الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المدينة العجيبة

14 يونيو 2011 19:52
تجوب شوارع منهاتن متسكعاً بين أزقتها وأسواقها، ليس لديك هدف محدد غير التسكع، غير أنه قد يكون من أجل بحث لا شعوري عن قلب تركته في هذه المدينة قبل سنوات، أو ربما يكون من أجل إعادة استكشاف المدينة العجيبة التي تعانقك وتحتويك فتجذبك إليها لدرجة التماهي ولدرجة أن تصبح جزءاً من نسيجها الاجتماعي ومن يومياتها السريعة التي تسابق الزمن، لدرجة جعلت المدينة بالكاد تحتفظ برموز وبصمات متفرقة من تاريخها الذي يعود إلى القرن السادس عشر، عندما اكتشف جيوفاني دي فيرازانو ميناء نيويورك عام 1524. وبعد مائة عام تأسست أول مستعمرة هولندية في مدينة فورت أورانج التي تحولت حالياً إلى مدينة ألباني عاصمة ولاية نيويورك، وقام شخص يدعى بيتر مينويت بشراء جزيرة مانهاتن من الهنود الحمر في العام نفسه، وأسس مستعمرة نيو أمستردام التي احتلتها القوات البريطانية عام 1664. الناس هنا يصحون مبكراً، فترى الزحام يبدأ من السادسة صباحاً، في حين أنك تكون قد خلدت للنوم والمدينة لا تزال صاخبة، كأنها مدينة لا تنام أبداً. وصلت إلى الجادة الخامسة، التي تعتبر أشهر شارع تسوق في العالم، والذي يرتاده المشاهير والنجوم، وأكملت إلى برودواي، حيث المسارح والمعارض الفنية التي لا تجد فيها ما يشد اهتمامك من عروض مسرحية فتكمل التسكع من أجل قتل الوقت، فتجد نفسك وقد وصلت إلى تشاينا تاون، التي لا تختلف كثيراً عن بقية الأحياء الصينية، التي تتوزع على مدن العالم، تتركها فليس بها شيء جديد، لتذهب إلى سنترال بارك لتمضي بقية اليوم تراقب الناس والعشاق، فتشعر بالحسرة وتقرر مغادرة المكان، وفي طريق العودة إلى مقر إقامتك تعرج على نهر هدسون لعلك ترى مشهداً جميلاً، لكن الشمس قد شارفت على الغروب، وسرعان ما تمتد ظلال الليل إلى المكان فتحيله إلى مكان موحش يشعرك بقشعريرة سببها ربما تيارات الهواء الباردة، أو ما سمعته من قصص مخيفة عن الليل في ضواحي نيويورك؛ فتعود إلى الفندق فأمامك سفر طويل في الصباح الباكر، ولابد أن تخلد للراحة لتلحق بالقطار الصباحي السريع الذي يفترض أن يحملك إلى العاصمة واشنطن. لكن النوم يجافيك كالعادة، لأنك أصبت بعدوى أرق المدينة، ولأنك تعتقد أنك قادر على مجاراتها واللحاق بإيقاعها السريع فلا تستطيع، فتجد نفسك تعود إلى شوارع المدينة في منتصف الليل، تدخل مقصفاً قريباً لتساهر البائع التونسي ومديره الصيني قبل أن يدخل زبائن من رجال الشرطة الساهرين على أمن المدينة فتنسحب بهدوء حتى لا تثير تساؤلات تجرك إلى مناطق ومصير مجهول. rahaluae@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©