الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسين الواد: خاطرت كثيرا

حسين الواد: خاطرت كثيرا
12 يونيو 2013 20:11
الروائي والأكاديمي التونسي حسين الواد، أحد الأصوات الروائية القديرة في المشهد التونسي، بعد أن دشن وضعيته كروائي يملك مفاتيح السرد ويعلم أسراره ودقائقه، تبدى ذلك بوضوح من خلال روايته الأولى “روائح المدينة” التي نال عنها أرفع جائزة أدبية في تونس، هي جائزة “الكومار الذهبي” في الرواية. وفي روايته الثانية “سعادته.. السيد الوزير”، التي ترشحت على اللائحة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2013)، يبرز الحس الروائي الساخر وروح الفكاهة والمفارقة الحادة، في معالجة موضوع سياسي بامتياز. يسعى وزير فاسد من خلال لائحة دفاع أو معارضة قانونية يلقيها أمام المحكمة، إلى الدفاع عن نفسه إزاء الاتهامات الموجهة إليه بعد سقوطه هو ومن جعله “وزيرا بالصدفة”، وبعد أن رفض المحامون الدفاع عنه بسبب الجرائم التي ارتكبها، وما وراءه من ملفات الفساد، حيث عمل في حاشية “سيادته” الذي تومئ له الرواية “الرئيس المخلوع بن علي”، وتتناول مراحل حياة الوزير عندما كان معلما في المدارس الابتدائية يعاني الفقر والحرمان ومتاعب الحياة، فساقته المصادفة إلى منصب وزير في دولة يحكمها الفساد. حسين الواد، من مواليد 1948 بإحدى مدن الساحل التونسي. حاصل على شهادة دكتوراه الدولة في اللغة العربية وآدابها. درّس بالجامعات التونسية وبعض الجامعات العربية النظريات والمناهج النقدية الحديثة وتطبيقاتها على الأدب العربي. شغل عدة مناصب علمية وثقافية رفيعة، وكان عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، ومديرا لمعهد بورقيبة للغات الحية بتونس، وممثلا لبلده لدى منظمات العمل المشترك الدولي والعربي والإسلامي في التربية والثقافة والعلوم “يونسكو- ألكسو- إيسيسكو”. أسهم الواد في السبعينيات من القرن الماضي في تأسيس حركة الطليعة الأدبية بتونس وكان بحثه المنشور تحت عنوان “البنية القصصية في رسالة الغفران” من البحوث المبتكرة التي طبقت المنهج البنيوي في الجامعات العربية، مثلما كان بحثه “المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب: تلقي القدامى لشعره” تجربة باكرة أيضا في الاستفادة من نظريات التلقي والتطبيق على الأدب العربي القديم. ويتحدث الروائي والأكاديمي التونسي لـ”الاتحاد الثقافي” عن ملامح تجربته ومغامرته مع النشر في ظل نظام قمعي كان لا يتورع عن الفتك بأي صوت معارض. ? الكتابة الروائية لدى الباحث والأكاديمي.. متى بدأت وكيف تشكلت؟ ?? شأني شأن الكثيرين ممن جذبتهم الكتابة وشدهم الإبداع. بدأت بكتابات أولى قصيرة، بدت لي بعد ذلك دون المستوى ولا تستحق عناء النظر إليها مجددا، وخلال تلك الفترة كنت مهموما بالمشاركة في تأسيس حركة الطليعة التونسية، ثم انهمكت في الدراسة الأكاديمية بحثا وتدريسا، كنت معنيا خلالها بتطبيق المناهج النقدية الحديثة على النصوص السردية، في الأدب العربي القديم أو المعاصر على السواء، وهو ما مكنني من متابعة أهم النصوص الروائية لكبار الروائيين في العالم العربي. ومن دون مقدمات وجدتني فجأة أمارس كتابة الرواية بل أنخرط فيها، فكتبت نصوصا عديدة ومتنوعة من دون أن أسعى لنشر ما أكتب، فقط كنت أسعى لتلبية نداء داخلي ملح في إخراج هذه النصوص، التي كانت تتراءي لي بعد الفراغ من كتابتها “جيدة” حينا و”ضئيلة القيمة” أحيانا. ? كيف جاءت خطة نشر الرواية الأولى؟ ?? أول ما فكرت في نشر ما أكتب، جال بخاطري النشر في الخارج، لكنني لم أتحمس لتلك الفكرة لأنني أكتب في الأساس عن بلدي وهموم ناسي وأهلي، فلا يعقل أن أتوجه لغيرهم بما كتبت، فالمعنيون بالمقام الأول بما كتب عن هذا البلد هم أهله، تلا ذلك أن ناشرا من معارفي بتونس كان قد اطلع على إحدى مخطوطات رواياتي وأخبرني بأنه “لا يريد خسارة السوق التونسية” خشية الطرح السياسي الذي تعالجه الرواية! وكنت قد عرضت مخطوطة روايتي الأولى “روائح المدينة” على الأستاذ الصديق توفيق بكار، مسؤول تحرير سلسلة “عيون المعاصرة” التي تصدر عن دار الجنوب التونسية للنشر من دون أن أعلمه بأنني مؤلفها. وفوجئت برد فعل الصديق بكار الذي بادرني بقوله “هذه رواية من طراز عالمي”، لنشرع بعدها في التفكير في إمكانية وكيفية نشرها في ظل توجسنا من رد فعل السلطة. في ذلك الحين كانت مخطوطة الرواية قد تم تصويرها ونسخها وأصبحت تتداول عن طريق “التصوير، مما أتاح لها انتشارا واسعا وسط شرائح عريضة من الجمهور، حينها لم يعد لدينا خيار آخر، فأبلغني صاحب الدار أنه مستعد “للمجازفة”. كنت خارج تونس وقتها، وصدرت رواية “روائح المدينة” قبل اندلاع الوقائع التي أطاحت بالنظام الحاكم بتسعة أشهر. ظللنا طوال تلك الأشهر نتحاشى الإشهار لتلك الرواية منتظرين أن تمر من دون أن تستجلب انتباها تحسبا لرد فعل السلطة. لكن الصحافة المكتوبة منها باللغة الفرنسية على وجه الخصوص، استقبلتها بكثير من الحفاوة والتقدير. شعرت أن الثورة قد أسدت لي، بقيامها، جميلا فدفعت، على سبيل الامتنان، بالرواية الثانية “سعادته.. السيد الوزير” للنشر. الإبداع والنقد ? هل تأخر ظهور المبدع والكاتب الروائي لحساب الأكاديمي المتخصص في الأدب والنقد؟ ?? في ظل دول الاستبداد وما وصلت إليه من فساد واستفحال للتعصب ونشر للتجهيل وتهافت للعيش على جميع المستويات، كان من غير الممكن السماح بنشر روايات وأعمال تنتقد النظام صراحة أو رأسه. كنت أقدّر أن نشر هذه الأعمال المخطوطة، في ظل دول الاستبداد، “مغامرة محفوفة بالمخاطر” تفتح عليّ كثيرا من المتاعب. ثم أن هذا النوع من الدول الجامعة بين التسلط والجلافة يستعمل طرقا دنيئة ومنحرفة في إلحاق الأذى بمعظم الذين قد تتعارض أفكارهم أو مواقفهم مع الشهوة العارمة في إبقاء الشعوب مستكينة وجاهلة. ? بين “روائح المدينة” التي دشنت اسمك كاتبا روائيا قديرا إلى “سعادته.. السيد الوزير”، روايتك الثانية، مسافة زمنية وجيزة وتحقق لها نصيب من النجاح لم يقل عن سابقاتها.. ما الظروف التي أحاطت بنشرها؟ ?? فوجئت عندما فازت “روائح المدينة” بالكومار الذهبي، فقد كنت خالي الذهن من ترشيحها لها إذ كنت خارج تونس. ثم فوجئت ثانيا بدخول “سعادته.. السيد الوزير” قائمة البوكر القصيرة 2013 فعندما ذكر لي الناشر، بصفة عرضية، أنه رشحها لهذه الجائزة لم أعر الأمر أهمية. لم يكن ذلك لأنني لا أقدر هذه الجائزة فالذي أعرفه عنها أنها مهمة وعلى حظ وافر من الجدية، إنما هكذا لا أعرف ولم أسع لأن أعرف، لا أكثر ولا أقل. ? قوبلت روايتاك “روائح المدينة” و”سعادته.. السيد الوزير” بحفاوة في الداخل التونسي فيما تأخر قليلا في العالم العربي؟ ?? الروايتان صدرتا وأنا في خارج تونس، وبالتالي لم أتابع ما قد يكون كتب عنهما في الصحافة الثقافية، عدا ما وفره لي الناشر من مواد هنا أو مقالات قصيرة هناك تعرضت لهما، هي في مجملها لا تعدو إشارات إلى الإعلان عن صدورهما أو التعريف بموضوعهما أو عرض موجز ولا شيء غير ذلك. عقب ذلك بمدة، رأيت بعض المقالات التي أرسلها إليّ بعض الأصدقاء، ومنها ما كان جيدا. وفي العموم لاحظت أن الإقبال على معظم ما كتبت ظل يتسم بالضآلة، ربما لأسباب منها أنها قليلة العرض بالمكتبات لقلة الطلب لها، ولم أهتم بالبحث عن كتابات أخرى. هذا لا يعني أنني غير مبال بما يكتب عن أعمالي، إنما لديّ قناعة بأن الكتاب يصبح، من اللحظة التي يصدر فيها، ملكًا للقراء، تنتهي رحلته مع مؤلفه لتبدأ رحلته مع الجمهور. صوت الروائي ? بحكم الجمع بين مسارين في الكتابة هما “الإبداعية” و”البحثية”.. كيف ترصد بعين الروائي الباحث ما يدور على الساحة الروائية في تونس، وكيف ترى موقع صاحب “روائح المدينة؟ ?? سأبدأ بالشق الثاني من السؤال لأن الإجابة عليه أقرب. لا أعرف كيف أموضع صوتي الروائي ولا أن أحدد مكانه وقيمته وسط الآخرين، فهذا يُعنى بتحديده المتابعون والمحللون والنقاد لا أنا. من بين الروايات التونسية أعمال كثيرة جديرة بالتقدير، ثم إني لا أعرف ما إذا كان لي صوت روائي فعلا. واحتفاء القراء بأي عمل لا يعني حتما أنه عالي الجودة. حدود مملكة الأعمال الإبداعية غير مرسومة بصفة نهائية وهي معرضة لكثير من الاختراق. نصوص فنية كثيرة تشتهر في أزمانها ثم سرعان ما تطوي يد النسيان ذكرها. والعكس موجود وبكثرة. فرق كبير بين القيمة الحقيقية والمبهرجة. في العادة أنظر إلى كل عمل روائي في ذاته. أدرك أنه استوى عندما أجدني عند قراءته كأنما أقرؤه لأول مرة وكأنما غيري هو الذي كتبه. أما النصف الأول من السؤال، فالرواية التونسية، يصدق عليها ما يصدق على الرواية في كثير من البلدان العربية، حيث طوت في نصف قرن المراحل التي مرت بها الكتابة الروائية في أوروبا في ما لا يقل عن قرنين من الزمان. انطلقت في البداية مضمونا بلا شكل، ثم حدث فيها شيء من التوازن بين الشكل والمضمون ثم أصبحت أشكالا بلا مضامين. غير أن معظمها كان، في هذا كله، شديد التأثر بالنماذج الغربية. وأقل القليل كان يستمد طرافته وأهميته من اللون المحلي الذي يتحدث عنه. أقول هذا وإن كنت أرى أن المسألة لا يستقيم أن تطرح في نطاق “الأصالة” و”التقليد”، فهذه ثنائية خاطئة كسائر الثنائيات المعششة باطلا راسخا في معظم الأذهان مثلما كنت دائما أستهجن الاستمرار في الفصل المغالط بين الشكل والمضمون. زوجة الوزير.. وزيرة * أصبحت لزوجتي أميرة علي شغالة وطباخة وجنّان وسيارة لشؤونها الخاصة وشؤون الأولاد وسائق. امتنع الأولاد في اليوم الأول عن الذهاب إلى مدارسهم بالسيارة. هربوا، ثم سرعان ما اعتادوا وألفوا فصاروا لا يخرجون من البيت إلا قبيل موعد الدرس بدقائق. ركوب السيارة أفضل في جميع الأحوال من السير على الأقدام. الجنان يطبخ شايه ويجلس في الظل وفي الشمس فحديقتي صغيرة ليس فيها لا نبات ولا أشجار ولا أزهار. قدمت الشغالة لزوجتي قائمة في لوازم العمل غسالة وكناسة كهربائية وجفافة. الطباخة لا عمل لها سوى رواية القصص والخرافات لزوجتي. حكايات مسلية في نظرها وتافهة سخيفة مملة في نظري. هممت بأن أطلب منها أن تجعل بينها وبين الشغالة مسافة فامرأة الوزير وزيرة أيضاً. لكنني خشيت أن أجرح، دون قصد، مشاعرها. غرقت زوجتي في وضع التصاميم لما ينبغي أن يصبح عليه البيت. قالت: “نضيف غرفة جديدة ونوسع قاعة الجلوس”. لم أنتبه لكلامها فقد بدأت شؤون وزارتي تشغلني. قالت: “سمعت ما قلت لك؟”. نظرتُ إليها مستغرباً فوقع بصري على صدرها الكبير المترهل. خطر في ذهني منظر صدر كاتبتي الناهد النافر الصلب. لاحظت، بعد زجري إياها، أنها أصبحت تأتي في لباس محتشم. إلا أنها كانت تزيح، ما إن تحل بمكتبها، الفولارة الحريرية الشفاف التي تستر بها عنقها فتصبح مساحة شاسعة من أعلى صدرها ظاهرة. رأت عيني تطيلان الاستقرار على منبت النهدين، فأكثرت من الدخول عليّ وافتعلت، عند تقديم الملفات، انحناء يبرز لدونة النهدين وتكورهما. تسمر نظري على نفور النهدين مرات ودوت في رأسي المدافع. تأملت صدر زوجتي المتهدل فأصابني قرف. أيكون هذا الصدر هو الصدر نفسه الذي كان في يوم من الأيام يزدان برمانتين صلبتين (...).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©