الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسرار دافنشي في أبوظبي

أسرار دافنشي في أبوظبي
12 يونيو 2013 20:03
قامت حياته على ثلاثة عناصر غامضة، شغل الناس قديماً وحديثاً حتى أنه حمل هذا الغموض إلى قبره، رجل مليء بالأسرار التي يبدو أنه كان مستمتعاً بخفائها العميق التي كان لا يعرفها أحد إلا هو. في البدء كان غامضاً في اللوحة (الفن) ........وكان غامضاً في الاختراع (العلم) ........وكان غامضاً في سر لاهوتي (الدين) في لوحته “الموناليزا.. الجيوكندا” قدم غموضه من خلال وجه امرأة تاجر إيطالي فجعله محيراً ما بين الرضا والقبول، “الابتسامة اللامرئية”، والرفض والممانعة “صرامة الملامح”، تلك اللوحة وهذا الهدوء الطاغي تحيَّرت فيه البشرية، حتى أنهم نسجوا الحكايات حولها، وأبدعوا صنوفاً من القص حول تلك المرأة التي لم تعرف ابتسامتها، أهي عن رضا أم عن حيرة. الغموض 1 رسمها في عام 1503م وأكملها بعد أعوام ثلاثة أو ربما أربعة أو ربما سبعة كما يقال. وما بين نظرة عينيها وابتسامتها الغامضة، تحيَّر الرسام نفسه في أن يغلب إحداها على الأخرى بوصفهما صفتين متلازمتين في وجهها الإيطالي الرائق. إن الموناليزا لم تشتهر لما أشيع من أجل ابتسامتها وجمال السيدة التي تظهر فيها، إنما اشتهرت هذه اللوحة لحب ليونادو للوحة فكان دائماً ما يأخذها معه في ترحاله كما قيل، كما ان اللوحة ليست لسيدة كما قيل ايضا، كما ان ليوناردو أبان ذلك بعدة دلائل منها: أولاً: إذا دققت في الوجه المرسوم تجد أنها ليست سيدة، وقد برع ليوناردو في التفريق بين الجنسين في رسمه. ثانياً: دل الى ذلك من الاسم (موناليزا) فهو مكون من قسمين (مونا) و(ليزا)، و كما هو معروف ان (مونا) هو إله اتخذه الفراعنة وكما كانوا يعدّونه إله الشمس، و(ليزا) إله آخر عند الفراعنة. هكذا جمع دافنشي بين الجنسين في رسمة واحدة لأنه دائماً ما كان يسعى للتوحيد بين الأنثى والذكر بحسب المصادر التحليلية. كما أنه يقال ان في هذه اللوحة كان دافنشي يجسد نفسه، فوجد علماء الآثار العديد من التشابهات بين شكلي دافنشي والوجه المرسوم في اللوحة ضمن أجزاء بسيطة تم تأويلها. استخدم ليوناردو تقنيتين هامتين في هذه اللوحة، حيث كان رائد هذه التقنيات ومعلمها وهي: الأولى، سفوماتو وتعني تقنية تمازج الألوان، وهي وصف الشخصية أو رسمها ببراعة وذلك باستخدام تحولات الألوان بين منطقة وأخرى بحيث لا تشعر بتغيير اللون مشكلا بذلك بعدا شفافا أو تأثيرا مبهما، وتجلت هذه التقنية بوضوح في ثوب السيدة وفي ابتسامتها. والثانية، كياروسكورو وهي تقنية تعتمد على الاستخدام الأمثل للضوء والظلال لتكوين الشخصية المطلوبة بدقة عالية جدا. وتظهر هذه التقنية في يدي السيدة الناعمتين حيث قام ليوناردو بإضافة تعديلات عبر الإضاءة والظل مستخدما تباين الألوان لإظهار التفاصيل. هذه اللوحة ولوحة “العذراء والمسيح” أخذت عن الأصل تعرض الآن في قصر الإمارات ضمن المعرض الذي أقامته السفارة الإيطالية. الغموض2 لابد لنا أن نفهم سر اكتشاف هذا الرجل لتلك المخترعات البشرية الرائعة، ربما ننظر إليها الآن على أنها ملامح لموضوعات سائدة لدينا، متداولة إلى حد لا يجهلها طفل القرن الواحد والعشرين، غير أن فضيلتها وابتكارها أنها قدمت قبل 600 عام، كانت كل العوالم لا تزال تمارس فعلها في عصر أُطلق عليه «عصر النهضة». في المعرض الذي افتتح الأسبوع الماضي في قصر الإمارات والذي أقامته السفارة الإيطالية في أبوظبي نجد ذلك السر الغريب في هذه الاختراعات التي قدمها ليوناردو دافنشي للبشرية، 40 تصميماً هندسياً لآلات في مختلف صنوف الحياة التي رغب الإنسان أن يستخدمها في 10 لوحات تشكيلية. هنا تجاور التصميم العلمي مع الفن التشكيلي، حتى أننا نشعر أن دافنشي كان يقدم للبشرية فن الصفة، والخط الهندسي وابتكار الماكنة الميكانيكية في مختلف صنوف المعرفة والمهن، الزراعة، البحر، الطيران، الحرب، وكأن دافنشي يقدم لنا فلسفة كاملة في علم الميكانيكا، هذا بالاضافة إلى شروحاته أسفل كل رسمة هندسية بخط يده وهو يقدم الرسمة بلغة مشارحة. قدم دافنشي اعمل الفني متجاوراً مع العمارة وهندسة الآلة، وبناء الجسور وكأنه يشعرنا بما في داخله من فكر وهندسة وفن. رجل يخرج من عصر لآخر وهو أكثر شهرة، رجل لا يقف عند حدود المعرفة المسيجة بالبعد الواحد، بل نراه وقد عبر أسوار تلك المعرفة إلى آفاق لا نهائية تتجاوز الحدود الوهمية أو الواقعية. 40 تخطيطاً هندسياً هي جزء من ابتكاراته، نفذت فيما بعد بالخشب الساج ضمن آلات تتصل بكل شيء في الحياة. آلات لسحب المياه من البئر بشكل مبسط يعتمد نظام العتلات المركبة والدولاب الملفوف حوله حبل طويل يرتب بآلة يدوية تنتقل من خلالها العزوم بشكل متوال حتى لتصل إلى قعر البئر حيث المغرفة التي تحمل الماء إلى فوهة البئر. آلة أجنحة الطائر التي تتحرك على جانبي جسد يربط الجناحين ببعضهما بينما يتحلق الرجل فيها وهو يهز الجناحين إلى الأعلى والأسفل. عندما نُشرت مخطوطات ليوناردو لأول مرة في نهاية القرن التاسع عشر دُهِش القراء من كثرة الصفحات المكتظة بالاختراعات التي لم تنفذ إلا بعد مئات السنين، ولكن ما إن انتصف القرن العشرون حتى حدث تحوُّل في وجهات النظر. فالمؤرخون أشاروا إلى أن ليوناردو يدين كثيرا للمخطوطات الهندسية التي تركها علماء عصر النهضة الذين سبقوه وإلى أنه كان عنصر استخراج أو اشتقاق فقط. ويبدو أن دافنشي كان مسحوراً بالعجلة وقد انتبه مبكراً أن العجلة (مع احتفاظنا بالرأي الآثاري الذي يسند اختراع العجلة إلى الحضارات الشرقية) هي محور اشتغالاته على الآلات في مختف صنوف المعرفة العلمية سواء أكانت زراعية أو بيتية أو صناعية. كل شيء يندرج في إطار العجلة أو “الدولاب” المسنن، إذ تتعشق الآلات ـ ولحد هذه اللحظة في اختراعات الدواليب المسننة المتعشقة التي تنقل الحركة ـ مع بعضها لتخلق عزوماً فكلما كان التعشيق أكثر سرعاً كلما أصبحت العزوم أكثر قوة. ويعد دافنشي من أوائل علماء الحركة والماء ومخططاته حول شبكة نقل المياه من الأنهار تعد عملية وذات قيمة فيما لو طبقت، كما اخترع العديد من الآلات منها العملي ومنها غير العملي، مثل بزة الغوص تحت الماء وجهازه الخاص للطيران مع أنه غير عملي إلا أنه يعد أول أبحاث الحركة والهواء. وربما نتساءل هل كانت كل هذه الابتكارات من صنع خيال دافنشي حيث ابتكرها أم أن ثمة علامات وآلات بسيطة وأفكاراً كانت متداولة آنذاك في عصر دافنشي أو قبله. حسناً لننظر إلى ساعة دافنشي وحلزونها الدائري وخيطها الذي يحمل ثقلاً رصاصياً والموجودة في المعرض بقصر الإمارات بأبوظبي، فإننا نجد هذا الفنان والعالم البارع وقد حسب الثانية الواحدة أو مجموعها بعدد معين خلال حركة البندول الدائري. قدم دافنشي آلة الحياكة التي تعتمد نظام الدواليب كما قدم آلة طحن الحبوب وقدم آلة التزلج على الجليد، والمدق ذا الرأس المدبب بين الكرات الأربع، والعربة التي تجر المدفع والمنجنيق المعتمد على العتلة والدواليب المسننة ناقلة الحركة. دوامة الريح والطائرة المقترحة، وأدوات السباحة والجسور وانشداد أقواسها هي ابتكارات دافنشي. لقد أدخل هذا الفنان كل مفاصل الحياة في الابتكار الهندسي، وأهمها آلات الحلج القطني والمنجنيق المرتبط بالدولاب المسنن والعتلة الموقفة لحركة الدولاب في مسارها الطردي لا العكسي والعجلة الهوائية “البايسكل” التي أصبحت فيما بعد إحدى أهم علامات القرون اللاحقة كونها أداة سريعة للتنقل ولا تعتمد على البنزين بالاضافة إلى رياضيتها. دولاب الإغلاق وعلى الرغم من أن عددا من المخططات التي أنجزها ليوناردو، والتي مازالت موجودة حتى يومنا هذا، دفع بعض المؤرِّخين إلى القول بأن دا?ينشي هو مخترع دولاب الإغلاق، فإن البعض الآخر من المؤرخين لم يوافق على ذلك. يقول المنكرون إن أقدم إنتاج موثّق لدولاب الإغلاق قد تم في بلاد أبعد شمالا، وهي ألمانيا، وقد خَلُص هؤلاء الباحثون إلى أن ليوناردو لا بد وأن يكون قد رسم تصميمه الخاص بدولاب الإغلاق بعد سماعه عن التطورات الألمانية في هذا الشأن. يشكّل دولاب الإغلاق وسيلة ميكانيكية توفر الشرارة اللازمة لإشعال المركبات القابلة للاشتعال، وعلى وجه الخصوص البارود. وفي تصميم حديث يمكن تعرّف دولاب الإغلاق في معظم ولاعات السجائر، أما في عصر ليوناردو فإن دولاب الإغلاق كان يستخدم أساسا في الأسلحة النارية الصغيرة، مثل البندقية التي يمكن حملها وإطلاقها بوساطة فَرْدٍ واحد. وكانت هذه البنادق تتكوّن من ثلاث قطع: المفجّر المعروف والمقبض الخشبي والماسورة. تقوم الماسورة الأسطوانية الطويلة للبندقية باحتواء مسحوق البارود والطلقة، وبتوجيه القذيفة عند إطلاق البندقية. ويثبّت جهاز الغلق في مؤخرة الماسورة، أما المقبض فيشكل الجزء الخشبي للبندقية، وهو الذي يمسك القطعتين الأخريين معا. كان ليوناردو مهندسا كما كان أيضا معماريا، ومعظم الدلائل أثبتت أنه كان معلماً ولديه تلاميذ في ميلانو حيث من المفروض أنهم المقصودون ضمن رسائله المتعددة المعروفة بـ “أبحاث حول الرسم” فصنع قاذفات القنابل والمدافع والسفن والعربات المدرعة إضافة للمنجنيق وأدوات حربية أخرى. العجلة الهوائية دولابان مرتبطان بمحورين أمامي وخلفي وبجسد رابط من الوسط يبعد الدولابين عن بعضهما، هي الملمح الأول لابتكار العجلة الهوائية الحديدية، هذه الفكرة اعتمدت على فكرة الدولاب الدائري “العجلة الدائرية” وربط العجلة الخلفية بزنجيل متحرك وسط دولاب صغير وسطي وآخر في جسد العجلة الخلفية عند مركزها، هذا الابتكار اعتمد صلة الجسد الخلفي بالوسط، على أن يبقى الجزء الأمامي سائباً. تلك هي عبقرية الاكتشاف هذا، وهذا نفسه ما أعطى المعرفة المتخصصة في ابتكار السيارة دفعاً حينما جعل مقود السيارة في حركة سائبة تشبه حركة مقود الدراجة الهوائية. وعمل ليوناردو على تصميم الدراجة في التسعينات من القرن الخامس عشر، حيث تظهر السلاسل ذات الوصلات المسطحة وآليات الكبح في دراجته، وتظهر مرة أخرى في دواليب الإغلاق التي اخترعها. وقد ورد رسم بدائي لدراجة في مذكرات ليوناردو كان قد نُسب إلى أحد تلامذته، إلا أنه يُعتقد أن ذلك يعكس عملا سابقا على الدراجة وأجزائها. وهناك عدة مشكلات تتعلق بهذا الرسم، لا سيما ما يخص الدواسات ونظام التوجيه وآلية سلسلة القيادة. «روبوت» دافنشي من الصعب أن نتخيل وجود هذه المعرفة في القرن الخامس عشر، من الصعب أن نتخيل تمثلها حين كانت الحروب تجري بطريقة بدائية بشعة، بينما كان ثمة رجل يفكر بمخترع يطير فيه الإنسان بالهواء، أو الإنسان الروبوت “الآلي” أو الثماني آلات العرية التي تشبه الدبابة، أو أجنحة طائرة تحلق و”مظلة” (باراشوت يحلق) وآلات مائية تشمل أنبوباً يتنفس من خلاله ونظاماً للمشي على الماء. قدم دافنشي فكرة الحجرة المتحركة بين رأسي الجبل أو ما يطلق عليها «التلفريك» حيث يربط الحبل الحديدي قمة جبلين وبينهما وادٍ وثمة حجرة معلقة، تتحرك بانشداد جبلين، كل واحد منهما يرتبط بحبل وتنسحب الحجرة إليه في حال سحب الحبل بالاتجاه المعاكس. القارب والمجاديف كان انشغال دافنشي بالبحر، أو لنقل بالسرعة بشكها العام في البحر أو البر أو عبر سرعة القذيفة من فوهة مدفع أو سرعة رفع المياه وسهولته من قاع البئر حتى فوهته أو سرعة النول وهو يحلج القطن أو سرعة دق وطحن الحبوب وبشكل سهل كانت كل تلك الأشياء تسبب له هياماً في الابتكار. ومن خلال القارب الذي ثبتت على جانبيه 6 مراوح تدور في محور، هذا المحور يحمل على طرفيه الأيمن والأيسر 6 مراوح أخرى أي جميع المراوح في القارب هي 12 مروحة تضرب وجه البحر بدلاً من جهد الإنسان وكل ذلك يتم عبر نقل الحركة بالعزوم المتلاحقة مما تؤدي إلى اندفاعة القارب بشكل أسرع. الغموض3 هل كان السر اللاهوتي الذي حافظ عليه دافنشي العنصر الثالث في تشكل حياته، حينما احتفظ بسر فرسان المعبد في رسمته الشهيرة “العشاء الأخير” وحينما رسم الكأس المقدس بما فيه من غموض “مريم المجدلية” ووجودها في اللوحة أو عدمه؟ ذلك هو العنصر الغامض الذي لم يورّق دافنشي فقط وإنما أرّق البشرية وما زال.. نظرية الطيران من خلال أعمال دافنشي في معرض الآلات الهندسية بقصر الإمارات لابد لنا أن نتساءل ماهي أبرز نظرية لهذا الرجل؟ ويجيئنا الجواب سريعاً بأن الطيران هي النظرية الأقرب إلى ذهنه، إذ أنه ألف كتاباً في الطيران يشرح فيه كيفية طيران الطيور وكيفية تحرك أجنحتها! ومن الغرابة التي لا يعرفها أحد أن هناك من يقارن ليوناردو دافنشي بالبرت اينشتاين ولا يعرف المقارن نفسه أيهما أكثر براعة في الابتكار وتعدده. جمع دافنشي الرسم والموسيقى والمخترعات والهندسة والنحت وكل تلك العلوم انضوت لديه تحت العمق الفلسفي في ذاته حيث يقول كاستيلون: “من الطريف جداً أن الرسام الأول في العالم كان يكره الفن وقد انصرف إلى دراسة الفلسفة، ومن هذه الفلسفة تكونت لديه أغرب المفاهيم وأحدث التصورات، ولكنه لم يعرف أن يعبر عنها في صوره ورسوماته».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©