قبل نحو 150 عاماً كتب الروائي البريطاني الكبير تشارلز ديكنز رائعته الشهيرة 'قصة مدينتين' التي دارت أحداثها بين مدينتي لندن وباريس متناولة واحدة من أهم الحقب في تاريخ البلدين إبان الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر· أما الان فقد أعيد تقديم هذه القصة الخالدة من جديد ولكن من خلال كرة القدم الإسبانية·
فقبل ثلاث سنوات تقريباً وتحديداً في يونيو 2003 تعرض نادي برشلونة الإسباني لأزمة كبيرة· حيث كافح فريقه المفكك آنذاك من أجل أن يتأهل لبطولة كأس الاتحاد الأوروبي أما انتخاباته الرئاسية فلم تخل من المرارة والانقسامات الشديدة أيضا· وفي الوقت ذاته كان ريال مدريد يحتفل بإحرازه لقبه التاسع والعشرين في مسابقة دوري الدرجة الأولى الإسباني وكان قد وصل للدور قبل النهائي من بطولة دوري أبطال أوروبا· وبدا انضمام النجم الانجليزي ديفيد بيكهام لصفوف ريال مدريد وقتها ضماناً آخر للفريق ليس فقط لمواصلة هيمنته على الملاعب المحلية والاوروبية فحسب وإنما لحصد مستقبل مشرق فيما يتعلق بالجانب التجاري والإعلاني بالنادي وصورته العالمية·
واليوم بعد مرور ثلاث سنوات على هذا المشهد انقلبت الاوضاع تماما بين مدينتي مدريد وبرشلونة لدرجة ربما ترسم الدهشة على وجه ديكنز لو كان قد نظر للتغييرات التي طرأت على كرة القدم الإسبانية خلال السنوات الثلاث الماضية· فريال مدريد يعيش حالياً في ظل فوضى عارمة سواء على البساط الأخضر أو خارجه بينما يسير برشلونة بخطى ثابتة نحو إحراز لقبه الثاني على التوالي في الدوري المحلي· وقد حجز مكانه بالفعل في نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا لهذا الموسم· وتجلى تناقض الأوضاع في الناديين الإسبانيين العملاقين بصورة أكثر درامية· فبينما كان برشلونة يحجز تذكرة ذهابه إلى باريس حيث سيجري نهائي دوري الأبطال في 17 مايو المقبل بتعادله مع آيه سي ميلان الإيطالي بدون أهداف كان رئيس ريال مدريد فيرناندو مارتن يعلن استقالته من منصبه ليجر النادي إلى المزيد من الفوضى والارتباك·
لم يشغل مارتن المنصب الرئاسي بريال مدريد لأكثر من شهرين منذ الاستقالة المفاجئة لرئيس النادي السابق فلورنتينو بيريز في فبراير الماضي· وكان مارتن يخطط للبقاء في منصبه لمدة العامين المتبقيين من فترة ولاية بيريز الثانية حتى عام 2008 الا أن مجلس مديري النادي الذي عين بيريز جميع أعضائه كان له رأي آخر·
ففي اجتماع المجلس الذي امتد لأربع ساعات أطاح المجلس بلا رحمة بمارتن من منصبه وأحل محله عضواً يكاد لا يعرفه أحد هو لويس جوميز مونتيخانو 84 عاماً وهو أكبر أعضاء المجلس سناً·
وستكون المهمة الرئيسية لثالث رئيس لريال مدريد خلال ثلاثة أشهر هي تنظيم انتخابات رئاسية جديدة بالنادي الذي يعاني من الاضطرابات وهو ما كان مارتن يرفض القيام به· وستجرى هذه الانتخابات على الأرجح في الثاني من يوليو المقبل·
وحتى هذا التاريخ ستستمر الفوضى داخل أرجاء النادي الإسباني الكبير حيث لن يتمكن جوميز من ضم لاعبين جدد للنادي أو تعيين مدرب جديد للموسم المقبل بالإضافة لتنافس المرشحين للمنصب الرئاسي في الإعلان عن النجوم الذين ينوون ضمهم لريال مدريد في حالة فوزهم في الانتخابات· وأعلن رجلا الأعمال أرتورو بالداسانو وأنطونيو مارتينيز لاريدو بالفعل ترشيح نفسيهما لرئاسة ريال مدريد· وكذلك فعل سائق سباقات الرالي السابق كارلوس ساينز· ولن يتخلف مارتن نفسه عن الترشح للرئاسة مجدداً برغم أن أسهمه باتت منخفضة الان· فقد أصبح على خلاف مع بيريز أيضا عندما أعلن الاخير أن مارتن هو من قاد نفسه إلى حافة الهاوية بالأمس· أما بيريز فلا يبدو أن المجال سيفسح له ترشيح نفسه هذه المرة فوفقاً لما نشرته صحيفة 'ماركا' في عددها الصادر اليوم الخميس 'سيكون ترشيح بيريز نفسه في الانتخابات المقبلة بعد استقالته وتسببه في هذه الفوضى العارمة من قبيل الهراء والعبث'· ولكن صحيفة 'آس' المنافسة أكدت أن بيريز 'يفكر جدياً في العودة إلى كرسي الرئاسة'· وبصرف النظر عما سيحدث في ريال مدريد ليس هناك ثمة شك أن صيف طويل ساخن عامر بالمشاكل سيكون في انتظار النادي العريق· وعلى الجانب الآخر سيكون برشلونة غارقاً في احتفالاته بلقبه الجديد ببطولة الدوري المحلي· ومن يدري ربما تشمل احتفالاته أيضاً فوزه بثاني ألقابه في بطولة دوري أبطال أوروبا·
عدد اليوم
