الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من الصين إلى جزر القمر

من الصين إلى جزر القمر
12 يونيو 2013 20:10
أربعة عناوين جديدة منحت سوق النشر الفرنسية خلال الأسابيع الأخيرة حيوية بالغة، كونها تعطي لمحات عن عوالم غير مطروقة بالنسبة للقارئ. أول تلك الكتب ينقل صورة عن دولة جزر القمر، التي كانت مستعمرة فرنسية وشهدت صراعات شبه مجهولة بالنسبة للكثيرين بعد الاستقلال. وينقل الكتاب الثاني شهادات عن عالم العمليات السرية، الناجحة والفاشلة التي نفذتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية، وعلاقاتها مع السياسيين. ويلقي الكتاب الثالث الضوء على مثلث اقتصادي عملاق تجمعه روابط ومصالح هو الصين والهند وإفريقيا. أما الكتاب الرابع فهو شهادة شخصية مؤثرة عن المرض الذي عصف ببطل شهير برياضة سباق الدراجات في فرنسا. حمادة مادي الملقب بـ”بوليرو” مؤلف هذا الكتاب، تولى منصب مدير ديوان عثماني غزالي رئيس جمهورية جزر القمر بين 1999 و2006، كما تولى أيضا منصبي رئيس الحكومة وأمين عام الحزب الجمهوري، ومناصب أخرى من أهمها وزير الدفاع والأمن القومي. وقد نشر هذه الأيام باللغة الفرنسية الجزء الأوّل من مذكراته التي أعلن أنها ستتضمن ثلاثة أجزاء خصصها للكشف عن كواليس الحكم خلال الفترة التي مارس فيها السلطة في بلاده. وجاءت مذكرات حمادة مادي (بوليرو) الصادرة باللغة الفرنسية تحت عنوان: “في خدمة جزر القمر: واجب الإصداع بالحقيقة”، وقد أشار المؤلف إلى أنه ولأول مرة منذ استقلال دولة جزر القمرعام 1975 ينشر رجل سياسة من داخل الحكم شهادة عن أحداث عاشها ويحلل مواقف ساهم في اتخاذها. وقد استعمل الكاتب في مذكراته ضمير المتكلم معتبرا ان ما دوّنه هي شهادة للتاريخ، وقد خصص الفصل الأول للتعريف بنفسه وتقديم نبذة عن سيرته الذاتية، مشيرا إلى أنه درس في الاتحاد السوفييتي (السابق)، وأنه تم انتخابه في مدينة “كييف” الروسية رئيسا لمجلس الطلبة الأجانب، وكان عددهم أيام دراسته يناهز الأربعة آلاف طالب ينتمون إلى أكثر من مائة جنسية. وقد سعى المؤلف في جل فصول الجزء الأول من مذكراته الى الكشف عن خلفيات وأسرار المفاوضات التي جرت مع المطالبين بالانفصال عن الدولة الأم، وقد سبق أن أعلنت جزيرتي “أنجون” و”موهيلي” الانفصال عن الدولة الاتحادية ومطالبتهما بالانضواء تحت لواء فرنسا التي كانت مستعمرة للبلاد، وهذه أول مرة تطالب فيها حركة انفصالية بعودة الانضمام الى الدولة التي كانت مستعمرة لها. وقد قاد حمادة مادي الوفد الحكومي للمفاوضات العسيرة مع الانفصاليين. والمؤلف يحلل من موقعه كشاهد عيان ومشارك في تلك المفاوضات، كل ما أحاط بها من مناورات وتدخلات وهو يبيّن الدور المشبوه وغير النزيه الذي لعبته المجموعة الدولية في هذا الملف الساخن، وقد كادت تلك المفاوضات أن تفشل بسبب مواقف من يسميهم بالراديكاليين، إلا أنه تم في النهاية إبرام اتفاقية “فومبورني” في 17 فبراير 2001 بين رئيس جزر القمر وقتها العقيد غزالي عثماني والعقيد عيد باسم الانفصاليين، علما بأن العقيد غزالي قام بانقلاب عسكري عام 1999 وتولى الرئاسة الى عام 2006. والمؤلف أصبح بعد الانقلاب الرجل القوي، متمتعا بثقة الرئيس. وقد وعد حمادة مادي بنشر الجزء الثاني من مذكراته لإبراز المزيد من الخفايا والحقائق. ويقدم رئيس الحكومة القمرية السابق، نفسه في هذا الجزء من مذكراته، على أنه من أنصار الوحدة الوطنية لجزر القمر، وأنه معارض معارضة شديدة لانفصال أي جزير ة من جزر القمر عن الوطن الأم، وهو يرى أنه بكتابه هذا يساهم في إرساء تقليد هدفه مصارحة الشعب بخفايا القرارات السياسية والاقتصادية التي تتخذها الحكومات عموما بدون شفافية. ويؤكد المؤلف ان جزر القمر، وككل دول العالم الثالث وجل الدول الأفريقية، تعاني من الفساد المالي الى درجة ان الدولة تجد صعوبة أحيانا في دفع رواتب الموظفين وهو ما أدى الى انتشار الرشوة. وان هذه هي بعض أسباب مطالبة بعض الجزر بالانفصال، والمطالبة بالانضواء تحت لواء فرنسا. والحقيقة ان هذا هو مثال لفشل النخب السياسية الافريقية في حسن إدارة حكم بلدانها بعد نيل استقلالها، فالجزر المطالبة بالانفصال هي جزر يعاني سكانها من الفقر والتهميش. وجزر القمر التي هي دولة عضو في جامعة الدول العربية منذ 1993 تضم أربع جزر بحرية هي: القمر الكبرى، أنجوان، موهيلى، ومايوت الخاضعة للسيطرة الفرنسية حتى الآن والتي تعتبرها فرنسا تابعة لها وتعدها من بلدان ما وراء البحار الخاضعة لسلطتها. كما إن لجزر القمر أهمية استراتيجية كبرى اعتبارا لموقعها، فهي تقع في المحيط الهندي وأقرب الدول اليها هي الموزمبيق وتنزانيا ومدغشقر وجزر السيشل، وكان العرب أول من أطلق تسمية (جزر القمر) على هذه الجزر نظرا لتوزعها على شكل الأوجه الأربعة المعروفة للقمر، فيما يطلق على هذه الجزر فى اللغات الأوروبية مسمى الكومور Comores. وعرف الأرخبيل منذ الاستقلال الكثير من الانقلابات والأزمات ومحاولات بعض الجزر الانفصال، كما عرفت تنافسا بين الزعماء السياسيين وبين زعماء مختلف الأحزاب. والكتاب يساعد القارئ على فهم خفايا الحياة السياسية وتشعباتها في هذا البلد الإفريقي العربي الصغير من خلال شهادة رجل مارس السلطة وله دراية تامة بكل كواليس الحكم وعلى علم بالكثير من الأسرار والخفايا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©