة دوام وستظل العمارة الإسلامية التي تُزيّن بالعناصر الزخرفية الإسلامية عمارة الصفوة، التي تعتمد على تحليل ما تراه العين وليس على تقليد ما تراه، وهو المنهج الواقعي في الفنون الأوروبية الذي انتهى إلى الفلسفة المادية وسبق إليه الفنان المسلم، حيث تعامل مع عناصر الطبيعة المختلفة بعد دراسته لإبعادها وحدودها، ثم أضاف إليها من نفسه بالتحليل والتحوير دون أن يفقدها طبيعتها، مما يجعل المشاهد لعناصر التوريق الإسلامي النباتية يرى عشرات الأوراق النباتية وكأنها ورقة واحدة، وهو ما يبعث على التأمل الذي يؤدي إلى اكتشاف التنوع والابتكار الناتج من عملية الاستمرار والتكرار للعنصر الواحد بشكل غير متماثل مهما كثر عدده. الخط العربي وقالت الفنانة التشكيلية عزة أبوالسعود إن الخط العربي هو أنقى أشكال الفن التجريدي، من حيث إنه يجمع كافة أسس التصميم المعاصر في أشكاله المختلفة، سواء أكان هندسيا أو عضويا، وذلك بتحقيقه لمفردات الحركة والسكون والإيقاع والتماثل والتضاد والتجانس والتنوع والاتزان والكتلة والفراغ، وشأنه كأي مثير جمالي في القدرة الابتكارية لدى الفنان الذي يتناوله وطريقة توظيفه فنيا. وأضافت أن الخط المرسوم أوالمحفور من أصدق عناصر التشكيل تعبيرا عن الذات، وهو الأساس الذي يحدد جمال العمل الفني، وأن رسم الخطوط سوف يظل واحدا من أكثر العناصر أساسية في الفنون المرئية حتى في فن النحت، وهو الفن الذي لا يعتبر مجرد كتلة وإنما كتلة ذات خطوط خارجية والخطوط بتنويعاتها المتعددة المنبثقة عن الخط المستقيم والخط المنحني قيم تعبيرية فنية تعبر عن ذات مبدعها، فتحيل كل ما يحيط بها من أشكال ومعان إلى عالم مجرد خاص ينشد التوافق والانسجام، فالشجرة والزهرة والرجل والمرأة والدين والحب والكبرياء خطوط ومساحات وألوان وملامس ينظمها الفنان في حيز ما وفقاً لأحلامه ولرؤيته الذاتية. وأكدت الدكتورة عزة أبوالسعود أن فترة السبعينيات من القرن الماضي هي البداية الحقيقية للتعامل مع الحرف العربي لإنتاج فن مصري يتسم بصفة القومية، مشيرة إلى الدور الرائد للفنان الراحل أحمد ماهر رائف الذي كان رئيسا لقسم التصميمات المطبوعة بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، موقعها الحالي، حيث عاش في ألمانيا سنوات طويلة، إلا أنه عاد مصريا شرقيا مسلما، وأحدث تغييرا في مجال الفن التشكيلي بعد أن طرح عدة إشكاليات منها خطأ الاقتباس أو تقليد أنماط فنية تنتمي إلى مجتمعات أخرى دون إدراك أن هناك ارتباطا جوهريا بين تلك الأشكال وظواهر المجتمع المحيطة به زمانا ومكانا، كما أن الاستعمار الأوروبي هو بالأساس استعمار فكري يهدف إلى طمس الشخصية العربية، وكان من نتائجه ظهور أول معهد لتعليم الفنون في مصر على نمط ما هو كائن في أوروبا. وأضافت أن الفنان ماهر رائف دعى إلى إعمال العقل بالتحليل والتنظيم، إلى جانب الإحساس والتعبير، ونادى بوقفة كانت هي الأولى من نوعها آنذاك، حين أثار قضية مدى جدوي رسم الجسد العاري، الذي كان مادة أساسية في كل كليات الفنون في مصر، موضحا أن النسب الجمالية إنما توجد في كل الكائنات الحية التي خلقها الله سبحانه، وأن رسم الأشخاص إنما يرتبط بالعقيدة لدى الغرب، في حين أن قمة التبجيل في الشرق تكمن في التجريد، وهو ما كان مثيرها الأول لإنتاج فن قومي يعتمد على رفض الأساليب التعليمية المستوردة من الغرب كمحاولة لاستلهام قيم ورؤى جديدة، بالاتجاه نحو التركيز على تحليل الحروف العربية وتوظيفها في تشكيلات جمالية جديدة. وأوضحت أن الفن هو استقطاب لشتى فروع العلم، سواء أكان طبيعيا أو رياضيا، فقد شهدت العصور الإسلامية الأولى وجوب أن يجمع الكاتب بين فن الكتابة والخط كي يصبح كاتبا، وهما مجالا الفنان المسلم للتعبير والتأليف على السواء وهو ما سار على دربه كمثل أعلى أغلب فناني عصر النهضة الأوروبية فيما بعد. لحظة الإبداع تؤكد د. عزة أبوالسعود أن الفنان العربي لكي يصل إلى العالمية عليه أن يثق بامتلاكه إرثا حضاريا مختلفا وعليه أن يدرس ويفهم الفن الإسلامي بكل أبعاده، ويدرك أنه فن مرن، وقابل للتطور بتطويعه من خلال أحدث الوسائط التقنية المعاصرة، مشيرة إلى احتياج الفنان العربي إلى إعادة قراءة ورؤية تراثنا الإسلامي، ودراسة رؤية الفنان المسلم لعناصر الطبيعة المختلفة للوصول إلي طريقته الصادقة في الأداء وإيمانه بما يقوم به من خلال عقيدة ثابتة، فهو لا يكتب لفظ الجلالة إلا إذا تمكن الإيمان من قلبه وأحست به مشاعره، وكان متوضئا، وتلك هي الحالة التي نطلق عليها الآن “لحظة الإبداع”، كما أنها وحدة الفنان مع ذاته التي ينشدها جميع الفنانين في عملهم الفني، وهو ما يحتاج من الفنانين المعاصرين وقفة متأنية باعتبارهم أصحاب مفردات شكلية تتفق مع ذاتهم وعقيدتهم.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©