السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مستقبل» الحروفية العربية.. في الماضي

«مستقبل» الحروفية العربية.. في الماضي
12 يونيو 2013 20:13
افتتح الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون (دبي للثقافة) معرض “فنون إسلامية”، الذي يقيمه مركز دبي لفن الخط العربي، الذي يتبع الهيئة، في مقر ذي آرا بدبي بالتعاون مع صالة العرض ذي آرا. يشارك في المعرض الخطاطون: إيمان البستكي، وفاطمة سعيد البقالي، ونرجس نور الدين من الإمارات، وموفّق بصل من لبنان، وتاج السرّ حسن من السودان، وعبد الرزّاق محمود من سورية، وعديّ الأعرج، ووسام شوكت من العراق، وماجد اليوسف من السعودية، ومحمد عبد ربّه علّان من الأردن، ومحمد رضا هنرور، ومريم غلامي من إيران. عند مشاهدة اللوحات المعروضة في هذا الحدث السني، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف سيكون شكل الحروفية العربية مستقبلا؟ ما لا محيد عن أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن الحروفية العربية، أنها تيّار راسخ في سياق الفنون التشكيلية المعاصرة والحديثة، أي أنها تيار ناجز، إذا جاز التوصيف، بحكم ما أنجزه الفنانون العرب خلال الستين سنة الماضية من عمر الحركة التشكيلية العربية إجمالا، مثلما أن له امتداده الراهن الذي يتجسّد عبر فنانين حروفيين من الشباب الذين يقدمون سنويا بمعدل لوحتين إلى ثلاث لوحات حروفية عربية سنويا وفقا للموازين والمواصفات الهنسية الكلاسيكية التب تحكم صناعة الحروفية العربية، إذا أخذنا الإمارات العربية المتحدة نموذجا لذلك وليس على سبيل الحصر، بحروفييها الشبان المواطنين والوافدين، بالطبع فضلا عن الكثير من الأسماء الراسخة في مشهد اللوحة الحروفية العربية والتي لها وقعها في المنجز الفني للحركة التشكيلية العربية ككل. بعيدا عن هذه الحقيقة، فإن الاعتراف بها لا يمنع أبدا التساؤل عن “مستقبل” الحروفية العربية، إنما ليس في ضوء حضور تقنيات حديثة وتدخّل برامج الفوتوشوب الكمبيوترية وسواها في صناعة هذه اللوحة إلى حدّ اختصارها للكثير من زمن الإنتاج الفني، بل بما هو أقرب إلى محاولة رؤية المسافة التي باتت ضيقة أكثر بين الحروفية العربية واللوحة العربية الراهنة ـ معاصرةً وحداثيةً ـ من جهة، ومن جهة أخرى أن الحروفية العربية متطلبة جدا وتحتاج إلى دأب وصبر وتفرغ قد لا يكون متاحا أمام الكثير من الحروفيين العرب. وبالطبع فإن هذه التساؤلات، ومناسبة طرحها هنا، مصدرها معرض “فنون إسلامية”. مخاوف ولئن بدا تيّار الحروفية العربية أكثر التصاقا من سواه بالهوية العربية والإسلامية، فإنه في الوقت نفسه لا يعيش بمعزل عن التيارات الأخرى في الحركة التشكيلية العربية، فضلا عن أن تيار الحروفية العربية هو امتداد واتصال للحروفية بمجملها التي تشيع في قوس الحضارة العربية والإسلامية ومن غير الممكن اعتباره فنّا عربيا خالصا، حتى بالمعنى التاريخي للكلمة إذ أسهمت في تطوير منجزه أمم أخرى تنتمي للقوس الثقافي والحضاري ذاته. وليس هذا القرب من التيارات التشكيلية الأخرى بمصدر قلق على مستقبل الحروفية العربية، هي التي اشتقت لها طريقها الخاص عبر السنوات الستين الماضية وتكرست وانتهى الأمر، بل يأتي من مخاوف وأحاسيس بما يتهددها أكثر مما هو من معارف مسبقة بهذه الأخطار. بالتالي فإن ما يلي من سطور قد يصيب وقد يُخطئ. يشتمل المعرض “فنون إسلامية” على لوحات لثلاث حروفيات إماراتيات وثلاثة حروفيين عرب من العراق وسوريا وحروفيين اثنين من إيران لم يتجاوزوا الأربعين من أعمارهم، قدّموا أعمالا لا تقل سنة إنجازها عن العام 2011. ما يعني أن المتلقي أمام أعمال حروفية لثمانية شبان من أصل 13 حروفيا هم المشاركون جميعا في المعرض. بالتأكيد فإن من الإفراط في التأويل القول بأننا أمام ثمانية “أساتذة” حروفيين كبار، إذ أنّ درب الامتياز في هذا الفن طويل ولا يحتاج إلى الموهبة وحدها فقط بل إلى شروط أخرى من بينها الظرف الاجتماعي الخاص القادر على حمل مغامرة فنية من هذا النوع وفي هذا الزمن الذي نحيا فيه، فضلا عن الشروط الخاصة بالفنان نفسه: الفضول المتَّقِد باتجاه المعرفة أكثر في هذا الحقل وتقنياته وقراءة تاريخ تطور هذه التقنيات، والسعي نحو التميّز بدافع جوّاني أصيل وليس خارجي. لكن الناظر إلى أعمال هؤلاء الحروفيين يدرك تماما، من خلال صنيعهم، أنهم دخلوا إلى هذا الحقل وهم يعرفون أنه ليس خاليا من الأشواك وأن أمامهم وقتا للوصول إلى بنية خاصة في العمل الحروفي تحمل توقيع كل واحد منهم. بهذا المعنى يمكن للمرء أن يكون متفائلا جدا بمستوى الأعمال المشاركة في “فنون إسلامية” وأن يكون أكثر بهجة بما يصنع الحروفيين الشباب. إنما بالمقابل وخارج “آرا غاليري” كم من الحروفيين العرب أتيحت لهم الفرصة ذاتها؟ وكم من الحروفيين يدركون ما أدرك هؤلاء؟. بالتأكيد هم كثر في بغداد والقاهرة، والدار البيضاء ودمشق الباقية، هل هناك جدران تحمي إبداعهم من الذهاب باتجاه اللوحة المعاصرة أو إنجاز لوحة حروفية عربية تمتزج فيها عناصر من الحروفية العربية بعناصر من اللوحة الحديثة بدعوى الانفتاح على التطورات الحادثة في حركة التشكيل العربي؟. شروط إن مقدمات الذهاب إلى تلك المساحة الرمادية بين المنجزين الحروفي والحديث من الممكن أن تجد مبررها في الكثير من الأعمال التشكيلية العربية التي أنجزها فنانون عرب كبار لكنها لم تحمل شرط أي منهما نظريا وجماليا وحتى تقنيا إلا في حالات قليلة ولدى فنانين أمكن لهم أن ينجزوا أعمالا في هذه المنطقة الشائكة لكن أبرز ما تميّز من منجزهم الذي تميّزوا به لم يكن في هذه المنطقة بل عندما كان ولاؤهم للشكل أعلى. والأمر هنا يتعلق باللوحة التي استخدمت الحروف العربية بوصفه واحدا من عناصر عمل تشكيلي لسببين يتعلق الأول منهما بالسعي إلى إضفاء هوية “ما” على العمل التشكيلي تمنح الهوية صفة أنها عربية، ويتمثل السبب الأخير في جعل هذه اللوحة، التي غالبا ما تكون ذات طابع تجريدي، أقرب إلى فهم المتلقي العربي؛ هذا المتلقي الذي نضج وعيه الفني بحيث لا يستوعب أي انحراف جمالي في الشكل يفتح أمام مخيلته أفق آخر للتأويل، بل غالبا ما يضيق الوعي الفني ذرعا بالحاجة إلى التأويل. بمعنى آخر فإن الفنان هنا يسعى إلى تسويق عمله الفني أيضا إنْ بشكل أو بآخر. إن بحث الحروفي العربي عن أسباب عيشه هي رغبة كريمة وجديرة بالاحترام. بالمقابل فإن مقتني الحروفية العربية في بلاد تكاد تخلو من تقاليد خاصة بتسويق الفنون وتوزيعها قد حصرت وجود هذا المقتني بالمؤسسات العامة والكبرى وبعيدا عن المتاحف. إن هذه الحال تساهم في عزلة الحروفي، في حين تدفع به أسباب العيش إلى تقديم تنازلات فنية وجمالية على حساب الوعي ولمصلحة ذائقة غير سوية لا تميّز بين عمل حروفي مشغول كلاسيكيا وآخر مشغول حداثيا، وهذا سبب مشروع للقلق تجاه مصير اللوحة الحروفية العربية، أي الخوف أن تنزاح باتجاه تلك المنطقة الرمادية التي تضيع فيها الهوية وتخسر الجماليات قًدْرا ضئيلا أو كبيرا من حاجة الشرط الفني لها. وهذه الحال ليست نتاج جهل الحروفي، إنما هي ممارسة فنية تجد لها مبرراتها النظرية ومسوغاتها الجمالية على هذا النحو أو ذاك، ونتيجتها معروفة بدلالة عدد من الأعمال التي تضمنتها معارض قد جرى عرضها في مناسبات دينية وغير دينية سواء في الشارقة أو أبوظبي أو دبي، حتى أن أعمالا حروفية مرتجلة من بين هذا الاتجاه قد مُنحت جوائز على حساب أخرى أكثر أصالة، وفي الوقت نفسه فإن أقصى ما وصلت إليه الممارسة النقدية تجاه ذلك هو أن اللوحة الحروفية العربية في أزمة، دون الدخول في تفاصيل هذه الأزمة والكشف عن أطرافها والأسباب التي أدت إلى تحولها إلى ظاهرة فنية. اتجاهات وإلى ذلك، فإن أعمال “فنون إسلامية” تشتمل على اتجاهات عديدة في الحروفية العربية، وطبيعة اختيار الحروفي لنوع الخط العربي الذي يستخدمه وكذلك اختيار النوع الملائم، جماليا، لنوع الزخرفة، هي بمجملها إشارات على تميّز هذا الحوفي عن ذاك وعلى جودة حِرَفيته في التنفيذ وتوقع الزمن الذي استغرقته صناعة هذا العمل الذي يولد مباشرة في مخيلة صاحبه ثم يتوضّع على الورق دون أي اختلاف بين ما هو واقعي وبين ما هو تخييلي، إذ لا مجال للارتجال أو الاختبار غير الواعي للمادة الخام واستخلاص نتائج عبر المصادفات إلى أن يولد الشكل، كما هي الحال في اللوحة الحداثية مثلا، وتحديدا في ما يتصل باللون وعلاقته بالشكل عندما يكون تجريديا. إن الحديث هنا عن وعي فني ناضج وخبرات لا تتساهل في قبول أي خطأ في صناعة اللوحة الحروفية بكل اتجاهاتها، كما هي في أعمال تاج السرّ الحسن ومحمد علّان وماجد اليوسف وموفق بصل. وفي المقابل فإن الارتجال والاختبار وغياب الذائقة اللونية عن الدرجتين التي ينبغي عبرهما الجمع بين اللونين الذهبي والأزرق بدلالاتهما الصوفية وغير الصوفية ـ وذلك مثلا لا حصرا ـ تشير إلى أي مدى يتخبط الكثير من الحروفيين العرب الشبّان وغير الشبّان بسبب الافتقار إلى جملة الخبرات الأساسية في الوعي والتجربة التي تقف وراء إنتاج الكثير من الرداءة التي يتم الإصرار على أن ما يتم إنتاجه في سياقها هو اتجاه فني داخل الحروفية العربية يمنح اللوحة الحديثة هوية خاصة بها. تُرى بين هذين القطبين: حاجة الحروفي العربي إلى العيش الكريم ثم الجهل بصناعة الحروفية العربية لدى جيل مقبل من الحروفيين العرب وجيل آخر سابق عليهم، ما الذي يمنع تلك المخاوف من أن تكبر شيئا فشيئا لتصبح أخطارا حقيقية تحدق بمستقبل صناعة اللوحة الحروفية العربية؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©